محاضرة عن ليلة القدر

محاضرة عن ليلة القدر

اليوم نُبحِر مع محاضرة عن ليلة القدر. هذه الليلة العظيمة عند الله ﷻ، والتي أنزل فيها ﷻ سورة كاملة، وهي سورة القدر. قال ﷻ ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ | وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ | لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ | تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ | سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ﴾. دعونا نقف أيها الأحباب الكرام مع هذه السورة العظيمة.

يقول ﷻ ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْر﴾؛ أي كان بداية نزول القرآن في هذه الليلة. فدلّ هذا على شرف هذه الليلة، وأنها ليلة عظيمة عند الله.

سُميت بليلة القدر، من القدر والمكانة والمنزلة لهذه الليلة عند الله ﷻ.

ثم قال ﷻ ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْر﴾؛ أي: ما أخبرك محمد عن قدر هذه الليلة ومكانتها وعظمتها عند الله؟ وهذا سؤال لتفخيم ولتعظيم هذه الليلة. ثم أجاب الله ﷻ عن هذا السؤال، قال ﷻ ﴿لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ﴾؛ هذه الليلة -أحبتي- خير من ألف شهر. وقد ذكر العلماء أن ألف شهر تساوي أكثر من ثلاثة وثمانين عامًا. نعم -أحبتي- هذه الليلة تساوي أكثر من عبادة ثلاث وثمانين عام.

فضل قيام ليلة القدر

تصوَّر أن الله ﷻ يرزقك بقيام هذه الليلة، وتحتسب أن تقوم هذه الليلة.

فأولا: يُغْفر ذنبك. يقول النبي ﷺ «من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه».

ثانيا: أُضيف إلى عمرك عمر جديد، وهو ثلاثة وثمانين سنة وزيادة. فأصبح عمرك أكثر من عمرك الحالي بثلاثة وثمانين عاما. هذا فضل عظيم، من هو المحروم الذي يضيع هذا الأجر؟

ولذلك النبي ﷺ يقول «من حرم خيرها فقد حرم» أي خير هذه الليلة.

وهي كلها أيام بسيطة -أحبتي-، عشر ليالٍ فقط من السنة كاملة يضاف إلى رصيدك ثلاث وثمانين عاما. فما بالك إذا قمت عشر وأنت تقوم هذه الليلة، ولا تفوتك كل رمضان. فإنه يضاف إلى رصيدك بعملية حسابية أكثر من ثمانمئة سنة، أكثر من ثمانمائة عام يضاف إلى رصيدك عبادة لله ﷻ.

لأنك عندما تضرب ثلاث وثمانين في عشرة يطلع معك أكثر من من ثمانمائة  عام، عمر مديد. ما بالك إذا أدركتها ووفقت لها عشرين عاما، إنك بذلك عبدت الله ﷻ أكثر من ألف وستمائة عام. أكثر من ألف وستمئة عام وأنت تعبد الله ﷻ بسبب هذه الليلة.

وما بالك بمن يدركها ثلاثين عاما، أو أربعين عامًا؛ لكبار السن الذين أطال الله ﷻ عمرهم وهم في طاعة، وهم في عبادة. ويدركون هذه الليلة ويحرصون عليها، إنها إعمارٌ عظيمة أضيفت إلى أعمارهم.

مئات وآلاف السنوات في عبادة. وهذه العبادة ليس فيها نوم، وليس فيها لهو وليس فيها انشغال بأكل أو أي أمر من أمور الدنيا. إنما هي عبادة بحتة تضاف إلى رصيدك.

أليس هذا فضلا يا أحبتي؟ أليس هذا حري بالمسلم أن يحرص عليه؟ بلى والله، بلى والله. والمحروم من ضيعها. نسأل الله السلامة.

وهنا تقرأ: خطبة عن ليلة القدر وفضل العشر الأواخر من رمضان والاجتهاد فيها

من حُرِمَ خيرها فقد حُرِم

ليلة القدر ليلة شريفة مباركة ويعدل ثوابها وأجرها أكثر من ١٠٠٠ شهر أي ما يعادل ٣٠٠٠٠ ليلة. بل وأن الله ﷻ يقول ﴿خير﴾ أي أفضل وأكثر من هذا الرَّقم. ومع ذلك الفضل العظيم فقد يُحرَم العبد من فضلها بأمور دنيوية، انشغال بمسلسلات أو ملاهي أو لعب ورق أو نحو ذلك. إلى متى ونحن في انشغال؟ نحن -أحبتي- نمر بفترات موسمية، من يستغلها فهو خير له، وهو موفق بإذن الله  ﷻ، ومن يُحرَم منها من شيطان وهوى نفس، فهذا هو المحروم حقا، نسأل الله السلامة والعافية.

فلذلك حري بنا أن نستغل ما بقي من هذا الشهر، وخاصة هذه الليلة. وفي أحاديث عن النبي ﷺ أنها أرجى أن تكون ليلة سبع وعشرين.

وبعض الصحابة يؤكد أنها ليلة سبع وعشرين. لكن الصحيح أنها تتنقل في الليالي الفرديَّة خاصة؛ في الواحد والعشرين أو الثالث والعشرين أو الخامس والعشرين أو السابع والعشرين، أو التاسع والعشرين أو ربما حتى في أيام أو ليالي زوجية قد تأتي.

فالواجب علينا أن نحرص -أحبتي في الله- على ما بقي من هذا الشهر وأن نستغل أوقاتنا؛ فالعمر قصير، وإذا لم تعوضه بهذه الليالي فإنك تأتي يوم القيامة وحسناتك قليلة. لماذا؟ للتفريط في هذه الليالي.

هنا أيضًا: أعمال ليلة القدر ٢٧.. مفاتيح الجنان

من كرامات ليلة القدر..

ثم قال الله ﷻ ﴿تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا﴾. تتنزل الملائكة؛ سكان السماوات، الملائكة الذين يسكنون السماوات ينزلون بأمر الله ﷻ إلى الأرض هذه، وينزلون في الطرقات ويستمعون الذكر ويستمعون قراءة القرآن. ولذلك تزدحم بهم الطرقات والأماكن من كثرتهم.

﴿وَالرُّوحُ فِيهَا﴾ من هو الروح؟ هو جبريل “عليه السلام”، ذكره الله ﷻ لشرفه ولمكانته.

فينزلون ويستمعون الذكر، وينزل معهم الخير والبركة. لأن الملائكة لا تأتي إلا بالبركة والخير من الله ﷻ.

﴿بِإِذْنِ رَبِّهِم﴾ أي بأمر الله ﷻ.

﴿مِّن كُلِّ أَمْرٍ﴾ أي يكون معها علم من الله ﷻ  بالأرزاق وبالآجال وبالأقدار لمدة عام كامل حتى ليلة القدر الأخرى من السنة القادمة. فالله ﷻ  يأذن بأن يخبرها بآجال الناس، وأرزاقهم وأقدارهم وما يحصل لهم من حوادث ومن أمور ومن أمراض ومن سعادة ومن مواليد جديدة، وغير ذلك، لمدة عام كامل.

ولذلك وجل يقول ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ | فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾؛ أي ينزل ويفترق من اللوح المحفوظ ويؤخذ من اللوح المحفوظ ويُوزع على الملائكة بأن هذه أقدار الناس وهذه آجال الناس، وهذه ما يحصل لهم من هذا العام إلى العام القادم.

وهكذا كل عام تنزل الأقدار مع الملائكة ويعرفون ماذا يحصل لكل شخص من موتٍ أو حياةٍ أو غيرها.

﴿سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ﴾ هذه الليلة -أحبتي- هي سلام، هي أمنٌ وأمان، هي بركة وخير. ليس فيها شرور، والشيطان لا يكون له تأثير في هذه الليلة أبدا.

علامات ليلة القدر

وهذه الليلة -أخي الكريم- سواء رأيت علاماتها أم لم ترها، أهم شيء أنك قمت هذه الليلة ابتغاء فضلها، وأن تكون من القائمين فيها.

ولكن؛ قيل أنها:

  • ليلة ليست حارة وليست باردة.
  • وأن صبيحتها الشمس فيها لا شعاع فيها..

وغير ذلك، لكن لا يهمك هذه العلامات. أهم شيء أن تحرص على قيام هذه ليلة القدر، حتى يُضاف إلى رصيدك عمر جديد، والخسران من خسر مثل هذه الليلة وفرط فيها، فإنه قد فات عليه شيء كثير. فأسأل الله: اللهم بلغني وأحبتي ليلة القدر يا كريم.

علينا أن نحرص عليها ما بقي من الليالي -أحبتي- لعل الله ﷻ  أن يرزقنا بها أنه ولي ذلك والقادر عليه.

أضف تعليق

error: