خطبة عن النبي صلى الله عليه وسلم بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف

وتستمر سلاسل الخُطَب الرائِعة تُساق إليكم خطبائنا الأكارم. وها نحن الآن نُقدِّم لكم خطبة عن النبي صلى الله عليه وسلم بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف؛ في هذا الشَّهر المبارَك، الذي شهِد مولد خير البشر وخاتم الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد بن عبد الله؛ عليه أزكى الصلاة وأتم التسليم.

وهنا؛ في ملتقى الخطباء بموقع المزيد قدَّمنا لكم سابقًا الكثير من خطب الجمعة التي تتناول هذه المناسبة الكبيرة؛ وهي المولد النبوي الشريف؛ وها نحن نعمل على توفير المزيد لكم لكي تتهيَّئوا لهذه الفترة المبارَكة بخُطى ثابتة.

خطبة عن النبي صلى الله عليه وسلم بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف

مقدمة الخطبة

الحمد لله الذي بعث فينا خاتم النبيين، فأتم علينا النعمة وأكمل لنا الدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، خير خلق الله أجمعين، ﷺ وعلى آله وصحبه وأتباعه الموفقين.

أما بعد، فاتـقوا الله وآمنوا برسوله الكريم، ففي ذلك الفوز العظيم ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾.

الخطبة الأولى

أيها المؤمنون؛ ما أعظم تكريم الله لنبيه! وما أزكى ذلك المقام المحمود الذي جعله الله له! ولا عجب، أليس هو الذي قال فيه ربه ﷻ: ﴿وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ﴾، فكان ذلك منة من الله عليه، وآية من آيات صدق القرآن، وإعجازا خبريا أبد الآبدين؛ فقد كان رفع ذكره، وبقي مرفوعا ويبقى في الدنيا والآخرة.

وقد خص الله هذا النبي الكريم ﷺ بما لم يكن لغيره من الأنبياء والمرسلين، من المنزلة والمقام، والصفات والسجايا؛ فكان ذلك مدعاة إلى العجب من شأنه، والبحث في سيرته وحياته، والنظر في سبب محبة مئات الملايين من البشر وجعل حبه قبل حب غيره من المخلوقين، ولم يكن ذلك الحب ناشئا عن إكراه وعدم رغبة، بل كان إيمانا، وما معنى الإيمان؟ إنه تصديق نابع من القلب، والقلب ليس عليه سلطان من مخلوق، بل يكون ما يكون منه عن طواعية؛ ليكون ما أخبر عنه النبي ﷺ: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين».

وذلك الإيمان وتلك المحبة والاتباع من أتباعه ومن غير أتباعه في كثير من الأحيان – عباد الله – كان سببا في بحث كثيرين ممن لم يتبعوه عن أسرار تلك المحبة والإيمان به، والتسليم والاتباع له، فكان ما وصلوا إليه فوق ما كانوا يتصورون، وما بلغه علمهم فوق ما يتوقعون، وهل وصلوا إلى كل شيء! وهل بلغ علمهم كل صفة وسجية ومنة عليه! كلا والله؛ فلن يجاوز ما بلغوه وما علموه قول الحق ﷻ: ﴿وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً﴾، إلا أنهم سجلوا فيه شهادات، وكتبوا في علو شأنه من أحسن المقولات؛ ليدرك أتباعه وغير أتباعه أنه سيد ولد آدم، وأنه أفضل خلق الله، وأن شريعته الحق خاتمة الشرائع الصالحة لكل زمان ومكان؛ ليصدق فيه قول ربه: ﴿وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا﴾.

عباد الله؛ لقد ختم الله سبحانه وتعالى سورة التوبة بآيتين عظيمتين، ذكر فيهما شيئا من صفات رسول الله ﷺ، فما يكون من الإنسان عند تلاوة هاتين الآيتين إلا أن يتدبر وينظر بأي شيء استحق النبي ﷺ تلك الدرجة! وبلغ ذلك المقام الرفيع! ومعرفة ذلك والبحث فيه من الإيمان به؛ لأن الإنسان مطلوب منه أن يتأسى به، وهل يستطيع أن يتأسى به إلا من عرفه! والتأسي به في حياته وبعد مماته، إلى أن يقوم الناس لرب العالمين؛ فإن الله ﷻ يقول: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾، وكلمة «كان» في الآية دالة على لزوم الخبر للمخبر عنه كقول الله ﷻ: ﴿وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾، وليست دالة على الماضي.

وهل الإيمان به إلا محبة واتباع! وفي الأثر عن رسول الله ﷺ: «لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به»، وهل الهداية إلا في طاعته! يقول الحق ﷻ: ﴿قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ﴾.

فانظروا – رحمكم الله – في ما افتتحت به الآيتان ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ﴾، فقد افتتحتا بقسم، ولا يكون قسم الله إلا بعظيم، ثم ذكرت كلمة «رسول» منكرة دلالة على التفخيم؛ فمجيئه نعمة عظيمة، وكيف لا يكون نعمة عظيمة وقد امتن الله به على المؤمنين فقال: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ﴾، وامتن الله به على الأميين فقال: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ﴾، وامتن به على الناس أجمعين فقال: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِن رَّبِّكُمْ فَآمِنُواْ خَيْرًا لَّكُمْ وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم، وادعوه يستجب لكم، إنه هو البر الكريم.

وتجِد هنا أيضًا: خطبة عن المولد النبوي الشريف مكتوبة — للخطباء الباحثون عن التميز

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، ﷺ وعلى آله وصحبه والتابعين الصادقين.

أما بعد، فاتـقوا الله – عباد الله -، واعلموا أن في وصف رسول الله ﷺ أنه ﴿رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ﴾، من الدلالات ما يجعلنا نرجع البصر كرتين إلى هذا الوصف؛ فإن وصفه أنه رسول من أنفسنا تشريف لنا، ورفع لمقام الإنسان وتشريف له؛ فإن النبي الخاتم اصطفاه الله من جنس البشر، ولم يكن من غيره من الأجناس من ملائكة وجن وغيرها من المخلوقات، وما أكثر تلك الأجناس التي منها ما يعلمه الإنسان ومنها ما لا يعلمه.

ولو شاء الله لاصطفاه من جنس غير جنسنا، فكان أن جعله من جنس البشر أدعى إلى المسارعة إلى الإيمان به، والمسابقة إلى اتباعه والعمل بهديه؛ لأن تشريفه بالرسالة تشريف لكل إنسان، واختصاصه بها اختصاص لكل فرد من البشر، وفوق ذلك كله شرف طاعته والإيمان به، الذي يكون لكل مكلف في هذا الوجود، والله ﴿يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾.

ووصفه بأنه من أنفسنا -عباد الله- رفع للإنسان وارتقاء به؛ فكونه بشرا رفع الله درجته يجعل كل إنسان قادرا على اتباعه؛ لترتفع منزلته وتعلو درجته؛ فيمكننا أن نقول ما يقول، ونفعل ما يفعل؛ متأسين به مهـتدين بهديه؛ ليرتقي هذا الإنسان في درجات الكمال، ويرتفع رتبا ومقامات؛ ليكون مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين؛ فيتحقق له وعد الله ﷻ ﴿وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا | ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا﴾.

هذا، وصلوا وسلموا على نبيّكم الأمين، فقد أمركم الله ﷻ بذلك حين قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.

اللهم صلّ وسلم وبارك على نبينا محمد ﷺ

وبعد أن قدَّمنا لكم إخواني خطبة عن النبي صلى الله عليه وسلم بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف؛ نوصيكم أيضًا بالاطلاع على خطبة الجمعة عن مولد النبي ﷺ — مكتوبة. نسأل الله لنا ولكم كل السداد والتوفيق.

3 رأي حول “خطبة عن النبي صلى الله عليه وسلم بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف”

  1. ماشاء الله تبارك الله ربنا يعينكم لهذا الدين الحنيفا ويحفظكم من كل سوء ومكروه . استفدنا لهذه الخطبة بكثير والمفيد
    جدا جدا وشكرا لكم الجزيلا على اهتمام حسن تعاونكم معنا

    رد

أضف تعليق

error: