خطبة عن فضل الشهادة في سبيل الله ومنزلة الشهداء «مكتوبة»

ومن جديد نلتقي بكم إخواني في ملتقى الخطباء بموقع المزيد، لنُقدِّم لكُم خطبة عن فضل الشهادة في سبيل الله ومنزلة الشهداء. فستكون خطبة مكتوبة وبها الكثير من الاستشهاد المُحكَم من القرآن الكريم السنة النبوية المطهرة حول الموضوع. وسيُتناول الكثير من الجوانب وطرح الكثير من التعريفات المُهِمَّة.

كل هذا يأتيكم في شكل عناصر مُنظَّمة ومنضبطة ومُنسَّقة ليَسهل على الدعاة إلقائها من على المنبر.

مقدمة الخطبة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له قال وهو أصدق القائلين بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين | ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين | إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله ۚ وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين | وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين | أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين).

وأصلي وأسلم على سيد المرسلين سيدنا محمد صلاة وسلاماً يليقانِ بمقامه سيدي وحبيبي وقرة عيني رسول الله؛ الذي قال وهو لا ينطق عن الهوى (ما من مكلوم يُكلم في سبيل الله والله أعلم بما يكلم في سبيله إلا جاء يوم القيامة ولو دمه لون الدم وريح دمه ريح المسك) اللهم صل وسلم وزد وبارك على النبي واجمعنا يوم القيامة تحت لوائه بحولك وقوتك يا ارحم الراحمين.

الخطبة الأولى

وبعد؛ فضل الشهادة ومنزلة الشهداء هذا هو موضوع اللقاء معكم أيها الأحباب بإيجاز غير مخل.

أيها الأحباب؛ لا يمكن لأحد أن ينكر فضل الشهادة ومنزلتها عند الله، لكن اسمحوا لي أن أقول لكم الشهادة منحة ربانية يصطفي الله «عز وجل» لها من يشاء من عباده ويختار، فليس كل أحد أهلاً لأن ينال شرف الشهادة؛ ولذلك سمعتم قول ربكم (وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء) أي أن الله هو الذي يصطفي ويختار.

ومن رُزِق الشهادة فقد رزق الخير كله، ولذا كان دعاء الفاروق عمر -رضي الله عنه- (اللهم إني أسألك شهادة في سبيلك).

والشهادة ليست قاصرة على من مات بأرض المعركة، ليست قاصرة على من مات في ساحة القتال، فعمر سأل الله الشهادة واستشهد في المحراب؛ نعم وأنت أيها الحبيب قد تنال شرف الشهادة وأنت على فراشك؛ (قال «صلى الله عليه وسلم» من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه) اللهم ارزقنا من فضلك.

معنى الشهيد

إذاً أيها الأحباب ليس كل إنسان يمكن أن يُطلق عليه شهيد، فالشهيد وهو من شهد الله له وشهد له الملائكة، وشهد له رسول الله «صلى الله عليه وسلم»

لذا يقول أهل العلم سمي الشهيد شهيدا لأن الله وملائكته ورسله يشهدون له بهذا، فانت أيها الحبيب تسمع كثيراً عن الشهيد فلان، ولكن ليس لك أن تنطق وراءه هكذا، بل قل أحسبه عند الله شهيدا، أسأل الله أن يرزقه الشهادة، وأن يُنزله منازل الشهداء.

فالشهداء أيها الأحباب أنواع؛ شهيد الدنيا والآخرة، وشهيد الدنيا فقط، وشهيد الآخرة فقط.

شهيد الدنيا والآخرة

شهيد الدنيا والآخرة؛ هو من مات أو قتل أو لقي حتفه في أرض المعركة، أي أن الطرف المقاتَل كافراً اعتدى علينا فقاتلناه دفاعاً عن ديننا أولاً لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى.

فقد قاتل صابراً محتسباً مقبلاً غير مدبرٍ صادق النية يطلب الموت؛ وهذا هو شهيد الآخرة إن قتل صدق فيه قول رب العالمين (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون) هؤلاء هم الذين اشترى الله منهم انفسهم فقال (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون).

لما قتل والد جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- يوم أحد يقول: لقيني النبي «صلى الله عليه وسلم» بعدها منكسرا فقال لي: مالي أراك منكسراً يا جابر.

فقلت: أبي قُتل يا رسول الله كما تعلم يوم أحد وترك عيالاً وديّناً؛ ترك سبع بنات أو تسع بنات وديّناً.

فقال له النبي: يا جابر ألا أخبرك بما لقي الله به أباك؛ أوصف لك اللقاء الذي كان بين أبيك وبين الله.

فقال: أجل أخبرني.

فقال: إن الله لم يُكلم أحداً كفاحاً بلا حجاب لكنه أحيا أباك وكلمه كفاحا وقال تمنى علي يا عبد الله.

قال: أتمنى أن تعيدني إلى الدنيا لأقتل في سبيلك.

فقال الله له: يا عبد الله إني كتبت عليهم أنهم إليها لا يرجعون، وقرء (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون) أسأل الله أن يرزقني وإياكم من فضله.

شهيد الدنيا

هو الذي قاتل حمية، عصبية، وطنية؛ ليرى مقعداً، ليرى مكانة ليُذكر، ليأخذ شهرة؛ هذا شهيد الدنيا، ليس له أجر ويا ليت الأمر يقتصر على ذلك؛ بل والعياذ بالله يوم القيامة يُسحب على وجهه إلى النار. فاسمع إلى قول النبي المختار في حديث أول من تسعر بهم النار يوم القيامة.. قال «صلى الله عليه وسلم»: .. يؤتى بالذي قتل في سبيل الله فيقول الله له في ماذا قتلت فيقول أمرت بالجهاد في سبيلك فقاتلت حتى قتلت فيقول الله له كذبت وتقول له الملائكة كذبت ويقول الله بل أردت أن يقال فلان جريء فقد قيل. الله أكبر، هذا هو شهيد الدنيا.

أخي الحبيب أحسن نيتك، أصدق في عملك، فالعبرة ليست بكثرة العمل، أخلص فإن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً وابتغي به وجهه.

من هم شهداء الآخرة؟

أما شهيد الآخرة؛ فهو الذي قال فيه النبي «صلى الله عليه وسلم» كما في حديث عبادة بن الصامت عند البخاري ومسلم (ما تعدون الشهيد فيكم) أي أن النبي «صلى الله عليه وسلم» يسأل الصحابة (ما تعدون الشهيد فيكم) أي من هو الشهيد في نظركم؟ فقالوا: من قُتل في سبيل الله فهو شهيد، فقال: «صلى الله عليه وسلم» إذا شهداء أمتي قليل.

ثم قال «صلى الله عليه وسلم» من قتل دون ماله فهو شهيد ومن قتل دون أهله فهو شهيد ومن قتل دون دينه فهو شهيد ومن قتل دون نفسه فهو شهيد والمبطون شهيد؛ أي من مات ببطنه، والمطعون شهيد والغريق شهيد؛ أي من مات في الغرق، ومن مات في الهدم فهو شهيد، ومن مات بالسل؛ أي مرض الصدر عافانا الله واياكم شهيد، ومن يقتله جنبه فهو شهيد؛ أي التهاب رئوي حاد، والمرأة تموت في نفاسها شهيدة يأتي ولدها فيجرها بسرره إلى الجنة يوم القيامة) اللهم صل على النبي محمد.

فليس جميع الناس لديهم الجرأة والشجاعة وقوة الإيمان لتقف في أرض المعركة تواجه وتقاتل العدو حتى تستشهد فتنال الشهادة.

ففي هذا الباب الواسع سيدك النبي «صلى الله عليه وسلم» يطمئنك إن مات لك ولد، إن ماتت لك أم، ماتت، إن ماتت لك أخت أو حبيب بمرض عضال “فشل كلوي” أو مات بالكبد الوبائي، أو مات حتى في هذا الوباء الذي انتشر؛ وباء كورونا، من مات فيه فهو إن شاء الله نحسبه من شهداء الآخرة.

لما قال رجل للنبي «صلى الله عليه وسلم» يا رسول الله أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي قال: لا تعطه مالك، قال: أرأيت إن قاتلني، فقال: استعن عليه بمن حولك من المسلمين، قال أرأيت إن لم يكن حولي أحد من المسلمين، قال: استعن بالسلطان عليه، قال: أرأيت إن نأى السلطان عني، فقال: قاتله حتى تحمي مالك أو تكون من شهداء الآخرة.

اللهم صلي على النبي محمد، اللهم صل على النبي محمد. فاسمع أيها الحبيب؛ خالد بن الوليد -رضي الله عنه وأرضاه- حضر ثمانين معركة انتصر فيها جميعا، لكنه لما حضرته الوفاة مات على فراشه وهو يقول: ها أنا ذا أموت كما يموت البعير فلا نامت أعين الجبناء) فهل نسي أحد خالد بن الوليد، أسأل الله أن يرزقني وإياكم أجر خالد وسائر الصحب الكرام أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم.

الخطبة الثانية

الحمد لله وكفى وصلاة وسلاماً على سيدنا المصطفى صلى الله عليه وآله وصحبه وكل من سار على هديهِ واقتفى.

منزلة الشهيد عند الله

أخر تذكرة؛ للشهيد عند الله ست خصال كما أخبر رسول الله «صلى الله عليه وسلم» فماذا أعد الله للشهيد:

  • الكرامة الأولى: قال «صلى الله عليه وسلم» يغفر له بأول دفعة من دمه.
  • الكرامة الثانية؛ أنه يرى مقعده من الجنة.
  • الكرامة الثالثة؛ أنه يجار من عذاب القبر.
  • الكرامة الرابعة؛ أنه يأمن من الفزع الأكبر.
  • الكرامة الخامسة؛ أنه يُحلى حلة الكرامة، أي يلبس حلة الكرامة الياقوتة فيها خير من الدنيا وما عليها.
  • الكرامة السادسة: أن الله «عز وجل» يزوجه من الحور العين 70.
  • الكرامة السابعة: يشفع في سبعين من أقاربه.

أرأيتُم فضل الشهادة في سبيل الله؟ أسأل الله أن يرزقني وإياكم شهادة في سبيله وموتاً في مدينة رسوله.

الدعاء

  • اللهم احفظنا واحفظ بلادنا من كل مكروه وسوء.
  • اللهم إنا نسألك أن ترزقنا عيش السعداء ومنازل الشهداء.
  • اللهم إنا نسألك العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة.
  • اللهم عافي كل مبتلى مسلم ولا تحرمه يا ربنا أجر شهداء الآخرة.
  • اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولكل من له حق علينا.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيد المرسلين.


تفاصيل الخطبة

  • عنوانها: خطبة عن فضل الشهادة في سبيل الله ومنزلة الشهداء.
  • للشيخ: الشيخ مكرم عبد اللطيف.
  • فحواها: أطنبت الخطبة في الحديث عن فضل الشهادة ومنزلة الشهيد، وما أعدَّه الله -سبحانه- له في الدَّار الآخِرة. فإذا كانت خطبة الجمعة القادمة لديك ستكون عن هذا الموضوع، كونها خطبة موحَّدة من وزارة الأوقاف أو اخترتها أنت لتُلقيها على المصلين في مسجدك، فأنت بصدد خطبة قوية ومؤثِّرة؛ فاغتنمها.

رأي واحد حول “خطبة عن فضل الشهادة في سبيل الله ومنزلة الشهداء «مكتوبة»”

أضف تعليق

error: