خطبة الجمعة مكتوبة عن رعاية الحقوق.. اطمئنان للنفوس

خطبة الجمعة مكتوبة عن رعاية الحقوق.. اطمئنان للنفوس

مقدمة الخطبة

الحمد لله الذي جعل بين المسلمين من الحقوق، ما يزكي النفوس ويبعد عنها مساوي الأخلاق والعقوق، أحمده وأشكره.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، وعلى آله وصحبه، وعلى كل من سلك طريقه إلى يوم تمتاز فيه الخلائق فسابق ومسبوق.

الخطبة الأولى

أما بعد، فاتقوا الله –عباد الله–، واعلموا أن الإسلام فرض على المسلم جملة من الحقوق، تشمل معاملة المسلم لغيره، كما في قوله ﷻ: ﴿وَاعْبُدُواْ اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا﴾.

وأما بين المسلم وأخيه فله من الحقوق مثل الذي عليه، فهي حقوق متبادلة، متى ما حصلت المراعاة لها أثمر ذلك مجتمعا سمته الثقة والوفاء والود المتبادل، فإذا به مجتمع متعاون ومتكافل. وأول تلكم الحقوق ما ذكره الله في قوله: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾.

فالنصيحة –يا عباد الله– حق متبادل بين المسلمين، قال رسول الله: «الدين النصيحة»، ثلاثا، قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: «لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم»، والنصح يتبادر منه إخلاص المودة، وجميل الصحبة، ورعاية سائر الحقوق، والقيام بجميع الواجبات، والمعاونة على أمور الخير وما فيه بر وتقوى، فقد ورد أن رجلا دخل المسجد وقد صلى رسول الله بأصحابه، فقال رسول الله: «من يتصدق على هذا فيصلي معه ؟»، فقام رجل من القوم فصلى معه.

ومن الحقوق –يا عباد الله– التي نبه عليها الكتاب العزيز حق الأخوة وإصلاح ذات البين قال تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾، فعلى أهل الإيمان أن لا يعرضوا عن المتخاصمين من المسلمين، فمن الخطأ الكبير أن لا يسعوا إلى إقامة الصلح بينهما، وإزالة ما أوغر الصدور، وعكر الصفو، وأثار الضغائن والأحقاد، وفي الحديث عن النبي: «لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام».

أيها المسلمون: إن الآداب الاجتماعية التي جاء القرآن الكريم ليربي أتباعه عليها داخلة ولا ريب في جملة حقوق المسلم على أخيه المسلم، فالله سبحانه وتعالى يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ﴾.

فهذه الآيات نبهت على أهم آداب التعامل، فإياك أن تجرح مشاعر الآخرين متناولا أعراضهم بالسخرية وعائبا لها، واجتنب اللمز والهمز والغمز والتنابز بالألقاب، وإياك وسوء الظن بالمسلمين، فإن الأصل في المسلم السلم والسلامة، والأصل في المؤمن الأمن والإيمان، وأعظم من إساءة الظن التجسس وتتبع عورات الآخرين؛ «فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف بيته»، هكذا ورد في الحديث عن النبي ﷺ.

فاتقوا الله –عباد الله–، وارعوا الحقوق التي عليكم لإخوانكم المسلمين؛ فإن في ذلك رضاء رب العالمين.

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم، وادعوه يستجب لكم إنه هو البر الكريم.

الخطبة الثانية

الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله، ﷺ وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد، فيا عباد الله: تالله لو أن المسلمين تنبهوا لحقوق بعضهم على بعض، وقاموا بها حق القيام، لكان لهم الشأن العظيم ما بين الأنام، وحققوا بذلك ما وصفهم به نبيهم الكريم عليه الصلاة والسلام، عندما قال: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى»، فكما أنك تجد جسدك كله يتألم لتألم أي عضو من أعضائه، ولو كان صغيرا، فكذلك الحال ما بين أفراد مجتمع أهل الإسلام، يقفون مع الحزين يخففون عنه حزنه، فيسلو بمواساتهم عما أصابه، ويشجعون العاجز حتى يرفعوا من همته وينافس بتشجيعهم أهل الإقدام، ولا يزالون يثنون بالخير على المحسن حتى يزداد إحسانا إلى إحسان.

وفي الحديث عن النبي ﷺ: «حق المسلم على المسلم ست: إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد الله فشمته، وإذا مرض فعده، وإذا مات فاتبعه»، وتعداد مثل هذه الحقوق في هذا الحديث ليس للحصر –يا عباد الله– بل هو تنبيه على بعضها من النبي عليه الصلاة والسلام؛ فقد يغفل الناس عن التنبه لها، أو لا يعيرونها ما تتطلبه من اهتمام.

فاتقوا الله –عباد الله–، وكونوا مسلمين حقا بمراعاتكم لمثل تلكم الحقوق، والحرص على أن تكونوا لها من الموفين، حتى تدخلوا الجنة آمنين يوم الدين.

هذا، وصلوا وسلموا على رسول الله الأمين، فقد أمركم ربكم بذلك حين قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.

اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آل نبينا محمد، كما صليت وسلمت على نبينا إبراهيم وعلى آل نبينا إبراهيم، وبارك على نبينا محمد وعلى آل نبينا محمد، كما باركت على نبينا إبراهيم وعلى آل نبينا إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن أزواجه أمهات المؤمنين، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعن المؤمنين والمؤمنات، وعن جمعنا هذا برحمتك يا أرحم الراحمين.

⇐ المزيد من الخطب المكتوبة

وفقنا الله ﷻ وإياكم لكل خير وسداد.

أضف تعليق

error: