الزكاة والصدقات ودورهما في التنمية المجتمعية… خطبة جمعة «مكتوبة»

معنا اليوم خطبة جمعة مكتوبة جاهزة، بعنوان: الزكاة والصدقات ودورهما في التنمية المجتمعية. من خلالها سيُسلَّط الضوء عن كثب على فضل الزكاة والصدقة وبعض ما جاء فيهما من الكتاب والسنة.

الخطبة مكتوبة، يقدمها لكم ملتقى الخطباء وصوت الدعاة بموقع المزيد؛ آملين أن ينتفع بها الجميع، أئمة ومأمومون.

الزكاة والصدقات ودورهما في التنمية المجتمعية

مقدمة الخطبة

الحمد لله الذي له الأسماء الحسنى والصفات العلى. والصلاة والسلام على نبينا محمد، الرحمة المهداة والنعمة المسداة. فصلوات الله وسلامه عليه.

أما بعد، فيا عباد الله ﴿اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾.

الخطبة الأولى

أيها الصائِمون؛ هذا شهر الجود والعطاء والبذل والمسابقة في الخيرات والتقرب إلى رب الأرض والسماوات. ومن ذلك أن يجود الإنسان بماله وبما أكرمه الله ﷻ به. واعلموا -يا رعاكم الله- أن أفضل ما يتقرب به العبد إلى مولاه ما أوجبه الله ﷻ عليه في ماله. كما جاء في الحديث القدسي في البخاري ﴿وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه﴾.

الزكاة

ومن أعظم الأعمال التي يقوم بها المسلم. بل هي ثالِث أركان الإسلام، الزكاة يا أمة الإسلام. قال الله ﷻ في سورة البقرة ﴿وَأَقِيمُواْ الصَّلاةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾.

وقال ﷻ في سورة التوبة ﴿فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّين﴾.

وقال ﷻ ﴿وَأَقِيمُواْ الصَّلاةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾.

وجاء في الصحيحين من حديث ابن عمر أن النبي ﷺ قال «بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان».

وقد اقترنت الزكاة بالصلاة في القرآن بتسع وعشرين موضعا. وهذا يدل على أهميتها ومكانتها ومنزلتها.

قال أبو بكر: والله لأقاتلن من فرَّق بين الصلاة والزكاة.

وأجمع المسلمون على وجوبها. فيجب على الإنسان أن يبادر في أداء زكاته. إذا ملك نصابا وحال عليه الحول. ولا يجوز تأخير الزكاة عن وقتها إلا لعذر. ويجوز تقديمها للحاجة. وإذا قدَّمها للحاجة وأن يدركها الفضيل فلا شك أن هذا لا حرج فيه ولا بأس. لا سيما أنكم تعلمون -يا رعاكم الله- أن الأعمال الصالحة تُضاعف في المكان الفاضل وفي الزمان الفاضل كمكة وفي رمضان.

فلو قدم الإنسان زكاته لوجود حاجة وحتى يدرك هذا الشهر. فلا بأس ولا حرج عليه في ذلك.

وعلى الإنسان الذي يريد إخراج ماله أن يحدد له يوما في السنة. فهذا أدق في إخراج الزكاة. لأنه قد يصعب على الإنسان أن يسجل كل ما دخل عليه من مال. وإذا حال عليه الحول وبلغ نصابا أن يخرجه فربما يفوت عليه الوقت.

وكان المسلمون يستحبون أن يحددوا يوما في السنة ينظر ما عندهم من الأموال. ينظر الإنسان إلى ما عنده من النقود في البنك، وكذلك ينظر إلى عروض التجارة كالأسهم للمضاربة، وكذلك ماله عند الناس. والذي عند الناس لا يخلو إما أن يكون عند شخص باذل؛ إذا طلبت مالك أعطاك. فهذا تجب فيه الزكاة.

ولك في إخراجها طريقتان:

  • الأولى: أن تخرج كل سنة بوقتها.
  • والطريقة الثانية: إذا قبضت المال أن تخرج الزكاة عن السنوات الماضية.

وإما أن تكون على شخص مماطل أو معدوم؛ لا يستطيع. فهذا لا يُزكَّى إلا إذا قبضته ولو مضى عليه سنوات طويلة؛ فإذا قبضته تخرج زكاة سنة.

فعلى الإنسان -أيها المسلمون- أن يجتهد ويتحرى في زكاته. ولا يعطيها إلا لمن يستحقها. لأن الزكاة حددها ربنا ﷻ؛ فقال الله ﷻ ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾.

عليم ﷻ فيمن أداها واجتهد في أدائها. وحكيم فيمن تُعطى إليه الزكاة.

فعلى الإنسان -أيها المسلمون- أن يتحرى زكاة ماله. والمؤسسات والشركات والأفراد. إذا أدوا زكاة مالهم إلى الجهة التي وضعها ولي الأمر فإنها تبرأ في ذلك ذمتهم. فإذا سلم الإنسان زكاته إلى الهيئة العامة للزكاة والدخل سواء من المؤسسات أو الشركات أو الأفراد فإنه تبرأ بذمته.

وعلى الإنسان أن يُعطي من هو أشد حاجة، ويحرص أن يتفقد الفقراء والمساكين. ولا ينسى الأقارب. فبعض الناس ينسى الأقارب. فالصدقة للفقراء منهم صدقة وصلة.

فعليك أخي المسلم أن تتفقد الأقارب المحتاجين. قد يكون عندك من الأقارب من هو بحاجة ماسة ولكنه يتعفف ولا يبدي حاجته إليك.

الصدقة

واعلموا يا مسلمون أن الصدقة الواجبة والمستحبة لها فضائل عند الله ﷻ. ومن تصدق لوجه الله ﷻ، فإن الله يضاعف له الأجور. قال الله ﷻ ﴿مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾.

ويقول ﷻ ﴿مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾.

وكما جاء في الحديث الشريف «والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار»، وهو حديث صحيح. وفي حديث آخر «وصدقة السر تطفئ غضب الرب».

كما أنَّ الصدقة وقايةٌ من النار. قال الحبيب ﷺ كما جاء في الصحيحين «اتقوا النار ولو بشقة تمرة». وقال المصطفى ﷺ «كل امرئ في ظل صدقته يوم القيامة».

والمتصدق المخلص الذي أخلَص في صدقته وأخفاها يُظَل في ظل الله يوم لا ظل إلا ظله، كما جاء في السبعة الذين يظلهم الله في ظله. وذكر منهم «ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه».

ويقول حبيبنا ﷺ -كما في الحديث الحسن- «داووا مرضاكم بالصدقة».

والصدقة -يا عباد الله- تقي مصارع السوء. وعلى الإنسان أن يتحرى وأن يجتهد وأن يبذل في كل طريق من طرق الخير.

دور الزكاة والصدقات في التنمية المجتمعية

أيها المسلمون؛ ما قدَّم الإنسان يقدمه لنفسه ويجد أثره في ماله وفي نفسه وفي مجتمعه. وانظر إلى من حولك، ستجد الفقير والمسكين والمحتاج. بادر بالسعي والتصدق وإخراج زكاتك لهم، حتى تصبح مساهمًا في تنمية مجتمعك التي تعيش فيه، وتعين من لا يستطيع.

وليكُن النبي محمد ﷺ هو قدوتك؛ فانظر إليه حين أمر أن تؤدَّى زكاة الفطر قبل الخروج إلى الصلاة، وقال «أغنوهم عن طواف هذا اليوم».

أنظر إلى فِطنة النبي ﷺ وحثه المسلمين على إخراج زكاتهم في هذا التوقيت؛ إليه ليس جزافًا يا عبد الله. بل هو لمصلحة المجتمع الإسلامي بكل تأكيد.

والصدقة تزيد في مال الإنسان وتبارك فيه؛ كما قال حبيبنا ﷺ كما جاء في صحيح مسلم «ما نقصت صدقة من مال». فالصدقة لا كما يظنها بعض الناس، تنقص المال أو تزيل المال؛ بل هي بركة على الإنسان في نفسه، وبركة على الإنسان في أهله، وبركة على الإنسان في ولده.

أيها المسلمون؛ تفقدوا الفقراء، وتفقدوا المساكين، وتفقدوا الأرامل، وتفقدوا الأيتام. وتأملوا يا مسلمون هذا الفضل العظيم؛ يقول حبيبنا ﷺ «الساعي على الأرملة والمسكين، كالمجاهد في سبيل الله، أو القائم الليل الصائم النهار» الله أكبر؛ يا له من فضل عظيم.

فابحث لك عن أرملة في حيك، وتعاهد هذه الأرملة أو هؤلاء الأيتام، في حيك أو في غير حيك. وتحتسب الأجر من عند الله ﷻ فتدرك هذه الفضائل العظيمة.

وكذلك مما ينبغي للإنسان أن يُساهم فيه، في بناء المساجد؛ فيقول الرسول ﷺ «من بنى مسجدا بنى الله له مثله في الجنة». وقد لا يستطيع الإنسان أن يساهم في بناء مسجد كامل، ولكنه يستطيع المساهمة في هذا المسجد.

وكذلك يحرص الإنسان على الصدقة الجارية. فقد قال حبيبنا ﷺ «إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة… -وذكر منهم- صدقة جارية».

تصدَّق يا عبد الله، تصدق عن نفسك، وتصدق عن والديك؛ لا سيما من تحت الثرى الذين انقطعت عنهم الأعمال. فهذه الصدقة تصل إلى الأموات، تصل إلى أمك وتصل إلى أبيك. وهذا من أعظم البر للوالدين الذين انقطعت عنهم الأعمال.

اللهم يا حي يا قيوم نسألك أن تقينا شح أنفسنا، وأن تعيننا على طاعتك وعلى ذكرك وعلى وشكرك، وعلى حسن عبادتك.

أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة. فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه. اللهم لك الحمد حتى ترضى ولك الحمد إذا رضيت ولك الحمد بعد الرضا.

وأشهد أن لا إله إلا الله. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه.

أما بعد، فيا عباد الله؛ ﴿اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾.

واعلموا أن من الصدقة الأعمال اليسيرة التي يقوم بها الإنسان. يقول حبيبنا ﷺ كما جاء في صحيح مسلم «يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة، فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى».

ويقول حبيبنا ﷺ «وتبسمك في وجه أخيك صدقة» فحُسن الخُلُق -يا عباد الله- صدقة. صدقة على عباد الله تقدمها لنفسك. وحُسن الخلق هو بسط الوجه وبذل المعروف وكف الأذى. نعم؛ كَفّ الأذى عن الناس يا مسلمون من أعظم الصدقات، لا سيما في هذا الشهر الكريم.

ونبينا ﷺ «من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه».

فالصدقة أمرها يسير، يستطيع الإنسان بحسن خلقه، وتعامله مع الناس، وتفريج كربات الناس، والسعي مع الناس في قضاء حوائجهم وتفريج كرباتهم. كل هذا من الصدقات النافعة.

الدعاء

أسأل الله ﷻ بأسمائه الحسنى، الذي يرانا ويسمع كلامنا ويعلم سرنا ونجوانا، أن يجعلنا وإياكم في هذا الشهر من المقبولين.

اللهم اقبل صيامنا وقيامنا ودعائنا. اللهم اجعلنا من المقبولين الفائزين المرحومين.

اللهم يا حي يا قيوم أعتق رقابنا ورقاب والدينا من النار يا أرحم الراحمين.

اللهم يا حي يا قيوم فرج هم المهمومين من المسلمين، واقض الدين عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين. وارحم موتانا وموتى المسلمين.

يا الله، يا من تعلم سرنا ونجوانا، يا من أمرتنا بالدعاء، ووعدتنا بالإجابة، يا من تحب السائلين والملحين؛ نسألك من خير ما سألك منه سيد الأولين والآخرين عليه الصلاة والسلام. ونعوذ بك من شر ما استعاذك منه محمد ﷺ.

وصل اللهم على محمد عدد ما صلى عليه المصلون وذكره الذاكرون.


كانت هذه خطبة جمعة مباركة؛ حملت عنوان: الزكاة والصدقات ودورهما في التنمية المجتمعية. ألقاها فضيلة الشيخ عبدالعزيز الفايز -جزاه الله خيرًا-.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error:
Scroll to Top