خطبة «ثلاث مهلكات» وعظيَّة بليغة الأثر

اليوم؛ وبعد أن قدمنا لكم آنفًا خطبة عن الثلاث المنجيات، نوفر لكم اليوم خطبة «ثلاث مهلكات»؛ وهي خطبة جمعة وعظيَّة بليغة الأثر للشيخ محمود الفقي -جزاه الله خيرا-.

مثل هذه الخطب لا بُد من أن يتكون على لائِحة وقائِمة الخطباء في جدولهم للخطب الأسبوعية في المساجِد؛ فوصايا الحبيب المصطفى ﷺ من أهم ما يجب أن يُنوَّه إليه المسلم في حياته كافَّة.

مقدمة الخطبة

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله إمام المتقين؛ صل اللهم وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾.

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا | يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾.

الخطبة الأولى

أما بعد فاتقوا الله حق التقوى وتمسكوا بالعروة الوثقى، وتجنبوا أسباب سخط الجبار فإن أجسادنا على النار لا تقوى.

أيها الإخوة الكرام روى الإمام الطبراني في المعجم الأوسط عن عبد الله بن عمر -رضي الله ﷻ عنهما- قال: قال ﷺ «ثلاث مهلكات، وثلاث منجيات، وثلاث كفارات وثلاث درجات؛ فأما المهلكات: فشح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه. وأما المنجيات: فالعدل في الغضب والرضا، والقصد في الفقر والغنى، وخشية الله في السر والعلانية، وأما الكفارات: فانتظار الصلاة بعد الصلاة، الوضوء في السبرات، ونقل الأقدام إلى الجماعات، وأما الدرجات: فإطعام الطعام، وإفشاء السلام، والصلاة بالليل والناس نيام».

هذا الحديث المبارك أيها الإخوة الكرام بين النبي ﷺ فيه للناس كلهم بعض الأمور التي تهلكهم، وبعض الأمور التي تكون سببًا في نجاتهم مما أهلكهم، وبعض الأمور التي بها تكفر الذنوب والخطايا والسيئات، وبعض الأمور التي تكون سببًا في رفع الدرجات وتكثير الحسنات.

ما أحوجنا لمعرفتها في أيام الفتن والأزمات التي انشغل فيها كثير من الناس عن دينهم وعن فعل ما يُرضي ربهم ﷻ.

الثلاث المهلكات

بدأ النبي ﷺ الحديث بذكر المهلكات التي لو نظرنا إلى مجتمعاتنا لوجدناها قد فشت وانتشرت وبشكل ملحوظ بل ربما ضربت جذورها في قلوب الناس فنريد أن نبين خطرها لنحاول بتوفيق الله تقليلها وتركها حتى تكون مجتمعاتنا نظيفة من تلك الأمراض لنكون من الناجين في الدنيا والآخرة.

الشح المطاع

وأول الأمراض المهلكة التي ذكرها النبي ﷺ وحذر منها الشح المطاع: وهو البخل مع الحرص، وقيل إنه الحالة النفسية شيء بالنفس داخلي يقتضي منع الإنسان ما في يده أو في يد غيره.

قال العلماء والفرق البخل والشح؛ البخل أن يبخل الإنسان بما في يده، والشح أن يشح بما في أيدي الناس فيحب أن يكون له ما في أيديهم بالحلال أو بالحرام.

والشح كامنٌ في النفس قال ﷻ ﴿وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ﴾ وهو يدعو إلى البخل.

فمن بخل فقد أطاع شحه ومن لم يبخل فقد عصى شحه ووقي شره وذلك هو المفلح، قال الله ﷻ ﴿وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾.

نبينا ﷺ يُحذرنا من الشح

وحذر النبي ﷺ من الشح تحذيرًا شديدًا كما حذر من الظلم تماما بتمام ففي صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أن النبي ﷺ قال «اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم».

الشح من الموبقات

وعَد النبي ﷺ الشح من الموبقات كما في حديث الموبقات المعروف «اجتنبوا السبع الموبقات» ففي لفظ للحديث في سنن النسائي أن النبي ﷺ ذكر الشح بدلا من السحر فقال «اجتنبوا السبع الموبقات» قالوا: وما هن رسول الله قال «الشرك بالله، والشح، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات».

إياكم والشح

وروى الإمام أبو داود في سننه عن عبد الله بن عمرو قال: خطب رسول الله ﷺ فقال «إياكم والشح، فإن الشح أهلك من كان قبلكم» أو «فإنما هلك من كان قبلكم بالشح أمرهم بالبخل فبخلوا وأمرهم بالقطيعة فقطعوا وأمرهم بالفجور ففجروا».

فلا ينبغي للمسلم أن يكون شحيحًا، فالشح هو شر ما في الإنسان كما أخبر النبي -عليه الصلاة والسلام-.

ولا ينبغي أن يكون المسلم شحيحًا بماله فلقد اشتكت هند زوجة أبي سفيان أبا سفيان لرسول شحه فقال لها «خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف».

ومن كان شحيحًا بماله ممسكا له إصابته دعوة الملك بالإتلاف كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة أن النبي ﷺ قال «ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان يقول أحدهما اللهم أعط منفقا خلفا، ويقول الآخر اللهم أعط ممسكا تلفا».

لا تكن بخيلاً شحيحا

أنفق يا عبد الله وتصدق مما لك الذي أعطاك الله إياه، أنفق وأعط الفقراء والمساكين والمحتاجين ولا تكن بخيلًا ولا تكن شحيحا فالبخل والشح يورث قطيعة الرحم، وانفصام عُرى المحبة ويورث بغض الناس لك، ويجرؤ العبد على المعاصي وفعل السيئات، ويجعله محروما من رحمة الله، ويوجب على الإنسان عذاب الله وسخطه وعقابه.

نسأل الله السلامة والعافية.

اتباع الهوى

ثم الأمر الثاني الذي حذر منه النبي ﷺ وبين أنه من المهلكات اتباع الهوى: أن يتبع الإنسان هواه، وأن تميل نفسه إلى الشهوة والانقياد لها في كل ما تدعو إليه من المعاصي والسيئات.

واتباع الهوى له أثر سيئ على الفرد والمجتمع فهو يجعل صاحبه في مصاف الحيوانات، ويجلب له الخزي في الدنيا والعذاب في الآخرة.

وصاحب الهوى يرى ما له دون ما عليه، يرى ما له دون ما عليه فيريد أن يأخذ ما له ولا يعطي ما عليه.

والهوى يجعل صاحبه أعمى عن العاقبة السيئة فلا يستحضر ما لله ﷻ، ولا يستحضر ما لرسوله، ولا يطلبه أصلا، ولا يرضى لرضى الله ورسوله، ولا يغضب لغضب الله ورسوله وإنما رضاه وغضبه على حسب هواه.

فليس قصده أن يكون الدين كله لله وأن تكون كلمة الله هي العليا بل قصده الحمية لنفسه ولطائفته ليعَظم ويثنى عليه أو لغرض من الدنيا.

ولخطورة اتباع الهوى حذر ربنا ﷻ نبيا من أنبيائه ونهاه عن اتباع الهوى وهو نبيه داوود -عليه السلام- قال الله ﷻ ﴿يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ﴾.

وقال الله ﷻ لأهل الإيمان ﴿فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ﴾، وقال لنبيه محمد ﷺ ﴿وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ﴾، وقال ﴿وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ﴾.

﴿وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا﴾، وقال ﴿وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾.

وقال ﴿وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ﴾، ﴿وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيرًا وَضَلُّواْ عَن سَوَاء السَّبِيلِ﴾.

اتباع الهوى مخالفة لأمر النبي ﷺ

اتباع الهوى أيها الإخوة دليل على مخالفة أمر النبي ﷺ والبعد عن سنته، قال الله ﷻ ﴿فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ﴾.

واتباع الهوى يسبب الانتكاسة من الإيمان إلى الكفر، ومن الهدى إلى الضلال ولا يخفى عليكم موقف الرجل الذي ذكر الله خبره في سورة الأعراف ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ | وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾.

واتباع الهوى سبب لسواد القلوب روى الإمام مسلم عن حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه- أن النبي ﷺ قال «تُعرض على القلوب كالحصير عودا عودا، فأي قلب أشربها نُكتت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء حتى تعود القلوب على قلبين على أبيض مثل الصفا فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض، والآخر أسود مربداً كالكوز مجخيًا لا يعرف معروفا ولا يُنكر منكرا إلا ما أشرب من هواه».

لا تجالس صاحب الهوى

والمتبع للهوى لا يقبل الحق ولا ينقاد له فهذا علي بن أبي طالب -رضي الله ﷻ عنه- يقول: إن أخوف ما أخاف عليكم اثنتان: اتباع الهوى، وطول الأمل.

قال: فأما طول الأمل فينسي الآخرة، وأما اتباع الهوى فيصد عن الحق.

وقال الحسن البصري -رحمه الله-: لا تجالسوا أصحاب الأهواء، ولا تجادلوهم، ولا تسمعوا منهم.

إذا رأيت رجلا صاحب هوى، يتكلم بهواه، ليس عنده دليل، المهم أنه يريد أن يُجادل لا تجالسه، ولا تجادله ولا تسمع منه.

وقال أبو قلابة ذلك وزاد فإني لا آمن أن يغمسوكم في ضلالتهم أو يلبسوا عليكم ما كنتم تعرفون.

فإذا جالست صاحب الهوى، إما أن يأخذك معه في الضلال إن لم تكن على علم راسخ وعلي يقين ثابت بما تتكلم فيه.

إما أن يغمسك في ضلالته وتكون مثله، وإما أن يلبس عليك الحق فتحتار بعد ذلك ويتركك في حيرتك.

فيجب علينا ألا نتبع الهوى، ويجب علينا أن نتبع الحق حيث كان، وأن نتقيد في عباداتنا بما جاء عن ربنا ﷻ وعن نبينا محمد ﷺ.

جعلني الله وإياكم من المتبعين لهدي النبي -عليه الصلاة والسلام- وأن يجعلنا منقادين للحق سائرين عليه متبعين له حتى نلقى ربنا.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

وهنا أيضًا خطبة «ثلاث منجيات» عظيمة ومؤثرة

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

إعجاب المرء بنفسه

أما بعد فالأمر الثالث الذي حذر منه النبي ﷺ وبين أنه من المهلكات إعجاب المرء بنفسه: وهو أن يستعظم الإنسان النعمة، وأن بها ويركن إليها، وأن ينسى إضافتها للمنعم ﷻ.

رزقه الله مالا فيفرح به، ويفتخر على الناس به، ويركن إليه ولم يتذكر أن الله هو الذي أعطاه فلا ينسب الفضل لربه.

رزقه الله علما، رزقه هيئة، رزقه فصاحة، رزقه كثيرًا من نعمه، رزقه صحة وعافية لكنه ينسى من أنعم عليه بذلك فيدخل العُجب في نفسه بسبب ما هو فيه من نعم لم يقدم لله شكرا عليها.

بما دخل العجب إلى قلبه؟ بالنعمة التي لم يشكر الله عليها، نسي أو تناسى أن الذي أعطى قادر على أن يأخذ فالله ﷻ قال للنبي محمد ﷺ ﴿وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلاً﴾.

من نسي المُنعم ﷻ وأعجب بنفسه ذلك العُجب يدعوه إلى الكبر والتكبر على الناس، ويدعوه إلى نسيان الذنوب وإهمالها والوقوع فيها بكل سهولة.

ولن يتمكن العجب إلا من قلب جاهل لا يعلم أن التوفيق من الله.

فعلينا أن نعلم يقينا أن العبد لن يُحصّل مالا ولا ربحًا في التجارة إلا بتوفيق الله، ولن يُحصّل عِلماً إلا بتوفيق الله، ولن يستطيع أن يفعل أي شيء إلا بتوفيق الله.

لذلك نسأل الله دوما التوفيق والسداد في أقوالنا وأفعالنا، لأن العُجب كانت له عاقبة غير محمودة في غزوة حنين، قال الله ﷻ ﴿لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ﴾.

العُجب سبب زوال النعم

والعجب سبب زوال النعم كما هو واضح في قصة الرجل صاحب الجنتين لما أعجب بنفسه وقال لصاحبه ﴿أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالا وَأَعَزُّ نَفَرًا﴾، ونظر إلى نعم الله عليه نظرة إعجاب وكبر قائلا ﴿مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا | وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِّنْهَا مُنقَلَبًا﴾.

فكانت النتيجة ﴿وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا﴾.

ويتضح الأمر كذلك في قصة قارون لما تمكن العجب من قلبه ونسب الفضل إلى نفسه لا إلى ربه قائلا ﴿إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي﴾ فكانت العقوبة ﴿فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ﴾.

عاقبة العجب في الآخرة

أما عاقبة العجب في الآخرة بينها النبي ﷺ في الحديث الذي رواه الشيخان واللفظ لمسلم عن أبي هريرة أن النبي ﷺ قال «بينما رجل يتبختر، يمشي في برديه» أي في ثيابه «بينما رجل يتبختر، يمشي في برديه قد أعجبته نفسه فخسف الله به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة».

واختم الحديث في هذا العنصر بقول الله ﷻ ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالا | الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا﴾.

كذلك؛ نجِد هنا خطبة عن الغيبة والنميمة وعقوبتهما في الدنيا والآخرة

الدعاء

  • اللهم إنا نعوذ بك من الخسران والخذلان، وطهر قلوبنا من الشح والهوى، ومن الكبر والعجب وسوء الأخلاق يا رب العالمين.
  • اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق فإنه لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها فإنه لا يصرف عنا سيئها إلا أنت.
  • اللهم إنا نسألك أن ترزقنا قلوبا نقية، وأنفسا صافية.
  • اللهم ارزقنا قلوبا خاشعة، اللهم ارزقنا السنة ذاكرة، وارزقنا عيونا من خشيتك دامعة.
  • اللهم إنا نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار.
  • اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها.
  • اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة يا رب العالمين.
  • يا حي يا قيوم برحمتك نستغيث أصلح لنا شأننا كله ولا تكلنا إلى أنفسنا عين يا رب العالمين.
  • اللهم إنا نعوذ بك من الزيغ بعد الاستقامة، ونعوذ بك من الضلالة بعد الهدى، ونعوذ بك من المعصية بعد الطاعة.
  • اللهم ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.
  • اللهم يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلوبنا على طاعتك، وصرف قلوبنا إلى طاعتك يا رب العالمين.
  • اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي حسنة وقنا عذاب النار.
  • ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين، واجعلنا للمتقين إماما.

ألا فصلوا وسلموا على نبيكم محمد ﷺ فقد أمركم ربكم بالصلاة عليه وحثكم نبيكم على الإكثار منها في يوم الجمعة فاللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

ختامًا؛ وبعد أن قدَّمنا لكم أعلاه خطبة وعظيَّة بليغة الأثر بعنوان: ثلاث مهلكات. نوَد أن نترككم مع اقتراح أخير في هذه الخطبة؛ وهي خطبة عن سكرات الموت مؤثرة − مكتوبة وافية. نسأل الله العليم الحليم ﷻ أن يوفقنا وإياكم إلى السداد والنجاح دومًا.

أضف تعليق

error: