اعترف بأنني أشتاق إلى الغربة

حطت بي الرحال في مطار الملك عبدالعزيز في جدة يوم الخميس في مارس من هذا العام قادما من «المملكة المتحدة – بريطانيا»، وكنت وقتها قد أمضيت ما يزيد على سنة كاملة بعيدا عن الأرض التي احتضنتني 27 عاما.

لم أشعر في بريطانيا بغربة شديدة، وهذا الأمر له ما يبرره من كثرة السعوديين، فالمكان الذي أسكنه يعج بالسعوديين، ويندر أن أخرج أو أدخل دون أن أصادف بعض السعوديين أو السعوديات في طريقي، هذا بالإضافة إلى أن الشقق الثلاث المحيطة بي يسكن اثنان من السعوديين بعائلاتهما، لذلك لم أشعر بأني بعيد عن «الحس السعودي» حتى أشتاق له أو افتقده. لكن المكان الوحيد الذي كنت أعيش فيه بعيدا عن أي سعودي هو «الكلية» التي أدرس فيها، فطوال مدة دراستي في الكلية لا أتذكر أني قابلت أي سعودي إطلاقا، وكانت هذه ميزة – بالنسبة إلي – للاحتكاك أكثر بأبناء البلد بعيدا عن أي تجاذبات فطرية بين أبناء البلد الواحد.

حتى الآن أمضيت تقريبا أسبوعين في السعودية، ومنذ أيام عاودني الشوق للرجوع إلى بريطانيا. وحقيقة لا أعلم السر وراء هذا الشوق على الرغم من قصر المدة التي قضيتها هنا، لكني أكاد أجزم أني وقعت في فخ «المقارنات الظالمة» بين بريطانيا والسعودية، بعض هذه المقارنات:

  1. على الرغم من الغلاء الفاحش في بريطانيا إلا أنني شعرت بأن الأسعار هنا أغلى، وكل سلعة كنت أشتريها كنت أشعر بأن وراءها عملية استغلال كبيرة، بينما لم ينتابني هذا الشعور في بريطانيا إطلاقا.
  2. لم أر أو أسمع في بريطانيا عن أي حادث سير كلف وفيات أو أرواح بينما في ظرف أسبوع سمعت بأن أربعة أشخاص ماتوا في «طريق الهدا» بسبب حوادث سيارات.
  3. طوال السنة التي مكثتها في بريطانيا ما رأيت قط حادث سيارة، بينما رأيت العديد من حوادث السيارات في المدن الثلاث التي زرتها حتى الآن «الطائف – جدة – الرياض».
  4. لم أتعرض لتأخير أو إلغاء أو أي نوع من أنواع المشكلات في المواصلات العامة «حافلات – قطارات – طيران» في بريطانيا، بينما صدمت بأول مشكلة ولخبطة فور دخولي لطائرة الخطوط السعودية في مطار هيثرو بلندن، وكانت المشكلة استخراج بطاقات صعود للطائرة لأكثر من راكب على المقعد نفسه.
  5. على الرغم من قيادتي المحدودة جدا لسيارة بعض الزملاء في بريطانيا إلا أنني ما احتجت لاستعمال المنبه إطلاقا، بل على كثرة استخدامي للسيارة مع الزملاء أو سيارات الأجرة لم أر من يستخدم منبه السيارة لتحذير أو تنبيه مركبة أخرى، وعلى النقيض استأجرت قبل أسبوع سيارة ولسوء الحظ كان المنبه فيها لا يعمل، ولهذا السبب كنت على وشك الوقوع في بعض الحوادث بسبب غفلة أو سوء قيادة بعض السائقين الآخرين.
  6. في بريطانيا، في البنوك.. المطارات.. محطات القطار.. الحافلات.. الأسواق.. لم أصادف أن تعدى أحد على دوري في الطابور بينما واجهت العديد من المواقف لأشخاص ضربوا بالأرقام عرض الحائط ومارسوا التعدي على حقوق الآخرين في النظام والأدوار، بل حتى مطعم الفلافل «أبو عنتر» في الطائف وجد فيها من لم يكترث بصفوف الطالبين لسندوتشات الفلافل.

هذه بعض المظاهر التي رأيتها وامتعضت منها حينما تبادرت بذهني الصورة ونقيضها بين السعودية وبريطانيا، وتمنيت حينها لو أن الشعب كله ابتعث لإحدى الدول المتقدمة حتى تتغير لديه الصورة النمطية عن أهمية النظام ودوره في التحضر والتقدم.

تنبيه أخير: لست أسوق هذا الكلام افتتانا بالغرب أو نقمة على واقع كنت في يوم من الأيام أحد مكوناته، لكني آمل أن يكون لنا نصيب من التطور و«الحداثة السلوكية» التي رأيناها في الدول المتقدمة ونحن بأشد الحاجة إليها في دولنا ومؤسساتنا ومجتمعاتنا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error:
Scroll to Top