دروس من الهجرة النبوية

صورة , غروب , شروق , الهجرة النبوية

كانت أرض الجزيرة العربية غارقة في ظلمات الجهل والضلال والرذائل، يعبدون الأصنام، ويعبدون من قبلها أهوائهم وغرورهم ورغباتهم ومصالحهم الشخصية، وظلت الجزيرة العربية على هذا الحال حتى أذن لله بميلاد الدعوة الإسلامية، ليتغير وجه الحياة في الجزيرة بل في العالم بأسره، ويولد نور يشتت عتمة الظلم والضلال، ولكن هذا النور لم يلق ترحيبا من كل الناس، بل إن بعضهم ألف الظلام واعتاده، وتكيف معه، وتربح منه فلما لاح نور الإسلام على البعد تصدى له أعتى العتاة، ووقف أمامه أطغى الطغاة ليطفئوا نور الله، ولكن الله غالب على أمره ومتم نوره ولو كره الكافرون.

كان حدث البعثة أذن من الله بتغيير العالم كله، أما حدث الهجرة فهو نقلة نوعية رائعة وهامة جدا في تاريخ الدعوة، لأنها كانت فيصلا بين مرحلتين شديدتي الحساسة والأهمية في الدعوة الإسلامية، مرحلة من الظلم والاضطهاد والحرب على الإسلام، وسرية الدعوة إلى المرحلة المناقضة لذلك تماما، فقد جهر النبي بالدعوة وهاجر بها، ليؤسس دولة اسلامية راسخة الأوتاد قوية، لا تقدر ريح الظلم ولا قوة الكفر على زعزعتها أو هدم بنائها.

وهنا سوف نتناول موضع الهجرة من حيث ما حمله هذا الحدث بكل تفاصيله من عبر ودروس وعظات، تضيئ عتمة الطريق وتدلنا على النجاة في حياتنا والمواجهة الناجحة لما نتعرض له من التحديات والضغوطات.

سوف نستعرض أحداث الهجرة بشكل موجز وسريع ونقف عند كل موقف يحوي درسا أو إن شئنا فلنقل كنزا من كنوز البراعة والذكاء النبوي الشريف.

متى كانت الهجرة النبوية؟

منذ ميلاد الدعوة والنبي –صلى الله عليه وسلم- يكابد العذاب وصنوفه هو وأصحابه الكرام من مكة ومشركيها وفجارها، وقد كان يعلم أن أمر الهجرة قادم لا محالة، لكنه لم يكن يعرف موعدها، فاستمر النبي يجاهد لهداية قومه وما اتبعه منهم إلا قليل، وظل النبي يبلغ الدعوة في سرية حتى زاد أتباعه وشاع خبر الدعوة فما كان من قريش إلا أن هاجمتها أشد هجوم، وراح رجالها وكبرائها يبحثون في كل اتجاه عن حل يمكنهم من النبي ودعوته، وحدثت تفاصيل كثيرة ومرت الدعوة ورجالها الأوائل بمنعطفات خطيرة جدا، وفترات عصيبة إلى أبعد الحدود، ولكن
المقام لا يتسع لذكرها.

حتى أذن الله لنبيه بالهجرة بعد أن قضى ثلاثة عشر سنة من الدعوة إلى الدين الجديد، لتتخذ الدعوة مسارا جديدا مختلفا عن سابقه، فما كان من النبي إلا أن استعد للهجرة وراح يخطط لها ويتخذ ما يجب اتخاذه من احتياطات الأمن والسلامة ما قدر الله له ن يفعل.

الدرس الأول: رد الأمانات إلى أهلها

لما أراد النبي الخروج من مكة، وكان لديه أمانات لأهل قريش، أمر عليا بن أبي طالب برد أمانات قريش لأصحابه، حتى تبرأ ذمته عليه الصلاة والسلام، وكان هذا الدرس الأول ، الأمانة في أرقى صورها، فلم يشغله عليه الصلاة والسلام ذلك الخطب العظيم وما ينتظره من تغير في مسار حياته ورسالته عن رد الأمانات إلى أصحابها ولم يغره ظلم قريش له وإيذائها إياه أن يرد لهم الإساءة بمثلها أو يساوم في رد الحقوق لأصحابها.

الدرس الثاني: التخطيط في سرية تامة

أول ما فعله النبي –صلى الله عليه سلم- أن أخبر صاحبه المخلص الأمين المحب أبا بكر الصديق بأمر الهجرة، فطلب منه أن يصحبه فوافق عليه الصلاة والسلام، ولم يخبر سوى أبا بكر، وهذا من الحكمة وحسن التصرف أن يستعين الإنسان على قضاء حوائجه بالكتمان، ولا يفصح عن خططه إلا لمن يحبه ويعينه على تحقيقها.

الدرس الثالث: الاستعانة بذوي الخبرة

استعان النبي بدليل ليصحبه في سفره، وقد كان عبد الله بن أريقط ولم يكن حينئذ مسلما، لكنه كان خبيرا بالصحراء وعارفا بالطريق وأمينا، وهذا إشارة إلى أن نجاح الخطط يعتمد على إسناد الأمر لأهله بمضوعية تامة، ودون اعتبارات العنصرية أو الهوى الشخصي، فالعبرة بالخبرة.

الدرس الرابع: الأخذ بالأسباب

طلب النبي من أسماء بنت أبي بكر أن تعد لهما العام وتأخذه لهما، ليستعينا به على مشقة السفر، وسلك طريقا غير مألوفة لقريش حتى وصل الغار، واستعان بشخص لإخفاء الأثر، واستعان بأخر ليأتي له بأخبار قريش، كل هذا يعلمنا أن الأخذ بالأسباب المؤدية إلى النجاح أمر ضروري، في كل أمور حياتنا.

الدرس الخامس: حسن الظن بالله وحسن التوكل عليه

برغم كل الاحتياطات والأسباب التي أخذ بها الحبيب المصطفى إلا إن إرادة الله اقتضت أن تصل قريش إلى الغار الذي يختبئ فيه النبي وصاحبه، وهنا تأتي لحظة التخلي عن الأسباب وطلب العون من مسبب الأسباب وحسن الظن به والتوكل الحق عليه، واليقين بأنه مسبب الأسباب وأنه القادر على كل شيء، فلا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، وتتجلى هذه المعاني السامية في حوار النبي –صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر وهو يتمزق خوفا وقلقا على حبيبه وصاحبه خشية أن يراهما أهل قريش فيؤذون المصطفى عليه السلام إذ يقول أبو بكر: (نَظَرْتُ إِلَى أَقْدَامِ الْمُشْرِكِينَ عَلَى رُؤوسِنَا, وَنَحْنُ فِي الْغَارِ, فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ إِلَى قَدَمَيْهِ, أَبْصَرَنَا تَحْتَ قَدَمَيْهِ, فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ, مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا؟).

جملة واحدة تكفي عن كل شيء، ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟؟

أضف تعليق

error: