خطبة جمعة عن شهر رمضان مكتوبة

إلى أئمتنا وخطبائنا الأكارم الأجلاء نسوق هذه المباركة. هذه خطبة جمعة عن شهر رمضان مكتوبة ومُحْكَمة المعاني والعِظات والإرشاد. نقدمها لهم لتكون نفعًا للمسلمين في هذا الشهر الفضيل، وأن ينهلوا منه الفضائل والرَّحمات كما أوصاهم رب الأرض والسماوات ﷻ.

هذه الخطبة تأتيكم في قسم ملتقى الخطباء وصوت الدعاة بموقع المزيد، وكُلنا أمل أن تنال استحسان ورضى الجميع، أئمة ومأمومين، وأن ينتفع بها الجميع.

خطبة جمعة عن شهر رمضان مكتوبة

مقدمة الخطبة

الحمد لله المعبود المستعان، شمل برحمته أهل البِر والإحسان. سبحانه أمرنا بذكره وشكره في كل الأوقات، وتفضل علينا فأكرمنا في عامنا بنفحات.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، إله واحدًا صمدا. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيّه وخليله.

اللهم صل على سيدنا محمد صلاة ترضيك وترضيه وترضى بها عنا.

الخطبة الأولى

أما بعد؛ فأوصيكم ونفسي أيها المسلمون بتقوى الله ﷻ.

معشر الصائمين؛ هنيئا لكم بلوغ رمضان. هنيئا لكم بلوغ هذا الموسم العظيم الذي اختصَّه الله ﷻ بألوان وأنواع من الخصائِص لا توجد في غيره من الأشهر. أليس هو الشهر الذي إذا دخل فُتّحت فيه أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار؟ وصُفدت الشياطين فلا يخلصون إلى ما كانوا يخلصون إليه من قبل؟ أليس هو الشهر الذي وعدكم رسول الله ﷺ إن أنتم صمتموه إيمانا واحتسابا أن يغفر الله لكم ما تقدم من ذنوبكم؟ وان قمتم لياليه إيمانا واحتسابا أن يغفر الله لكم ما تقدم من ذنوبكم؟ ومن أدرك منكم ليلة القدر فقامها إيمانا واحتسابا غُفر له ما تقدم من ذنبه؟

وعن ماذا أتحدث، وماذا أذكر وماذا أذر من خصائص هذا الشهر الأغر.

رمضان شهر القرآن

أيها المؤمنون، إذا ذُكِر رمضان ذُكِر القرآن. فلقد ارتبط القرآن برمضان، وارتبط رمضان بالقرآن. فكانت الحياة؛ كانت حياة القلوب بهذا الوحي الذي نزل على قلب محمد ﷺ ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ﴾.

كانت به حياة القلوب؛ ﴿أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا﴾.

فرمضان -أيها الأحبة- لم ولن يكون حياة إلا إذا ارتبط القلب بأصل حياته، وهو إقباله على ربه ﷻ، وإخباته وخضوعه. ولن يتم هذا والله على الوجه الأكمل إلا أن يوفَّق العبد للإقبال على هذا القرآن العظيم؛ تلاوة واستماعًا بقلب حي، وتدبر لآياته العظام.

تأملوا معي -أيها المؤمنون- يا أتباع محمد ﷺ، ويا أحبابه. تأملوا معي مشهدًا من مشاهد الحياة في هذا الشهر العظيم، حياة القلوب. حينما كان يلتقي جبريل “عليه السلام” بنبينا ﷺ في أمثال هذه الليالي. كان كما قال ابن عباس: كان رسول الله ﷺ أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يدارسه جبريل، حين يلقاه جبريل كل ليلة في رمضان حتى ينسلخ -أي ينتهي الشهر- يعرض عليه القرآن، فإذا لقيه جبريل كان أجود بالخير من الريح المرسلة.

هكذا يلتقي أفضل رسول ملكي مع أفضل رسول بشري، ليتدارسوا هذا القرآن العظيم. ولكل متأسٍ بهما نصيب من هذا الأثر. وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.

قال أهل العلم في فوائد هذا الحديث: إذا لم يكن لقاؤك للإخوان في رمضان يثمر عنه نوع أو أنواع من الجود والإحسان، فاعلم أن لقياهم جزء من مضيعة الوقت وجزء من قتل هذه الحياة.

وفيها أيضًا بركة القرآن على أهله. فإن الإنسان إذا تلا كتاب الله تلاوة بقلبٍ واع أدى به ذلك إلى أن يكون جوادا كريما كما وقع للنبي ﷺ.

أيها الأحبة، أيها الصائمون القائمون؛ إن رمضان حياة حقا، لكنه لن يكون كذلك إلا حينما نستشعر معنى وقوفنا بين يدي ربنا -جل وعلا- في صلاة التراويح بالذَّات، ونحن لكلام الله ﷻ بقلبٍ مفتوح يتلقّى رسالات الله، وهو يشعر أنه المُخاطَب منه بكل آية تقرع أذنه.

سيكون رمضان والقرآن حياة إذا عشنا بهذه الصفة.

لقد حدثتنا الأخبار في الليالي الماضية القريبة؛ عن أناسٍ أقبلوا على الله ﷻ واقلعوا عن معاصيه، حينما انفتحت قلوبهم لآيةٍ واحدة فقط. فما الظن بقلب ينفتح ويتلقى رسالات الله ﷻ، ويفتح صفحة قلبه قبل أن يفتح صفحة مصحفه؛ ليعلن استعداده لتلقي رسالات الله ﷻ.

رمضان حياة

أيها المؤمنون الباذلون؛ سيكون رمضان حياة لقلوبنا. حينما تمتد أيدينا لمساعدة المحتاجين وإغاثة الملهوفين. وأن نبادر بذلك قبل أن يُعرِّض السائل نفسه لنا، حِفظا لماء وجهه من ذل السؤال ومرارة اليد.

سيكون رمضان حياة حينما نصل من قطع من حبال الود بيننا وبين أحبابنا وأقاربنا ولو بكلمة طيبة أو برسالة جوَّالية أو بهديَّة تمسح غبار الهجر؛ لنُحيي بذلك من درس من معاني الصلة والود، ولنغيظ الشياطين المصفدة التي تفرح بالتحريش بين المؤمنين.

إن أقصَر الطرق لذلك؛ كلمة حسنة. كما قال الله ﷻ ﴿وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا﴾.

ولكن انتبه. لا تتكئ على أريكتك لتنتظر من فلان وفلان وفلان أن يصلوك. لا، بل بادِر وطأ على نفسك، وكن أنت المتقدم ﴿وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ﴾.

أيها المؤمنون سيكون رمضان حياة لقلوبنا حينما نغتنم ساعات الصفاء التي تمر بالقلب في بعض الأحيان. حينها سيكون من حياة القلب أن تترجم ذلك برفع يديك إلى السماء؛ تدعو لنفسك، وتدعو لوالديك، ولمن له حق عليك من مُعلمٍ ومحسن سبق إليك إحسانه، ولإخوانك المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها؛ خصوصا في تلك البؤر الملتهبة التي تعاني من ظلم وجور وتهجير وتقتيل وأحوال لا يشكا حالها إلا على الله.

سيكون القلب حيا، وسيجد الإنسان لذلك لذة يذوق معها معاني من معاني حياة القلب، حين يدعو وهو صاد عن الناس، وهو بعيد عن أنظارهم. لا يرجو إلا فضل الله، ولا ينتظر جزاءً ولا شكورًا من أحد. بل هو يفعل ذلك سعيا في تحقيق معنى ما دلّ عليه قوله ﷺ -في الحديث المتفق عليه- «ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم، كمثل الجسد، إذا اشتكى عضوا تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى».

أيها المؤمنون، سيكون رمضان حياة لقلوبنا حينما نشعر بأن قلوبنا فقيرة إن لم تغنى بالقرآن، ومريضة وميتة إن لم تُحي بالقرآن، وضالة إن لم تهتدي بالقرآن، ومريضة إن لم تستشف بالقرآن.

هكذا سيكون رمضان لنا حياة، وسيكون شهرا مميزا في حياتنا. أما أن تعاملنا معه على أنه غير ذلك، ونظرنا إلى قراءتنا للقرآن الكريم بالذات على أنها مجرد عِبادة محضة فقط، نستكثر من الختمات دون الوقوف على العظات والآيات؛ فإن حياتنا مع القرآن وحياتنا برمضان سيكون وقعها أقل، وسيكون نفعها أخف.

فاتقوا الله -أيها الأحبة- وأعيدوا النظر في تعاملكم، وأعيدوا النظر في تعاملكم مع هذه الليالي ومع هذه الأيام العظيمة التي أحياها الله ﷻ بالقرآن، وشرفها وكرمها بنزول القرآن الكريم.

معاشر الناس تدبروا القرآن

يا أمة القرآن لن يكون القرآن ولا رمضان حياة حقًا إلا إذا حققنا مراد الله ﷻ من تنزيله. والذي بينه بقوله ﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ﴾. فمتى غابت التدبر، ومتى غاب قصد العمل عن القارئ؛ فقط لأجل القراءة! متى غاب ذلك عنه وصار القصد فقط مجرد قراءة؛ فإن الأثر سيكون أقل، وسيصبح الناس بعد ذلك بينهم وبين القرآن مسافة تزداد كلما هذا المقصد العظيم. ألا وهو مقصد العمل ومقصد إصلاح القلب.

ولله در الحسن البصري “رحمه الله” يوم قال: والله ما تدبره بحفظ حروفه وإضاعة حدوده. حتى إن أحدهم يقول قرأت القرآن كله وما يُرى له مع القرآن خلقٌ ولا عمل. وقال مرة “رحمه الله”: إن من كان قبلكم يرون القرآن رسائل من ربهم، يتلونها بالليل ويعملون بها في النهار.

أيها الأحبة؛ حتى نتنعم بالقرآن حقا، وحتى نحيا بكتاب الله حقا، وحتى يكون رمضان هذا العام مميزًا حقا ونعيش معه حياة أخرى، ما رأيكم أن نعاهد من الآن أن نفتح صفحة القلب قبل صفحة المصحف؛ وأن يكون همنا الأول العمل. وأن نعاهد الله ما استطعنا أن ننفذ كل آية تمر بنا. إن كانت أمرا امتثلناه. وإن كانت نهيا اجتنبناه فورا.

ووالله إني لأقسم وأنا غير حانث، إننا تغير؛ بل سنغير من حولنا -بإذن الله-. لأن الله ﷻ قال ﴿إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ﴾.

فدعونا أيها المباركون نُغير طريقة تلاوتنا، ودعونا نغير منهجنا في التعامل مع كتاب ربنا ﷻ. فسنرى من الكريم الأكرم، وسنرى من المحسن ﷻ ما يسر القلب ويبهج الفؤاد.

بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة، ونفعني وإياكم بما فيهما من الآيات والحكمة.

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين والمسلمات من كل ذنب، فاستغفروه؛ إن ربي رحيم ودود.

الخطبة الثانية

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.

أما بعد؛ فرمضان هذا العام يختلف كثيرًا عن أعوامٍ سبقت ومرَّت على المسلمين منذ عقود. يدخل رمضان هذا العام وعدد من إخواننا المسلمين في بلاد إسلامية وفي بلاد عربية وفي أقليات داخل دول كافرة، يعانون الأمرَّين. من خوفٍ وجوع وانفلات أمنٍ وجور من الحكام وتشتت الأُسَر وأموات بالآلاف والجرحى بمئات الآلاف، فضلا عن الغلاء الفاحش في الأسعار، في محنٍ ومصائِب لا يشكا حالها إلا إلى الله.

كل هذا أيها الآمنون، أيها الصائمون، أيها القائمون؛ كل هذا يدعو إلى أمورٍ، أعظمها الوقوف معهم بما نستطيعه. ومن أعظم يبذل في هذا ولا يبخل به إلا بخيل هو الدعاء لله ﷻ أن يفرج الله كربتهم، وأن يرحم ضعفهم.

الدعاء لهم في السويعات التي ترجى إجابتها: عند الفطر، وعند السحر، وفي آخر ساعة من هذا اليوم العظيم، وفي لحظات السجود، وغيرها من الأوقات.

والأمر الثاني الذي لا مناص منه أيها الصائمون القائمون، هو شكر الله ﷻ على ما نعيشه نحن في أمن وأمان لا يعرف نعمته إلا من فقد بعضه، فضلا عمن فقده كله.

فقد كثير حولنا مما نعيشه نحن. ولكن ثِقوا -أيها الأحبة- أن النعم لا تُقيَّد إلا بالشكر، والشكر لا يكون إلا بالعمل. قال الله ﷻ مخاطبا صفوة الناس ﴿يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾.

ولننظر في واقِع كثيرٍ من الناس في مثل هذه الليالي. أهُم استشعروا هذا المعنى؟ عدد غير قليل يمضي ليله في سهرات ومتابعة للمسلسلات، وعلى أقل الأحوال إضاعة الأوقات هنا أو هناك؛ إن سلمت من القيل والقال. وعامة النهار يذهب في النوم.

وضياع الوقت هو غالبٌ على كثير من الناس، خاصة منهم الشباب.

أصلح الله الجميع، ونعوذ بالله من غفلة القلوب وموتها.

الدعاء

اللهم يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام نسألك أن تديم هذا الأمن والأمان وأن تعيننا يا رب على ذكرك وعلى شكرك وعلى حسن عبادتك.

اللهم يامن لا يشغله سمع عن سمع، ويامن لا تغلطه كثرة المسائل، ويا من لا يتبرم بإلحاح عباده الملحين عليه؛ أذقنا برد رحمتك وكرم استجابتك يارب العالمين.

اللهم يا مالك الملك، يا من تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء، يا من تعز من تشاء وتذل من تشاء؛ أكرمنا بخيري الدنيا والآخرة يا أكرم الأكرمين.

اللهم هَوّن علينا كل صعب وعَجّل لنا بكل خير.

وصَلّ اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله.


إخوَة الإسلام؛ لقد قدَّمنا لكم أعلاه خطبة جمعة عن شهر رمضان، مكتوبة كاملة. ألقاها فضيلة الشيخ عمر المقبل؛ حفظه الله.

نسأل الله ﷻ أن ينفعنا وإياكم بها. وندعوكم أيضًا للاطلاع على هذه المباركة: خطبة جمعة قصيرة عن شهر رمضان وتربية النفس فيه

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error:
Scroll to Top