أطعمة غير تقليدية من أيام الفراعنة: مفاجآت من مطبخ المصريين القدماء

أطعمة غير تقليدية من أيام الفراعنة: مفاجآت من مطبخ المصريين القدماء

عندما نتحدث عن الحضارة المصرية القديمة، غالبًا ما تتجه أذهاننا نحو الأهرامات والمعابد والتماثيل الضخمة، ولكن من النادر أن نلتفت إلى جوانب الحياة اليومية مثل الطعام. وعلى الرغم من أن المصري القديم كان يهتم بالطقوس الدينية والجنائزية، إلا أن اهتمامه بالطعام لم يكن أقل شأنًا، بل كان له آداب وتعاليم خاصة. ومن هنا ينبع السؤال: كيف كانت مائدة المصريين القدماء؟ وهل تناولوا أطعمة لا تزال موجودة حتى اليوم؟ والأهم من ذلك، ما هي تلك الأكلات التي كانت شائعة قديمًا وتُعد غريبة بالنسبة لنا اليوم؟

المارشميلو: حلوى عمرها 4000 سنة

قد يبدو المارشميلو حلوى حديثة نعشقها جميعًا، سواء تناولناها بأنفسنا أو قدمناها لأطفالنا، لكن الحقيقة أنها تعود إلى أكثر من أربعة آلاف عام. ففي حوالي عام 2000 قبل الميلاد، كان المصريون القدماء يصنعون هذه الحلوى من نبات يُعرف بـ”الخطمي”، الذي كان ينمو في المستنقعات الرطبة المحاذية لنهر النيل. كانوا يعصرون هذا النبات ويخلطون عصيره بالعسل والمكسرات ليُقدَّم في المناسبات الخاصة كنوع من الحلويات الفاخرة.

وبمرور الزمن، استُبدل هذا النبات في النسخة الحديثة بالجيلاتين، وأُضيف إليه شراب الذرة اللزج والسكر والألوان الصناعية، ليخرج لنا المارشميلو كما نعرفه اليوم. ومن المثير أن نبات الخطمي لم يكن يُستخدم فقط في صناعة الحلوى، بل أيضًا في الطب، حيث كان يُغلى مع العسل لتكوين خليط يُستخدم لتسكين السعال والتهابات الحلق.

كبد الإوز: تقنية التصغيط بدأت في مصر القديمة

رغم أن طبق “فواجرا” أو كبد الإوز الدهني يُنسب عادة إلى المطبخ الفرنسي، فإن جذوره تعود إلى مصر القديمة. تقوم فكرة الطبق على تسمين الإوز بالقوة – وهي تقنية تُعرف بـ”التصغيط” – للحصول على كبد كبير ودسم. وعلى الرغم من الجدل الأخلاقي الكبير حول هذه الممارسة في العصر الحديث، فإن الداعمين لها يشيرون إلى أن المصريين القدماء هم أول من ابتكروا هذه الطريقة.

وتحديدًا في عام 2500 قبل الميلاد، توجد رسوم على جدران مقبرة “ميريروكا” في سقارة تُظهر مجموعة من العمال وهم يزغّطون الإوز والبط، مما يدل على أن هذا الأسلوب في تسمين الطيور كان معروفًا ومعتمدًا آنذاك. وقد ساهمت هذه الرسوم في كشف جانب مهم من عادات الطعام لدى المصريين القدماء، الذين لم يتركوا شيئًا دون تدوين أو توثيق.

نبات البردي: من الورق إلى الطعام

جميعنا يعرف أن المصريين القدماء استخدموا نبات البردي في صناعة الورق، لكن ما لا يعرفه الكثيرون أن هذا النبات دخل أيضًا في نظامهم الغذائي. فقد كان البردي يُعامل كما نعامل الكرفس اليوم؛ حيث كانوا يضيفونه إلى الحساء أو يتناولونه نيئًا. وعلى الرغم من الاستخدام الواسع للنبتة في صناعة الورق، إلا أن كثرة توفرها سمحت بأن تكون في متناول الجميع، سواء للاستخدام الكتابي أو الغذائي.

القنفذ: بين التمائم والموائد

القنفذ كان له مكانة خاصة في الحضارة المصرية القديمة، إذ عُرف كرمز للنهضة بعد الموت، ولهذا السبب كانت تُصنع منه التمائم وتُزيَّن به الأعمال الفنية. لكن المفاجأة أنه لم يكن مجرد رمز، بل وجبة غذائية أيضًا! فعلى الرغم من الأشواك الحادة التي تغطي ظهره والتي تصل إلى 6000 شوكة، إلا أن المصريين كانوا يصطادونه بسهولة ويطهون لحمه بطريقة فريدة: إذ كانوا يغطونه بالطين ثم يخبزونه في نار مفتوحة. وبعد تمام النضج، يُكسر الطين الجاف لتخرج منه القنفذة خالية من الأشواك، جاهزة للتناول.

بالمناسبة؛ هل تعلَم ⇐ لماذا نشعر بحرارة الفلفل وبرودة النعناع؟

فرس النهر: التقديس لا يمنع التهامه

فرس النهر كان يُقدَّر ويُخشى في آنٍ واحد، فقد كان يمثل رمزًا للقوة في المعتقدات المصرية، ومع ذلك لم يمنعهم ذلك من صيده وتناوله. ويصل وزن هذا الحيوان إلى 2700 كغ، ويقضي أغلب وقته في الماء لحماية جلده من الشمس، لكنه يصبح عدوانيًا للغاية عند حلول الليل.

وقد تطلب صيده تنظيم رحلات معقدة بمشاركة صيادين محترفين، كما تُظهر إحدى الرسوم القديمة رجالًا على قارب صغير يستخدمون الحراب لصيد فرس النهر. وعند النجاح، يحصل الصيادون على وليمة ضخمة تكفيهم لفترات طويلة، مما يعكس مدى أهمية هذا الصيد.

زهرة اللوتس: من الزينة إلى الطعام

زهرة اللوتس لم تكن مجرد عنصر زخرفي في النقوش المصرية، بل كانت عنصرًا رئيسيًا على مائدة الطعام أيضًا. فالمؤرخ اليوناني هيرودوت، الذي زار مصر منذ أكثر من 2500 عام، كتب أن المصريين كانوا يتناولون جذور زهرة اللوتس لطعمها الحلو، كما كانوا يجففون أوراقها ويطحنونها لاستخدامها في صناعة الخبز.

إلى جانب الاستخدامات الغذائية، استُخدمت الزهرة في صناعة العطور ومستحضرات التجميل وحتى في العقاقير، مما يدل على مكانتها المتعددة الأوجه في الحياة المصرية القديمة.

أحشاء الحيوانات: وجبة أساسية لا تُهدر

رغم أن المصريين القدماء لم يكونوا يذبحون المواشي بكثرة، إلا أنهم كانوا يستغلونها بشكل كامل عند الذبح. فالأحشاء كانت تُعد وجبة محبوبة، وعلى رأسها الكلى، التي كانوا يحتفظون بها أحيانًا في أوانٍ داخل المقابر لتكون زادًا للميت في الحياة الأخرى.

كذلك، كان المخ يُستخرج من جماجم الأبقار – التي عُثر على العديد منها مشقوقة وفارغة تمامًا – ويُقدَّم كوجبة رئيسية. بل إن رؤوس الأبقار ذاتها كانت تُستخدم في موائد القرابين، مما يُظهر مدى تقديرهم لكل جزء في الحيوان، وهو ما نراه مستمرًا حتى يومنا هذا في بعض الأكلات الشعبية المصرية مثل “المخ” و”الكوارع”.

والخلاصة..

يتضح أن المطبخ المصري القديم كان غنيًا ومتنوعًا بشكل يفوق التصور، حيث جمع بين الابتكار والتقاليد، واستغل كل ما توفر له من موارد طبيعية. وعلى الرغم من أن بعض هذه الأكلات قد تبدو غريبة بالنسبة لنا اليوم، إلا أنها كانت جزءًا طبيعيًا من حياة المصري القديم، مما يعكس عراقة وتنوع هذه الحضارة التي لم تترك جانبًا من جوانب الحياة إلا واهتمت به، حتى الطعام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error:
Scroll to Top