خطبة: حقوق ذوي الأرحام في القرآن والسنة وبركات صلة الأرحام

من جديد نطل عليكم ومعنا خطبة جمعة مكتوبة، ومؤثرة؛ عنوانها: حقوق ذوي الأرحام في القرآن والسنة وبركات صلة الأرحام. أرأيت! العنوان صريح وموجَّه تجاه صلب الموضوع الذي نتناوله اليوم في خطبتنا.

إذا رأيتم أنكم بحاجة إلى مزيد من الخطب التي تتحدَّث عن نفس الموضوع؛ فموقع المزيد لديه قائمة رائعة تضم العديد من الخطب المنبرية القوية التي تتناول هذا الشأن عن كثب؛ فلا تترددوا في البحث في قسم الخطب لدينا، ومتابعتنا للمزيد فيما هو إن شاء الله ﷻ.

مقدمة الخطبة

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد طه النبي الأمي الأمين العالي القدر العظيم الجاه، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وصفيه وحبيبه وخليله ﷺ وشرف وكرم وبارك وعظم، وعلى جميع إخوانه من النبيين والمرسلين، وسلامُ الله عليهم أجمعين، ورضي الله عن جميع الأنبياء والصالحين.

الخطبة الأولى

أما بعد عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله في السر والعلن، ألا فاتقوه وخافوه.

يقول الله ﷻ في كتابه العزيز ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾، ويقول الله ﷻ في القرآن الكريم ﴿وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾.

صلة الأرحام واجبٌ عظيم

الله ﷻ أمرنا بالثبات على التقوى؛ أن نؤدي الواجبات، ونجتنب المحرمات ﴿وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ﴾، الواحد منا إذا أراد أن يستعطف أخاه المسلم يقول له بالله عليك.

انظروا وانتبهوا معي ماذا ذكر الله في هذه الآية؟ ﴿وَالأَرْحَامَ﴾؛ أي أمرنا بالاعتناء بأمر الأرحام وبصلة الأرحام، وأن نتقي الله ﷻ أرحامنا، وألا نقطع الرحم أي؛ اتقوا الله أن تقطعوا أرحامكم.

هذه الرحم التي تتساءلون بها فيما بينكم لأن الإنسان يقول لرحمه: الرحم التي بيننا وبينك.

فأمر الأرحام أمر مؤكد في الإسلام، وكم من الناس اليوم ضيعوا هذا الواجب وأهملوا هذا الفرض الذي هو صلة الأرحام.

واسمعوا أيها السادة قال -عليه الصلاة والسلام- «لا يدخل الجنة قاطع»؛ أي لا يدخل مع الأولين، لا يدخل الجنة مع الأولين من كان قاطعًا لرحمه.

من هم الأرحام؟

ومن هم الأرحام؟ الأرحام هم أقرباء الإنسان من جهة الأم، ومن جهة الأب، يعني الأجداد والجدات والأعمام والعمات والأخوال والخالات وأبنائهم كل هؤلاء من الأرحام.

الله ﷻ أكد علينا هذا الامر فأوحى إلى نبيه أن يقول «إن قاطع الرحم لا يدخل الجنة مع الأولين» لماذا؟ لأنه ملعون، لماذا؟ لأنه فاسق، لماذا؟ لأنه من أهل الكبائر، لأنه ظالم، لأنه فاجر، لأنه ارتكب ذنبًا عظيمًا عند الله، فإن مات عليه بلا توبة لا يدخل الجنة مع الأولين أما من تاب تاب الله عليه.

قال ﷺ «التائب من الذنب كمن لا ذنب له» فاحذر أن تكون ملعونًا بقطعك لأرحامك بلا سبب شرعي.

لا تُقطعوا أرحامكم

الذي يهجر أرحامه ويقطع أرحامه بلا سبب شرعي هذا من أهل الكبائر، صار فاسقًا وصار متوعدًا بالعذاب والهلاك.

واسمعوا أيها الإخوة قال رسول الله ﷺ «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه» يعني؛ من كان من المؤمنين الكاملين وهذه صفة المؤمن الكامل أنه يؤدي الفرائض، ويجتنب المحرمات، ومن جملة الفرائض صلة الارحام «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه».

هكذا قال الرسول ﷺ فاحذر أخي المسلم أن تكن من الغافلين، الجاهلين، الفاسقين، الذين يقطعون أرحامهم لأغراض دنيئة ولأمور سخيفة كالذي يقول: أنا لا أزوره إلا بعد أن يأتي هو لزيارتي، هذا ليس من الأسباب الشرعية، كالذي يقول: أنا أكبر منه في السن، وهذا ليس الأسباب الشرعية لقطع الرحم، وكالذي يقول: أنا الغني وهو الفقير، أنا أطعمه كيف أذهب لزيارته فيقطع رحمه، وهذا ليس من الأعذار الشرعية.

العذر الشرعي لقطيعة الرحم

أما العذر الشرعي كأن يكون قريبك مرتكبا للكبائر، للفسق والفجور، كأن كان تاركًا للصلاة، زانيًا، شاربًا للخمر، كأن كان ظالمًا يأكل أموال الناس بالباطل، كأن كان لا يتعلم ما فرض الله، كأن كان مهملاً مضيعا للواجبات، هنا تقول له: إما أن تتقي الله وتصلي، إما أن تتقي الله وتترك شرب الخمر، إما أن تتقي الله وتأكل آكل الربا، تترك آكل الربا، إما أن تتقي الله وتتعلم ما فرض الله، أو أنا لا آتي لزيارتك.

أنا أهجرك، أقطعك، لماذا؟ لأجل أن تجره إلى طاعة الله، لماذا؟ لأجل أن تقبل به إلى الفرائض، إلى ما فرض الله.

هنا لك عذر، لأنك بقطعك له يرجع إلى الصلاة، يؤدي الفرائض.

ثم انتبهوا معي إذ كان الرحم ممن يسبون الله والعياذ بالله، ممن يسبون الإسلام، ممن يسبون القرآن، ممن يسبون الملائكة والصلاة وشهر رمضان، أو كان مجسِمًا، يعتقد أن الله جسم، شكل، حجم، جسد، شكل أو صورة، أو ضوء أو ظلام، أو روح، أو قاعد في السماء، أو جالس على العرش، هذا ليس من المسلمين.

إن كان الرحم يشتم الأنبياء هذا ليس من المسلمين، إن كان قريبك ممن يعظمون الكفر ويمدحون الكفر ويروجون للكفر هذا ليس من المسلمين، فإن هجرته، قطعته ليس عليك معصية.

إذا فانتبه هذا ليس له حكم الرحم المسلم لأنه صار كافرًا بالله، لكن انتبه إن كان يقبل منك لو نصحته، قلت له: هذا كفر تشهد.

ففرض عليك واجب مؤكد أن تذهب إليه لنصحه ليتشهد فيرجع للإسلام، هذا فرض مؤكد إن كان من أعمامك أو من أخوالك أو من عماتك أو من خالاتك أو من أبنائهم، لو أنك ذهبت إليه ونصحته ليتشهد، يقبل.

صار فرضًا مؤكدًا عليك أن تذهب إليه، لماذا؟ لإرجاعه للإسلام، لأجل أن يتشهد.

وهؤلاء الذين يكفرون اليوم والعياذ بالله ﷻ كثروا، الذين يتجرؤون اليوم على الكفر صاروا والعياذ بالله يجهرون بذلك في الشوارع، وفي الطرقات، وقد عم الفساد وطم.

كم من منكرات اليوم تنتشر في الطريق، في البيوت، في الشوارع، في الجامعات، في أماكن العمل منها قطيعة الرحم، وأخطر منها وأكبر الكفريات بأنواعها، وأخطر منها ومن كل الكبائر الكفر.

الكفر رأس الكبائر

الكفر هو رأس الكبائر، هو أكبر الكبائر، الكفر بأنواعه أشد من ترك الصلاة، أشد من قطيعة الرحم، فمن سمعتموه وقع في الكفر قولوا له ليتشهد ابتغاء مرضاة الله، انصحوه أن يرجع للإسلام بالشهادتين ولكم أجر عظيم عند الله.

قال ﷺ «من أسلم على يديه رجل دخل الجنة» رواه الحاكم في المستدرك.

وعنه أنه قال «يا أيها الناس، توبوا إلى الله واستغفروه؛ فإني أتوب في اليوم مائة مرة».. فيا فوز المستغفرين.

استغفروا الله.

ولا تقوتكم هنا أيضًا: خطبة: التحذير من الغفلة والبغتة في القرآن الكريم

الخطبة الثانية

الحمد لله وحده؛ وصلاة وسلامًا على من لا نبيّ بعده.

إخواني الرسول ﷺ يقول «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه»، كونوا من الكاملين في الإيمان وصلوا أرحامكم.

وقال ﷺ «أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا الأرحام وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام» الله أكبر، أي بشرى هذه؟ إن عملت هذه المذكورات فأنت من أهل السعادة لأن هذا من صفات المتقين، فأنت من أهل السعادة والبشرى.

قال «تدخل الجنة بسلام» أي؛ بلا سابق عذاب، يا إخواني اسمعوا وانتبهوا ورد في حديث «من سره أن يمد له في عمره ويزاد في رزقه، وأن يحفظه من ميتة السوء فليبر والديه وليصل رحمه».

يبارك لك في رزقك، ويمد لك في عمرك على حسب مشيئة الله الأزلية، وأن تُحفظ من ميتة السوء، ماذا تفعل؟ قال «فليصل رحمه».

أي خيرات هذه، أي بركات ﴿الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ﴾.

هذا إفساد في الأرض، قطيعة الرحم من الإفساد في الأرض، وما أكثر الفساد اليوم، من مسبة الله، من ترك الصلاة، من شرب الخمر، من الزنا، من أكل الربا، من الكذب، من الخيانة، من ضرب بغير حق، ومن سب المسلم بغير حق.

أين الذين ينهون عن الكفريات والمنكرات اليوم، قلة قليلة، وقد روى الإمام أحمد في مسنده أن رسول الله ﷺ قال «إن القوم إذا رأوا المنكر» هنا رأوا؛ شاهدوا أو علموا، «إن القوم إذا رأوا المنكر فلم يغيروه، أوشك أن يعمهم الله بعقاب».

هذا العقاب العام، النكبات العامة؛ زلازل، طوفان، حروب، مجاعة، أوبئة، أمراض، اقتتال، سفك للدماء، احتلال، خراب ودمار. قال عليه الصلاة والسلام «ما مِن عامٍ إلَّا والَّذي بعدَهُ شرٌّ منهُ حتَّى تلقَوا ربَّكم».

قال عليه السلام «إذا رأيت أمتي تهاب أن تقول للظالم… ! فقد تودع منهم». «فقد تودع منهم» أي؛ رفع الله نصره عنهم، رفع الله معونته عنهم، وانظروا ماذا يحصل اليوم في الأمة؟

هذا.. وصلوا وسلموا على نبيكم كما أمركم ربكم..

موصى به: خطبة عن بر الوالدين مكتوبة كاملة ومعززة بما يلزم


تفاصيل الخطبة

  • عنوانها: حقوق ذوي الأرحام في القرآن والسنة.
  • ألقاها: فضيلة الشيخ الدكتور جميل حليم الحسيني.
  • فحواها: تسليط الضّوء على ما جاء في حقوق ذوي الأرحام في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة. كذلك الحث على صلة الأرحام والتحذير من قطعها وتحذير قاطعها.
  • مقترح: خطبة عن صلة الرحم «مكتوبة – مشكولة الآيات» جاهزة كُلّيًا

أضف تعليق

error: