لماذا شعر البعض في مصر بالزلزال بقوة، بينما لم يشعر به آخرون؟

لماذا شعر البعض في مصر بالزلزال بقوة، بينما لم يشعر به آخرون؟

في الساعات الأولى من يوم 14 مايو، وتحديدًا قرابة الثانية صباحًا، شهدت مصر هزة أرضية أثارت حالة من الذعر بين السكان. تداولت وسائل الإعلام الخبر على نطاق واسع، إلا أن اللافت في الأمر كان التباين الكبير في ردود أفعال الناس؛ فبينما أبلغ البعض عن شعورهم القوي بالزلزال، أكد آخرون أنهم لم يشعروا به إطلاقًا. وقدرت قوته بنحو 4.1 درجة على مقياس ريختر، وهي درجة تُعد ضعيفة نسبيًا. فكيف يمكن تفسير هذا التباين؟ ولماذا شبه البعض الزلزال بزلزال 1992 الشهير؟ وهل من المتوقع أن تتبعه هزات ارتدادية أو موجات تسونامي؟ دعونا نعرف التفاصيل.

هل الزلازل أمر معتاد في مصر؟

الزلازل تُعد من الظواهر الطبيعية اليومية على كوكب الأرض، إذ تُسجل عشرات الهزات الأرضية يوميًا حول العالم. ومع ذلك، فإن مصر وشمال إفريقيا تُعتبران من المناطق الجغرافية الأقل تعرضًا للزلازل، وذلك لابتعادهما عن ما يُعرف بـ”حزام الزلازل العالمي”. فعلى سبيل المثال، شهد العالم في عام 2022 أكثر من 15,000 زلزال، لم يقع في قارة إفريقيا منها سوى سبعة فقط، ومعظمها في وسط وجنوب القارة.

أما على مستوى مصر تحديدًا، فالإحصائيات تشير إلى أنه منذ عام 1754 وحتى 2025، لم تسجل مصر سوى ستة زلازل فقط كانت بؤرتها داخل الأراضي المصرية، بينما كانت الزلازل الأخرى التي شعر بها الناس في مصر ناتجة عن بؤر بعيدة، كما هو الحال مع الزلزال الأخير.

أين كان مركز الزلزال؟ ولماذا تأثرت به مصر؟

الزلزال الذي أثار الجدل مؤخرًا لم يكن مركزه في مصر، بل وقع في شمال البحر المتوسط، على بُعد نحو 400 كيلومتر من السواحل المصرية، وتحديدًا بالقرب من جزيرة كريت اليونانية. وتُعد هذه المنطقة من المناطق النشطة زلزاليًا، لأنها تقع عند تقاطع الصفائح التكتونية، وتحديدًا بين الصفيحة الإفريقية والصفيحة الأوراسية.

لفهم الأمر أكثر، يجدر بالذكر أن سطح الأرض مكون من عدة صفائح تكتونية (12 صفيحة رئيسية وعدد من الصفائح الثانوية)، وهذه الصفائح تتحرك بشكل مستمر، مما يسبب احتكاكًا وانزلاقًا عند الحدود بينها، وهو ما يؤدي إلى حدوث الزلازل. لذلك، تعتبر المناطق الحدودية بين الصفائح التكتونية من أكثر المناطق عرضة للنشاط الزلزالي.

واقرأ هنا أيضًا ⇐ النفايات المشعة: خطر كيميائي يهدد الإنسان والبيئة

لماذا شعر البعض بقوة الزلزال رغم بُعد مركزه؟

على الرغم من أن مركز الزلزال كان بعيدًا عن مصر، إلا أن عددًا كبيرًا من المواطنين شعروا به بوضوح في 19 محافظة، بدءًا من مطروح والإسكندرية، مرورًا بالقاهرة والجيزة، ووصولًا إلى المنيا وأسيوط في صعيد مصر. ويمكن تفسير ذلك بعدة عوامل:

1. عمق بؤرة الزلزال

عندما يحدث زلزال، تنطلق الموجات الزلزالية من بؤرته في باطن الأرض. وكلما كانت هذه البؤرة عميقة، قلّت شدة الزلزال في موقعه، ولكن في المقابل تنتشر الموجات على نطاق جغرافي أوسع. ووفقًا للبيانات، فإن زلزال كريت الأخير كان على عمق يتراوح بين 76 و83 كيلومترًا، مما جعله يصنف ضمن “الزلازل العميقة”، وبالتالي امتدت موجاته إلى مناطق بعيدة، بينها مصر، دون أن تتشتت بشكل كبير.

2. طبيعة التربة في الدلتا

من العوامل التي ساعدت في تضخيم تأثير الزلزال في مصر، طبيعة التربة الطينية اللينة في مناطق مثل دمياط، رشيد، والقاهرة. فمثل هذا النوع من التربة يزيد من تضخيم الموجات الزلزالية، مما يجعل الإحساس بها أكثر وضوحًا، كما أوضح رئيس الشبكة القومية للزلازل في مصر.

3. توقيت الزلزال

حدث الزلزال في وقت كان فيه الهدوء يعم المدن، حيث كان أغلب الناس في بيوتهم، وبعضهم مستيقظ بسبب حرارة الصيف. كما أن وجود الكثير من الناس في وضع السكون على الأسرة ساعدهم على الإحساس بأي اهتزاز بسيط، على عكس ما يحدث خلال النهار عندما يكون الناس في حركة دائمة. ولهذا السبب، أطلقت عليه بعض وسائل الإعلام وصف “زلزال منتصف الليل”.

هل يشبه زلزال كريت زلزال 1992 في مصر؟

المقارنة بين الزلزالين ليست في صالح الزلزال الأخير، رغم أن قوة زلزال كريت بلغت 6.4 درجة، بينما زلزال 1992 بلغت قوته 5.9 فقط. لكن الفارق الجوهري هو أن زلزال 1992 كان مركزه داخل الأراضي المصرية، وتحديدًا في قرية دهشور، وكان قريبًا من سطح الأرض (عمق 25 كيلومترًا فقط)، واستمر لمدة نصف دقيقة، مما تسبب في خسائر كبيرة في الأرواح والممتلكات.

أما زلزال كريت، فعلى الرغم من قوته الأعلى، إلا أن عمقه الكبير (أكثر من 80 كيلومترًا) ومدة استمراره القصيرة (أقل من 10 ثوانٍ) حدّا كثيرًا من تأثيره، لدرجة أنه لم يُسجل وقوع أي خسائر لا في مركزه بجزيرة كريت، ولا في الدول المجاورة.

هل من المتوقع حدوث هزات ارتدادية أو تسونامي؟

عادةً ما تتبع الزلازل الرئيسية موجات ارتدادية، إلا أنها غالبًا ما تكون أضعف بكثير من الزلزال الأساسي، وتحدث خلال الساعات أو الأيام القليلة التالية. وفعلاً، سجلت الشبكة القومية للزلازل في مصر هزة ارتدادية بقوة 2.7 درجة بعد حوالي ساعتين من الزلزال، لكنها كانت ضعيفة جدًا ولم يشعر بها أحد.

أما بخصوص احتمالية حدوث تسونامي، فهي شبه معدومة في هذه الحالة. إذ أن التسونامي يتطلب زلازل قوية جدًا (أكثر من 7 درجات) وبؤرًا ضحلة (أقل من 30 كيلومترًا تحت سطح البحر)، وهي شروط لم تتوفر في زلزال كريت الأخير. كما أن السواحل اليونانية نفسها لم تتعرض لأي موجات تسونامي، مما يعني أن سواحل مصر بعيدة تمامًا عن هذا الخطر.

خاتمة: الزلازل… تذكير بقدرة الخالق

تبقى الزلازل من الظواهر الطبيعية التي تستدعي منا التأمل والتفكر، فهي من آيات الله في كونه، تذكرنا بضعف الإنسان أمام قوى الطبيعة. وعلى الرغم من محدودية آثار زلزال كريت، فإن الاستعداد العلمي والتوعية المجتمعية تبقى أمرًا مهمًا للتعامل مع مثل هذه الأحداث مستقبلاً.

نسأل الله أن يحفظ الجميع، ويُسلم أهلنا في كل مكان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error:
Scroll to Top