العفو من شيم الكرام

صورة , العفو , التسامح , المصافحة
العفو

نتعرض على مدى حياتنا إلى تجاوزات وظلم من الكثير ممن نلقاهم في حياتنا، وهذا حال كثير من الناس، وهذا ديدن الحياة وطبعها وسر من أسرار الكبد والمعاناة فيها، ولا عجب فإن الله عز وجل أقر ذلك منذ خلق آدم عليه السلام وأذن في عمارة الكون، لتكون الحياة بما فيها مرحلة ابتلاء واختبار، من المهد إلى اللحد،حيث يقول في محكم التنزيل: (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ ۖ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ).

ولذا فقد حث الإسلام على مبدأ انساني راق في التعامل بين الناس، وفي ردود أفعالهم تجاه من يقترف في حقهم ذنبا أو يظلمهم أو يجور عليهم وهو مبدأ العفو عند المقدرة وهنا سوف نتحدث عن مفهوم العفو ومكانته في الإسلام، وكيف علمنا إياه النبي -صلى الله عليه وسلم- وضرب لنا أروع مثل في هذا المضمار.

إقرأ أيضاً عن: الرضا بالقضاء جنة الدنيا ونعيم الآخرة

مفهوم العفو

يقال في معرض الحديث عن العفو ومفهومه أنه ترك المؤاخذة على الفعل المذموم، والتجاوز عنه والمسامحة عليه وعدم الأخذ به.
والعفو من شيم العظماء والقادرين على العقاب، ولا يقدر عليه إلا قوي عزيز.

حث الإسلام على العفو

العفو بين الناس من الأخلاق الكريمة التي دعت إليها الشريعة وحضت على التعامل بها، وهي من باب القوة والتخلق بما يحبه الله ورسوله، فقد أمر النبي عائشة عليها السلام ليلة القدر أن تدع الله بقولها: (اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عني).

وذكر القرآن الكريم العفو وأمر به في قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ ۚ وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (14))
من مواقف عفو النبي –صلى الله عليه وسلم.

موقف النبي مع الأعرابي

جاء أحد الأعراب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم- ثائرا لدرجة أنه أمسك ببردة النبي وجذبه إليه بقوة حتى ترك البرد أثره في عنق النبي، يزجره قائلا له: اعطني من المال فإنه مال الله وليس مالك ولا مال أبيك، فثار عمر بن الخطاب كاد أن يفتك به لولا أن منعه رسول الله، وأمره أن يعطه من المال.

وهنا نتوقف برهة لنتسائل هل من بين مسؤلينا اليوم من يمكنه فعل هذا، هل يستطيع صفوة الأمة وقادتها أن يتخذ هذه الخطوة ويصدر العفو بهذه البساطة ودون غطرسة أو اغترار بقوة أو سلطة.

موقف النبي من مشركي قريش

من المواقف التي سجلها التاريخ لتظل شهادة خالدة على أروع أمثلة العفو التي يضربها النبي –صلى الله عليه وسلم- ليعلم البشرية مكارم الأخلاق ومجامع العفو والتسامح، هو موقفه مع أهل مكة والذي تناولته كتب السيرة، فحينما قدم النبي إلى مكة المكرمة فاتحا منتصرا وقد أعزه الله بنصره، ومكنه الله من إنقاذ بلده المحرم، وفتح لدينه حيث دخل دين الله أفواج من خلق الله.

وبعد حقبة من الدعوة رأى النبي فيها كل ألوان العذاب والإيذاء، بلغت من قسوتها مبلغا جعلتهم يقتلون أصحابه ويمثلون بأجسادهم الأمر الذي يحزن قلب أي انسان ولا يقوى على تحمله جبل، ولا يستطيع أن يغفره أو يعفو عنه إلا نبي مرسل أو ملك منزل، جاء يوم الفتح الأعظم وتمكن النبي من أعدائه وأعداء دعوته، وصارو بين قبضته، ولو شاء لاقتص منهم وثأر لأصحابه من قسوتهم وظلمهم، وهم ينتظرون ما يفعل بهم، ويمنون أنفسهم بالوعيد والانتقام، غير أن نبي الرحمة يأبى إلا أن يفاجئهم بما لا يتصورون من العفو والصفح، فيقول لهم سائلا: ما تظنون أني فاعل بكم، قالو: أخ كريم وابن أخ كريم، قال: اذهبوا فانتم الطلقاء.

قصة عفو النبي عن اليهودية صاحبة الشاه المسمومة

بعد عزوة خيبر تعرض النبي صلى الله عليه وسلم لمحاولة قتل بالسم، حيث وضعت له امرأة من اليهود سما في شاة مشوية، وأهدتها له ولو لا أن تداركه الله برحمة منه لهلك، ولكن الله أنطق الشاة وأنجا نبيه، وأمر بتلك المرأة فجيئ بها إليه، وسألها النبي عن فعلتها فأقرت بها واعترفت، وما كان من النبي إلا أن عفا عنها وأطلق صراحها، ويقال أن أثر ذلك السم كان يشعر به النبي في كل عام في نفس الموعد حتى
انتقل إلى الرفيق الأعلى.

وبذلك استطاع النبي أن يضرب أروع الأمثلة في العفو، ليس فقط عن أحبته وصحبه بل امتد ليشمل أعدائه وخصوم دعوته.

أضف تعليق

error: