خطبة: ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن

عنوان خطبة اليوم هو في ضوء قول الله ﷻ ﴿ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن﴾ وهو جزء من الآية 151 من سورة الأنعام. وفي هذه الخطبة المباركة سنقدم لكم مادة علمية قوية موثَّقة بالآيات والأحاديث والوعظ والإرشاد الحسن. سائلين الله ﷻ أن يوفقنا وإياكم إلى كل خير.

خطبة الجمعة, ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن, خطب مكتوبة

مقدمة الخطبة

الحمد لله الفرد الصَّمد، الذي لم يكن له صاحبة ولا ولد. وصلاة وسلامًا على خير البشر، ونبيّ الهدى المُجتبى، والحبيب المصطفى؛ اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد ﷺ.

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾

الخطبة الأولى

أمرنا الله ﷻ أن لا نقرب الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وهي الذنوب العظام وقد بين الله لنا لهم أصول ما حرم علينا، فقال ﷻ: ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾.

والفواحش هي كل ما اشتد قبحه، وعظم فساده مما نهى الله ﷻ عنه من قول أو فعل كالزنا واللواط والشذوذ، ويلحق بها كل ما أدى إليها كالنظر إلى المواقع الإباحية التي تطفئ نور الإيمان، وتميت القلب، وتجعل الإنسان عبدا لشهواته،ولذلك نهى الله عنها،وعن تعاطي أسبابها، وأمرنا بغض البصر حيث قال ﷻ في محكم كتابه: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ | وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾.

ومما لا يخفى أن الإسلام حرم الفواحش وما قرب منها، فقال ﷻ: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا اوَمَا بَطَنَ﴾.

إن الوقوع في الفواحش يؤدي إلى مفاسد عظيمة وكبيرة لها آثار مدمرة على الفرد والمجتمع، فهي تقتل الإيمان، وتقضي على إرادة الخير والحب والمودة بين الناس عامة، وبين الأزواج خاصة.

وإذا أردنا أن نحارب الفواحش، فعلينا أن نبتعد عن الرذائل، وأن نتخلى بالفضائل فهذا هو الطريق المستقيم لوقاية الفرد والمجتمع والأسرة من الفواحش ما ظهر منها وما بطن.

وتظهر أهمية الفضائل في سلوك الفرد، فهي تزرع في نفسه العفة والحياء والطهارة، وتمنعه من الوقوع في الرذائل والمنكرات، وإتباع الشهوات حتى يحظى العبد بالسعادة الحقيقية في الدنيا والآخرة كما قال ﷻ ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا﴾.

إن المسلم مطالب بتزكية النفس وتطهيرها من الصفات المذمومة، وتزيينها بالأعمال الصالحة المحمودة؛ لذا وجب علينا جميعا نشر القيم النبيلة كالعفة والحياء والطهر والنقاء والصبر على المعصية والغيرة على محارم الله ﷻ، والامتناع عن إشاعة الفاحشة بكل أشكالها وألوانها والتحذير منها كما حذر سيدنا لوط عليه السلام قومه من الفاحشة التي وصلت إلى أعلى مراتب القبح والاعتداء، قال ﷻ: ﴿وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ﴾.

وقد توعد الله ﷻ أولئك الذين يحبون شيوع الزنا والأفعال الشنيعة والقبيحة في المجتمعات بالعذاب الأليم حيث قال ﷻ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾.

قال شيخ المفسرين الإمام ابن جرير الطبري -رحمه الله ﷻ- : إن الذين يحبون أن يذيع الزنا في الذين صدقوا بالله ورسوله ويظهر ذلك فيهم “لهم عذاب أليم”. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً، ثم يصبح وقد ستره الله عليه، فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه» ~ متفق عليه.

وهناك صنف من الناس يعبدون الله ﷻ جهارا، وإذا ابتعدوا عن أعين الناظرين بارزوا الله ﷻ بالمعاصي، وارتكبوا المحرمات في خلواتهم، وهؤلاء حذر النبي ﷺ منهم بقوله «لأعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا، قَالَ ثَوْبَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا، جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لاَ نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لاَ نَعْلَمُ، قَالَ: أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ وَيَأْخُذُونَ مِنَ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا» رواه ابن ماجه، وقد قيل: لا تجعل الله أهون الناظرين إليك.

إذا ما خَلَوتَ الدَهرَ يَوماً فَلا تَقُل
خَلَوتُ وَلَكِن قُل عَلَيَّ رَقيبُ

وَلا تَحسَبَنَّ اللَهَ يُغفِلُ ما مَضى
وَلا أَنَّ ما تخفي عَلَيهِ يَغيبُ

إن إدمان النظر إلى المقاطع التي تنشر الرذيلة، وتخدش الحياء يقتل الإبداع، ويخرج الإنسان عن إنسانيته، ويمنع من التوبة، وينذر بسوء الخاتمة، ويعرضه للفتن، فلا شيء يردعه أو يزجره، كما قال ﷻ: ﴿كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾.

وقال ﷺ: ” تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودا عودا، فأي قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكتت له نكتة بيضاء، حتى يصير على قلبين: أبيض مثل الصفا، فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض، والآخر أسود مربادا كالكوز مجخيا لا يعرف معروفا، ولا ينكر منكرا إلا ما أشرب من هواه» ~ رواه مسلم.

والفواحش لها أثر كبير في تدمير الشباب والمجتمعات، ولا يمكن التصدي لها إلا بقوة الإيمان، والتربية على الدين والأخلاق والفضيلة، والتعاون على البر والتقوى، قال ﷻ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾.

ولا تفوتكم يا أكارم هنا: خطبة عن الأخوة في الله والمتحابون فيه ﷻ

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

فمن رحمة الله ﷻ بنا أنه واسع المغفرة يمهل عباده المؤمنين المقصرين، ويدعوهم للتوبة والإنابة إليه حيث قال ﷻ: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾.

وقال ﷻ ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾.

والله ﷻ يفرح بتوبة عباده، كما قال رسول الله ﷺ: «لَلَّهُ أفْرَحُ بتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِن رَجُلٍ نَزَلَ مَنْزِلًا وبِهِ مَهْلَكَةٌ، ومعهُ راحِلَتُهُ، عليها طَعامُهُ وشَرابُهُ، فَوَضَعَ رَأْسَهُ فَنامَ نَوْمَةً، فاسْتَيْقَظَ وقدْ ذَهَبَتْ راحِلَتُهُ، حتَّى إذا اشْتَدَّ عليه الحَرُّ والعَطَشُ أوْ ما شاءَ اللَّهُ، قالَ: أرْجِعُ إلى مَكانِي، فَرَجَعَ فَنامَ نَوْمَةً، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، فإذا راحِلَتُهُ عِنْدَهُ» ~ رواه البخاري.

فيجب الإقلاع عن فعل الفواحش، والندم على فعلها، وترك كل ما يؤدي إليها، والمسارعة بالتوبة، ومراقبة الله ﷻ في السر والعلن، ولتحذر أيها المسلم من أن يراك الله ﷻ على حال يغضبه، ويورث عقوبته وانتقامه، فلا بد من مراقبة الله ﷻ في أفعالنا وأقوالنا وفي حركاتنا وسكناتنا حتى نكون من عباده المحسنين المخبتين، ونحقق وصف العبودية الحقة لله ﷻ كما أخبر النبي ﷺ عندما عرف مقام الإحسان، فقال: «أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك» ~ رواه البخاري.


ملخص الخطبة

  • أمر الله ﷻ أن لا نقرب الفواحش ما ظهر منها وما بطن، والفواحش هي كل ما اشتد قبحه، وعظم فساده مما نهى الله ﷻ عنه من قول أو فعل كالزنا واللواط والشذوذ، ويلحق بها كل ما أدى إليها كالنظر إلى المواقع الإباحية التي تطفئ نور الإيمان، وتميت القلب، وتجعل الإنسان عبدا لشهواته، وقد بين الله لنا اصول ما حرم علينا، ولذلك نهى الله عنها،وعن تعاطي أسبابها، وأمرنا بغض البصر
  • الوقوع في الفواحش يؤدي إلى مفاسد عظيمة وكبيرة لها آثار مدمرة على الفرد والمجتمع، وتقضي على إرادة الخير والحب والمودة بين الناس عامة وبين الأزواج خاصة، وإذا أردنا أن نحارب الفواحش، فعلينا أن نبتعد عن الرذائل، وأن نتخلى بالفضائل فهذا هو الطريق المستقيم لوقاية الفرد والمجتمع والأسرة من الفواحش ما ظهر منها وما بطن.
  • إن إدمان النظر إلى المقاطع التي تنشر الرذيلة وتخدش الحياء يقتل الإبداع، ويخرج الإنسان عن إنسانيته، ويمنع من التوبة بل وينذر بسوء الخاتمة. ويعرضه للفتن، فلا شيء يردعه أو يزجره، كما قال ﷻ: ﴿كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾.
  • يجب الإقلاع عن فعل الفواحش، والندم على فعلها، وترك كل ما يؤدي إليها، ويجب المسارعة بالتوبة كذلك، ومراقبة الله ﷻ في السر والعلن، ولتحذر أيها المسلم من أن يراك الله ﷻ على حال يغضبه، ويورث عقوبته وانتقامه، فلا بد من مراقبة الله ﷻ في أفعالنا وأقوالنا وفي حركاتنا وسكناتنا حتى نكون من عباده المحسنين المخبتين، ونحقق وصف العبودية الحقة لله ﷻ.

وهنا كذلك؛ المقترحة المُبارَكة: خطبة: الآيات الكونية في القرآن الكريم

رأي واحد حول “خطبة: ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن”

أضف تعليق

error: