خطبة —مكتوبة— حول فضل ليلة القدر وزكاة الفطر

خطبة مكتوبة , فضل ليلة القدر وزكاة الفطر , خطب الجمعة

استعد جيدًا يا إمام، فهذه أوقات في غاية الأهميَّة في العام كله، وفي شهر رمضان خاصَّة. لذلك؛ فهنا تجِد لدينا خطبة —مكتوبة— حول فضل ليلة القدر وزكاة الفطر. أعددناها من أجلِك؛ فلا تفوّت الفُرصَة.

عناصر الخطبة

  • ليلة القدر أعظم الليالي لأنها تشرفت بنزول القرآن الكريم فيها.
  • نالت هذه الليلة اسمها (القدر) من مكانتها عند الله ﷻ فيها التقدير للخلائق، ورفع القدر لمن أكرمه الله بها.
  • إن الله ﷻ وتر يحب الوتر، فعلينا أن نتحرى هذه الليلة في الليالي الفردية في العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك.
  • حريٌّ بالمسلم أن يجعل لسانه رطباً بتلاوة القرآن وذكر الله ﷻ والصلاة على النبي ﷺ في هذه الليلة ليطمئن قلبه بالذكر فيصبح المسلم ربانياً في أقواله وأفعاله فيشيع التسامح والاحترام والمحبة والتراحم والإيثار بين أبناء المجتمع وتصبح مكارم الأخلاق سجية وسلوكا يعرف به.
  • زكاة الفطر، تطبيق لمبدأ التكافل الخاص برمضان وتحمل معاني الصدق من المتصدقين فتعم الرحمة والمواساة جميع المسلمين يوم العيد وترتسم معالم البهجة على الوجوه.

الخطبة الأولى

شهر رمضان العظيم، وافد كريم، وضيف عظيم يوشك أن يغادرنا كما جاء، بالأمس كنا نقول رمضان أهلاً، واليوم نقول رمضان مهلاً، وفي وداع هذا الشهر العظيم، لا بد أن نقف لحظة نحاسب بها أنفسنا محاسبة جادة ننظر فيها ماذا قدمنا في شهرنا من عمل؟ وما هي الفوائد التي استفدناها منه؟ وما هي الأمور التي قصرنا فيها؟ هل صمناه حق الصيام، وهل قمناه حق القيام، هل تحققت فينا الحكمة من الصيام؟ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ البقرة: 183. هل زادت طاعاتنا في رمضان، أم أنه مر علينا كغيره من الشهور؟

فمن اغتنم أيام هذا الشهر المبارك وأحسن وفادته فليحمد الله وليزدد إحسانا وليسأل الله الثبات والقبول والغفران، ومن كان مقصراً فليتب إلى مولاه، وليسارع إلى استغلال ما تبقى من هذه الأيام الفاضلة حتى لا يكون كمن أخبر عنهم النبي ﷺ: «رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ ثُمَّ انْسَلَخَ قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ» رواه الترمذي.

فحري بالمسلم أن يحرص على اغتنام ما بقي من أيام هذا الشهر الفضيل، فمن لم يُحسن الاستقبال، فليحسن الوداع، فربما كان حسن العاقبة في الخواتيم، وقد قال النبي ﷺ: «إنما الأعمال بالخواتيم» رواه الإمام أحمد.

فكيف إذا كانت هذه الخواتم هي خير الليالي والأيام في هذا الشهر الفضيل التي كان من هدي النبي ﷺ أنه يجتهد فيها ما لا يجتهد في غيرها كما أخبرت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: «كان رسول الله ﷺ إذا دخل العشر أحيا الليل وأيقظ أهله وجد وشد المئزر» متفق عليه، خاصة وأن في هذه العشر الأخيرة، ليلة عظيمة، هي ليلة القدر، التي سميت بذلك؛ لشرفها وعظيم قدرها عند الله، فهي التي أُنزل فيها القرآن الكريم معجزة خالدة إلى آخر الزمان ودستور هداية ونور ورحمة للعالمين.

قال ﷻ: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ، فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ أَمْرًا مِّنْ عِندِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ، رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ، إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ، رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا، إِن كُنتُم مُّوقِنِينَ﴾ الدخان: 3–5.

ويقول الله ﷻ: ﴿وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ، نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ، عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ، بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ﴾ الشعراء192–194.

فاجتمع في هذه الليلة المباركة شرف الزمان وهو ليلة القدر، وشرف المكان وهو قلب نبينا ﷺ، وشرف الحدث وهو نزول القرآن الكريم.

ولأجل هذا الفضل العظيم، والشرف والرفيع التي حازته هذه الليلة المباركة، سماها الله سبحانه بليلة القدر، قال ﷻ: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾ القدر:1، فجعلها الله ﷻ زماناً يُقدر فيه ما يكون في تلك السنة، ويقضي فيه الحق ﷻ ما سيكون من حال العباد من صحة ومرض، وحياة وموت، ويقدر أرزاق العباد وأحوالهم، قال ﷻ: ﴿فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ أَمْرًا مِّنْ عِندِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ﴾.

وفي هذه الليلة المباركة تتنزل الملائكة ومن بينهم جبريل عليه السلام، حتى إن الأرض تضيق من كثرتهم، قال الله ﷻ: ﴿تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ﴾ [القدر: 4]، تنزّل أي أفواجاً بعد أفواج بعد أفواج، قال ﷺ: «إن الملائكة تلك الليلة في الأرض أكثر من عدد الحصى» رواه أحمد في المسند.

عباد الله: وكما أن الله ﷻ جمع في هذه الليلة من الفضائل أعظمها، ومن المكارم أجلها وأكرمها، فكذلك جعل لمن اجتهد في هذه الليلة واستزاد من العبادات والطاعات أجراً عظيماً، فهي ليلة السلام والخير والبركة من الله ﷻ على عباده من غروب الشمس قبلها حتى طلوع الفجر بعدها، قال الله ﷻ: ﴿سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ﴾ [سورة القدر: 6].

فلا بد للمسلم أن يغتنم هذه النفحة الربانية التي حلّت علينا في هذه الأيام المباركة، خاصة وأن الله ﷻ جعل لمن اغتنم هذه الفرصة من الأجر ما لم يجعله في غيره من الأجور، فجعل ثواب العمل الصالح فيها كعمل ألف شهر فيما سواه، قال ﷻ: ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ، لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ، سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ﴾ القدر: 2–5.

فلهذه الليلة فضل عظم من الله على أمة سيدنا محمد ﷺ، أن جعل قيام ليلة واحدة خير من ثلاث وثمانين سنة ليست فيها ليلة القدر، فقد عوّض الله ﷻ قصر أعمار أمة سيدنا محمد ﷺ بالمقارنة مع الأمم السابقة بأن خصنا بليلة القدر، فقد روى مالك في الموطأ أنه سمع من يثق به من أهل العلم يقول: «إن رسول الله ﷺ أري أعمار الناس قبله أو ما شاء الله من ذلك فكأنه تقاصر أعمار أمته ألا يبلغوا من العمل مثل الذي بلغ غيرهم في طول العمر فأعطاه الله ليلة القدر خير من ألف شهر» رواه مالك في الموطأ.

وليلة القدر هي ليلة المغفرة لمن أحسن قيامها والعبادة فيها، كما قال رسول الله ﷺ «من يقم ليلة القدر، إيماناً واحتساباً، غفر له ما تقدم من ذنبه» رواه البخاري، ومعنى «من يقم ليلة القدر» يحييها بالصلاة وغيرها من القربات، ومعنى «إيمانا» تصديقاً بأنها حقّ.

ومعنى «واحتساباً» يريد وجه الله ﷻ لا رياء، ويحتسب الأجر عنده، ولا يرجو ثناء الناس، فليبادر المسلم في هذه الأيام المباركة، لعله يصيب خير هذه الليلة العظيمة، فتشمله مغفرة الله ﷻ ورحمته، فإن الموفق والسعيد والمكرم هو من وفقه الله لإحياء هذه الليلة المباركة، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: دخل رمضان فقال رسول الله ﷺ: «إن هذا الشهر قد حضركم وفيه ليلة خير من ألف شهر من حرمها فقد حرم الخير كله ولا يحرم خيرها إلا محروم» سنن ابن ماجه.

عباد الله؛ أمرنا رسول الله ﷺ بتحري ليلة القدر في العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك، فقال: «تحرَّوا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان» متفق عليه.

وهي في الوتر من السبع الأواخر آكد؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنه أنَّ رجالاً من أصحاب النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أُروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر، فقال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «أرى رؤياكم قد تواطأَتْ –يعني اتَّفَقت– في السَّبع الأواخر، فمن كان مُتحرِّيَها فلْيَتحرَّها في السبع الأواخر» متفق عليه.

ومن حكمة الله ﷻ في إخفاء بيان موعد الليلة التي تكون فيها ليلة القدر؛ رحمةً بعباده؛ لِيَكثر عملهم في طلبِها بالصلاة والذِّكر والدعاء، فيزدادوا قُربةً إلى الله وثوابًا، وأخفاها اختبارًا لهم أيضًا؛ ليتبيَّن بذلك من كان جادًّا في طلبها، حريصًا عليها، ممن يتكاسل عنها.

فينبغي على المسلم أن يحرص على الإكثار من الأعمال الصالحة من قراءة للقرآن الكريم، والذكر، والتسبيح، والصدقة في هذه الليالي المباركة، مقتدياً بهدي نبينا ﷺ الذي كان يجتهد في هذه الليالي ما لا يجتهد في غيرها.

كما أن هذه الأيام المباركة هي فرصة عظيمة للتوبة الصادقة إلى الله ﷻ ومغفرة ما تقدم من الذنوب، وغنيمة لمن أراد خير الدنيا والآخرة، وخير دعاء علمنا إياه الرسول ﷺ ما ثبت عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قلتُ: يا رسول الله، أرأيت إن عَلِمت أيُّ ليلةٍ القدر، ما أقول فيها؟ قال: قولي: «اللهم إنَّك عفوٌّ تحبُّ العفو، فاعف عنِّي» سنن الترمذي.

ومن تدبر معنى العفو علم فضل هذا الدعاء، فمن عفا الله عنه سعد في الدنيا والآخرة، ومن معاني العفو محو الذنب والتجاوز عنه وترك العقوبة.

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:102].

عباد الله: اعلموا أن من العبادات التي أوجبها الله على المسلمين في هذا الشهر المبارك زكاة الفطر فقد شرعها الله ﷻ طهرة للعبد من أدران الشح، وتطهيرًا للصائم مما قد يؤثر فيه، وينقص ثوابه من اللغو والرفث، ومواساة للفقراء والمساكين، وإظهارًا لشكر نعمة الله ﷻ على العبد بإتمام صيام شهر رمضان وقيامه، وفعل ما تيسر من الأعمال الصالحة فيه فقد روى عن ابن عباس رضي الله عنه قال: «فرض رسول الله ﷺ زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين» سنن أبي داود.

وتجب زكاة الفطر على كل مسلم ذكرًا كان أو أنثى صغيرا كان أو كبيرا إذا أدرك غروب شمس ليلة العيد، وملك مقداراً زائدًا عن حاجته وحاجة أهل بيته في يوم العيد وليلته.

ومقدارها صاع من القوت، فقد روى ابن عمر رضي الله عنه قال: «فرض رسول الله ﷺ زكاة الفطر صاعًا من تمر، أو صاعًا من شعير، على العبد والحر والذكر، والأنثى، والصغير والكبير، من المسلمين، وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة» متفق عليه.

ويصح إخراج زكاة الفطر ابتداءً من أول أيام شهر رمضان وحتى غروب شمس يوم العيد، ويسن إخراجها قبل صلاة العيد حتى يتمكن الفقير من الاستفادة منها لقول النبي ﷺ: «أغنوهم في هذا اليوم» سنن الدارقطني.

وأما من عجز عن الصوم في شهر رمضان المبارك بسبب عذر حلّ به فليبادر بقضاء ما فاته من الصيام بعد شهر رمضان، وإن عجز عن القضاء بسبب مرض أو عذر مزمن لا يستطيع معه القضاء فيجب عليه إخراج فدية الصيام، مداً من الطعام عن كل يوم أفطره، لقوله ﷻ: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ﴾ البقرة: 184، وقد قدرتها دائرة الإفتاء العام بدينار واحد عن كل يوم أفطره من رمضان وعجز عن قضائه بعد شهر رمضان المبارك.

والحمد لله رب العالمين..

خطب عن ليلة القدر وزكاة الفِطر

وفي مكتبتنا المزيد من الخُطب؛ فأكمِل لتجِد بعض المقترحات منها:

ونسأل الله ﷻ –الكريم المُتعال– لنا ولكم التوفيق والسَّداد.

أضف تعليق

error: