خطبة جمعة عن الأمن والأمان في الأوطان – مكتوبة – بالعناصر

خطبة جمعة , الأمن والأمان في الأوطان

إن ما يُحاك ببلاد المسلمين في كل زمان ومكان من أعدائهم، يستلزم أن يتكفَّل الخطباء بإلقاء خطبة جمعة عن الأمن والأمان والاستقرار -ولو كل حين-. هنا لدينا خطبة قويَّة مكتوبة ومشتملة على العناصر ومصادر الاستشهاد من الكتابة والسنة.

هنا، وكعادتنا في ملتقى الخطباء بموقع المزيد، نتكفَّل بتزويدكم بخُطبٍ لطالما راجت وطُلِبَت لكي تكون هدًا من الأئِمَّة والوُعَّاظ لينيروا بها عقول وقلوب المتلَقّون لها؛ وها خطبة اليوم.

مقدمة الخطبة

الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض، وله الحمد في الآخرة وهو الحكيم الخبير؛ يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو الرحيم الغفور.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير.

وأشهد أن سيدنا ونبينا وإمامنا وعظيمنا محمدًا رسول الله، الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، والسراج المنير، والبشير النذير؛ أرسله ربه بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون.

اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى وأصحابه الذين عزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه، أولئك هم المفلحون.

يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا، يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما.

الخطبة الأولى

أما بعد، أيها المسلمون عباد الله؛ فإن نِعَم الله على عباده لا تُحصى، كما قال -جل من قائل- في الآية 18 من سورة النحل {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ}، وقال -تعالى- في الآيات من سورة لقمان {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى وَلا كِتَابٍ مُّنِيرٍ | وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ}.

نِعمة الأمن

ومن أعظم هذه النِّعَم أيها المسلمون عباد الله، نعمة الأمن؛ أن يكون الإنسان آمِنًا على نفسه، آمِنًا على عرضه، آمِنًا على ماله، آمِنًا من أن يُعتدى عليه، من أن تُذَل كرامته، من أن تُدنَّس سمعته، من أن تُتناول سيرته بالسوء.

هذا الأمن في شريعتنا معشر المسلمين نعمةٌ امتنَّ الله -عز وجل- بها على عباده؛ فقال -جل من قائِل- في الآية 57 من سورة القصص {وَقَالُوا إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ}.

وقال -جل من قائل- في سورة قريش {الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ}.

وفي الآية 67 من سورة العنكبوت {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ}، وفي الآية 57 من سورة القصص {أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا}.

الأنبياء -صلوات الله وسلامه عليهم- سألوا ربهم هذه النعمة.

فهذا خليل الرحمن -عليه السلام- يدعو ربه قائلا -في الآية 126 من سورة البقرة {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ}، وفي الآية 35 من سورة إبراهيم {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ}.

الله -جل جلاله- جعل في كتابه الأمن جزاءً للإيمان والعمل الصالح. واقرأ في الآية 55 من سورة النور {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا}.

لما جاء عدي بن حاتم -رضي الله عنه- إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دعاه إلى الإسلام، فقال له: أنا ذو دين.

فقد كان عدي نصرانيّا.

فقال له النبي -عليه الصلاة والسلام- «أنا أعلم بدينك منك؛ ألست من الركوسية، وأنت تأكل مرباع قومك؟» أي: من الغارات التي يشنها قومك على عادة العرب. قال: بلى. قال ﷺ «فإن هذا لا يحل لك في دينك».

ثم قال له «أما إني أعلم ما الذي يمنعك من الإسلام، تقول: إنما اتبعه ضعفة الناس، ومن لا قوة له، وقد رمتهم العرب. أتعرف الحيرة؟» قال: لم أرها، وقد سمعت بها. قال: «فوالذي نفسي بيده، ليتمن الله هذا الأمر، حتى تخرج الظعينة من الحيرة، حتى تطوف بالبيت في غير جوار أحد، وليفتحن كنوز كسرى بن هرمز» قال: كسرى بن هرمز؟ قال: «نعم، كسرى بن هرمز، وليبذلن المال حتى لا يقبله أحد».

قال عدي بن حاتم: فهذه الظعينة تخرج من الحيرة، فتطوف بالبيت في غير جوار، ولقد كنت فيمن فتح كنوز كسرى بن هرمز، والذي نفسي بيده لتكونن الثالثة، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قالها.

يا أيها المسلمون، يا عباد الله؛ بالأمن يكون العيش هنيئا، يكون الطعام مَرِيئًا، يكون النوم هادئا، يستطيع الناس أن يتنقَّلوا في فِجاج الأرض وهم مطمئنون، يثمرون أموالهم ويطيبون معايشهم؛ بل، بالأمن يستطيعون أن يعبدوا ربهم.

فلولا الأمن ما استطاع الناس أن يحجوا ولا أن يعتمروا، ما استطاع الناس أن يذهبوا إلى المساجد في الجمع والجماعات، لولا الأمن ما كانت حياة طيبة ولا عيش هانئ؛ هذه نعمة من أعظم نعم الله، مقابلها الخوف.

ماذا عن الخوف؟

الله -جل جلاله- جعل الخوف جزاءً على الكفر والمعاصي. يقول -سبحانه- في الآية 112 من سورة النحل {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ}.

دائما القرآن يقرِن بين الأمن والطعام، وبين الخوف والجوع. واقرأ ما جاء في الآية 155 من سورة البقرة {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمْوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ}. قالوا: لأن الجوع هو ذُل الباطن، والخوف هو ذل الظاهر.

الإنسان الخائِف يكون الذل باديًا عليه، ظاهرًا على وجهه وفي تصرفاته وفي أفعاله.

يا أيها المسلمون، يا عباد الله؛ هذه النعمة العظيمة ينبغي لكل عاقِل أن يحرص عليها، وأن يسعى في إقرارها.

مفهوم الأمن

ولا نعني بالأمن ما تذهب إليه أذهانُ الناس للوهلة الأولى من حصره في مجال ضيّق. بل الأمن يشمل الأمن العقدي؛ أن يكون الناس آمنين من أن تنتشر بينهم مذاهِب هدَّامة أو بِدَع أو خرافات أو شعوذة، أو ما بخدش دينهم ويؤثر في معتقدهم.

أن يكون الناس في أمنٍ فكري، من أن تغزوهم أفكارٌ تعارِض دين الإسلام في قطعيّاته الثابتة، أن يكون الناس في أمنٍ قيمي، سالمين من أن يعتدى عليهم، من أن تسري فيهم تِلك الألفاظ الساقطة والعبارات النابية. فإن الله -جل جلاله- قال {وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ}.

وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «ألا أنبئكم بخياركم؟» قالوا: بلى يا رسول الله! قال «خياركم الذين إذا رءوا ذكر الله عز وجل».

وقال ﷺ «شرار عباد الله المشاؤون بالنميمة المفرقون بين الأحبة الباغون للبرآء العيب».

الذين يهمزون ويلمزون ويطعنون، وينشرون الفُحش، وبذاءة اللسان، وخُبث المنطق بين الناس؛ هذا كله ينبغي أن يأمن الناس شره.

فالأمن في ديننا أمنٌ عام، وعد الله به عباده المؤمنين؛ فقال -تعالى- في الآية 82 من سورة الأنعام {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ}.

أسأل الله -عز وجل- أن يؤمننا في دورنا، وأن يصلح ولاة أمورنا؛ وأن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه؛ إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين. وأشهد أن لا إله إلا الله إله الأولين والآخرين؛ وأشهد أن سيدنا محمدًا عبد الله ورسوله النبي الأمين. اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعد أيها المسلمون؛ فاتقوا الله حق تقاته، وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون.

واعلموا إخوتي في الله أن كثيرا من الناس يدَّعي أنه مُصلح، وهو في واقِع الأمر مُفسدٌ يبغي للبلاد والعباد شرًا وسوءً، هذا دأب المنافقين من قديم. ففي الآية 11 من سورة البقرة يقول الحق -جل وعلا- {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ}.

وفي الآيات من نفس السورة نقرأ {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ | وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الْفَسَادَ | وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ}.

من هؤلاء المفسدين من ارتفعت أصواتهم من وقتٍ بعيد في بلادنا يطالبون بحل الأجهزة الأمنية، أو بتعبيرهم المموه المبطن «أعاده هيكلتها»؛ هكذا يريدون أن يجعلوا البلاد مرتعًا لكل غادٍ ورائِح؛ يريدون أن يجعلوا البلاد نهبًا لكل طامع، يريدون أن يعرّوا بلادنا مما يحفظ أمنها ويصون كرامة أهلها. من أجل أن تأتي المخابرات العالمية وعملاؤها وأجهزتها فتصنع فيها ما تريد؛ هذا الذي يريدونه.

لأنَّ كثيرًا من هؤلاء عُملاء لتلك الأجهِزة، وبعض من يُنادي بذلك إنما هو مغفل، لا يدري ما يقول، لا يدري ما يترتب على مقولته تِلك.

يا أيها المسلمون، أن هؤلاء الداعين إلى حل الأجهزة الأمنية إنما يتذرعون بأن فسادًا وتعديًا قد حصل من بعض أفرادها. -سبحان الله-؛ أيُّ جهاز في الدنيا يسلمُ من ذلك، إي مهنة في الدنيا.

الفساد قد يقع من القضاة، قد يقع من الأطباء، قد يقع من الدعاة، قد يقع من المدرسين، قد يقع من غيرهم.

ما يطالب الناس أبدا بأن تُحَل الأجهزة التي تنظِّم مهنة الطبابة، أو التي تنظم عمل القضاء أو التي تنظم مهنة المحاماة، أو التي تنظم عمل المدرسين؛ أبدًا.

من أفسد، من أخطأ، من أجرم، فإنه يعاقَب بقدر جرمه على ما شرع الله -عز وجل-. أما أن يتنادى هؤلاء من أجل أن يزرعوا عداوةً وبغضاء بين هذه الأجهزة وبين عموم الناس، فهذا هو الفساد الذي نهى الله عنه {وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ}.

الدعاء

نسأل الله -عز وجل- أن يحفظ على المسلمين أمنهم واستقرارهم، وأن يقطع دابر المفسدين في كل مكان.

اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلا ولا تجعلنا اتباعه.

اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى.

نسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحُب المساكين.

اللهم إذا أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين.

اللهم فرج هم المهمومين، ونفس كرب المكروبين، واقض الدين عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين، وارحم موتانا أجمعين، وفك أسر المأسورين، وفرِّج عن عبادك المسجونين، ووسع على عبادك المقلين، وانصر إخواننا المجاهدين؛ اللهم ثبت أقدامهم وقوّ شوكتهم، واجمع كلمتهم، وسدد رميتهم، وانصرهم على من عاداهم وعاداهم.

اللهم اجعلنا لك ذكَّارين، لك شكَّارين، لك مِطواعين، لك مخبتين، إليك أوَّهين مُنبين.

اللهم تقبل توبتنا، واغسل حوبتنا، وأجِب دعوتنا، وثبت حجتنا، وسدد ألسنتنا واهدِ قلوبنا، واسلل سخيمة صدورنا.

اللهم أحِل علينا في مجلسنا هذا رضوانك الأكبر الذي لا سخط بعده.

اللهم اجعل وجوهنا من الوجوه الناضرة الناظرة إلى وجهك الكريم؛ واختم لنا بخاتمة السعادة أجمعين.

اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى جميع المرسلين.

وأقِم الصلاة.


خطبة جمعة عن الأمن والأمان في الأوطان

  • ألقاها: فضيلة الدكتور عبدالحي يوسف.
  • عنوانها: نِعمَة الأمن والأمان في الأوطان.
  • فحواها: هي خطبة تُسَلِّط الضوء بشكل أعمَق على نعمة الأمن، ونقيضها «الخوف»، والمفهوم الأوسَع للأمن والأمان؛ فضلا عن مسؤولية الجميع ودورهم تجاه ما يُحاك ضد أمن أوطانهم ومحاولات زعزعة استقراره.

أضف تعليق

error: