خطبة عن فضل إفشاء السلام مكتوبة ومشتملة على أجمل قصص ومواقف معبرة ومؤثرة

ومُجددًا إخواني معكم في ملتقى الخطباء بموقع المزيد؛ مع خطبة عن فضل إفشاء السلام في الإسلام. هذه الخطبة مكتوبة ومُنقَّحة ومشكولة بالقدر الذي يتطلَّبه الأمر. ومُعزَّزة بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية والمواقف من السيرة النبوية من رسول الله ﷺ وما جاء من الصحابة وفي الأثر.

أطلِق عليها: خطبة عن الإسلام دين السلام أو عن فضل إفشاء السلام؛ فكلها تَعَابِيرُ صحيح -بمشيئة الله- ستجد فحواها في تلك الخطبة العظيمة.

مقدمة الخطبة

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جَلّ عن الشبيه والمثيل والند والنظير.

وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله الطيبين وأصحابه الغر الميامين ما اتصلت عين بنظر ووعت أذن بخبر وسلم تسليما كثيرا.

الخطبة الأولى

أما بعد، أيها الإخوة الكرام، قال عبد الله بن سلام رضي الله تعالى عنه (لما دخل النبي -صلى الله عليه وسلم- المدينة مهاجرا إليها انجفل الناس إليه وجعلوا يقولون قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قدم رسول الله صلى وسلم) يكررون ذلك فرحًا وابتهاجا؛ قال (فجئت في الناس، لأنظر) وكان عبد الله بن سلام رضي الله تعالى عنه في ذلك الحين رهبانًا من كبار رهابين اليهود، فهو لم يسلم بعد؛ فأقبل لينظر إلى هذا الرجل الذي يقول الناس إنه نبي، والذي جاءت صفاته في كتبهم، قال (فلما تبينت وجهه، عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب، فكان أول شيء سمعته تكلم به، أن قال: يا أيها الناس أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل، والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام).

هذه -أيها المسلمون- أول وصايا النبي صلى الله عليه في أول دخوله إلى المدينة، بإطعام الطعام وإفشاء السلام والحِرص على الصلاة في الليل -على صلاة الوتر- قال: تدخل الجنة بسلام.

إن إفشاء السلام هو شعيرة من شعائر الإسلام، وأول ما خلق الله تعالى آدم -عليه السلام- قال له -جل وعلا-: اذهب وسلم على أولئك النفر من الملائكة فإنها تحيتك وتحية أمتك من بعدك. فمضى آدم -عليه السلام- وقال لأولئك الملائكة: السلام عليكم؛ فقالوا له: وعليك السلام ورحمة الله؛ فزادوه -ورحمة الله-.

فهو تحية الأمة في الدنيا، والسلام هو تحية المؤمنين في يوم القيامة. قال الله تعالى (تحيتهم يوم يلقونه سلام)؛ وقال -جل وعلا- (والملائكة يدخلون عليهم من كل باب | سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار)

وأهل الجنة يسلم بعضهم على بعض (لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما إلا قيلا سلاما سلاما). لا يسمع المؤمن إلا التحية من يمينه وشماله.

ولقد بين النبي عليه الصلاة والسلام أن من أسباب دخول الجنة إفشاء السلام، قال ﷺ (لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم).

إذا فعله الداخل إلى الدكان أحبه البائع، وإذا فعله الداخل على زملائه في المكتب أحبوه، وإذا فعله الماشي على الجالس أحبه، وإذا فعله الأب عندما يدخل على أولاده أحبوه؛ يقذف الله محبتك في قلوب الناس وتطيب النفس للنفس.

وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يبين أن السلام هو شعار المسلمين؛ قال عليه الصلاة والسلام (ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم على السلام والتأمين) يعني قول آمين في الصلاة، وإفشاء السلام بينكم.

ولذلك صار السلام أيها الإخوة الكرام هو تحية المسلمين، تدخل على المسلم أيا كان شكله وأيا كان أصله وأيا كانت لغته فتجد أنه يدرك (السلام عليكم)، ويقول لك (وعليكم السلام). بينما لو دخل صينيٌ علي على إيطالي أو إنجليزي دخل على من يتكلم لغة أخرى وألقى بتحيته لما رأيته يفهم؛ لكن الله تعالى جعل السلام شعارًا لكل الأُمة باختلاف لغاتها.

فإذا سلمت عليه في أي موطن قال وعليكم السلام، يفهم ذلك من اللغة العربية؛ وقد لا يتفهم غيره أبدا.

وبين النبي -صلى الله عليه وسلم- أن إفشاء السلام من خير الأعمال؛ أقبل رجل إلى النبي عليه الصلاة والسلام قال يا رسول الله: أي الإسلام خير؟ ما هو أفضل الأعمال أعملها في الإسلام؟ فقال عليه الصلاة والسلام (تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف).

إذا مررت في السوق قل السلام عليكم، سواء كنت تعرف هذا الذي مررت عليه أو لا تعرفه.

وكان النبي صلوات ربي وسلامه عليه يوثي أن ينشر السلام في كل مكان حتى إذا دخل المرء على أهله أيها الكرام؛ إذا دخلت على أهلك فارفع صوتك بالسلام. قال عليه الصلاة لأنس بن مالك رضي الله تعالى عنه -ولم يدرك النبي -صلى الله عليه وسلم- أنسًا وهو كبير في السن وإنما أدركه في صِغرِه- فقال عليه الصلاة والسلام لأنس وهو صغير (يا بني إذا دخلت على أهلك فسلم يكن بركة عليك وعلى أهل بيتك).

فإذا دخلت أيها المسلم بيتك، من أول ما تدخل من الباب، قُل السلام عليكم؛ فإذا لم تسمع ردًا فأعِد: السلام عليكم؛ حتى يرد عليك ولد أو بنت أو زوجة، حتى تسمع ردًا يكن بركة عليك؛ وإذا نزلت البركة عليك وعلى أهل بيتك فقط أصابكم خيرٌ كثير.

إحرص إذا دخلت بيتك من أول ما تفتح الباب عليهم ارفع صوتك: السلام عليكم؛ يكُن بركة عليك وعلى أهل بيتك.

والسلام سهلٌ، وأبخل الناس من بخل به مع سهولته. قال عليه الصلاة والسلام (أبخل الناس من بخل بالسلام وأعجز الناس من عجز عن الدعاء).

الذي يدخل، يمر بك، يركب معك بسيارتك، حتى كلمة السلام عليكم لا تسمعها منه؛ هذا بخيل.

ولذلك؛ فالسلام هو حق للمسلمين عليك. إذا ركبت معه في سيارة فمن حقه عليك أن تبدأه بالتحية؛ إذا دخلت بيتك من حقهم عليك أن تسلم عليهم.

قال عليه الصلاة والسلام (حق المسلم على المسلم ست: إذا لقيته فسلم عليه.. الحديث).

والسلام أيها الإخوة الكرام سبيل للتقرب إلى الله تعالى. قال عليه الصلاة والسلام (إن أولى الناس بالله من بدأهم بالسلام).

فتكون من أقرب الناس إلى الله تعالى؛ فيكشف الله كربه ويرفع مصابه ويعظم أجره؛ من بدأ الناس بالسلام.

وإذا نظرت في الصحابة رضي الله عنهم رأيت أنهم يفشونه في كل موطِن. قال أغر مزينة: أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- رجلا من الأنصار أن يعطيني جريبًا من تمر؛ فماطلني، فاشتكيته إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: -اغد يا أبا بكر فخذ له تمره-، فوعدني أبو بكر المسجد إذا صلينا الصبح، فوجدته حيث وعدني، فانطلقنا فكلما رأى أبا بكر رجل من بعيد سلم عليه، فقال أبو بكر -رضي الله عنه-: أما ترى ما يصيب القوم عليك من الفضل، لا يسبقك إلى السلام أحد، فكنا إذا طلع الرجل من بعيد بادرناه بالسلام قبل أن يسلم علينا.

وقال الطُّفَيل بن أبي بن كعب -وكان شابًا طالِب علم يأتي إلى عبد الله بن عمر يسمع منه الحديث- قال أنه كان يأتي عبد الله بن عمر فيغدو معه إلى السوق قال فإذا غدونا إلى السوق لم يمر عبد الله سقاط ولا صاحب بيعة ولا مسكين ولا أحد إلا سلم عليه ، قال الطفيل فجئت عبد الله بن عمر يوما فاستتبعني إلى السوق ، فقلت له ما تصنع بالسوق وأنت لا تقف على البيع ولا تسأل عن السلع ولا تسوم بها ولا تجلس في مجالس السوق ، قال وأقول أجلس بنا ههنا نتحدث ، فقال لي ابن عمر ، يا أبا بطن -وكان الطفيل ذا بطن- إنما نغدو من أجل السلام نسلم على من لقيناه.

كان يخرج عبد الله بن عمر ليلقي السلام على الناس، حتى ينشر مثل هذه السُّنّة.

آداب وأحكام السلام

والسلام أيها الأخوة الكرام له أحكام؛ فمن أحكام السلام أن له ثلاث صيغ؛ فقد يقول: السلام عليكم، فله بها عشرة حسنات؛ أو يقول: السلام عليكم ورحمة الله، له بها عشرون حسنة؛ أو يقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فله بها ثلاثون حسنة.

وقال الله -تعالى- (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها). فلا يقولك لك: السلام عليكم ورحمة الله، فترد: وعليكم السلام. وإنما إما أن تكون مثله أو أن تكون خير منه في ردك.

ومن أحكام السلام أنه يجوز أن تقول: السلام عليكم، ويجوز أن تقول: سلام عليكم. ولذلك ذكر الله -تعالى- في القرآن (سلام عليكم بما صبرتم)؛ ولكن الأكمل أن يقول: السلام عليكم، لكن لو قال سلام عليكم فلا بأس.

من أحكام السلام أيضًا أنك إذا دخلت على جمْع فيه مسلمون وغير مسلمين؛ كمن يشتغل في مكان فيه عمال -مثلا- غير مسلمين وبعضهم مسلمين؛ أو بعض الطلاب الذين يدرسون في الخارج، فدخلوا القاعة وهي فيها مسلم وغير مسلم فإنه يقول: السلام عليكم.

وكان النبي ﷺ في المدينة يمر بالمجلس فيه مسلمون وكفار ويهود -لأنهم كانوا في بلد واحد، ربما كانوا يبيعون ويشترون- فكان عليه الصلاة والسلام يسلم لأن فيهم كزا وكزا.

ومن أحكام السلام أنك لا تبدأ به غير المسلم، وإنما -غير المسلم- تبدأه بأي تحية؛ تقول له: صباح الخير، مساء الخير، مرحبا، لتبين رِفق لُطف الإسلام. لكن إذا سلَّم عليك غير المسلم فقال لك: السلام عليكم، فقد كان اليهود في عهد النبي عليه الصلاة والسلام يتكلمون العربية بفصاحة، وكانوا إذا مروا بالنبي عليه الصلاة والسلام قالوا: السَّامُ عليكم، يعني الموت عليكم، فيقول عليه الصلاة والسلام: وعليكم. لكن إذا تأكدت اليوم؛ خاصة من يختلط بغير المسلمين من الأعاجم كالطلاب الذين يدرسون في دول أخرى أو بعض من يعمل معك، فهو لن يقول في الغالب: السام عليك، وإنما يقول: السلام عليكم. فإذا تيقنت إنه يقول السلام عليكم، فقل وعليكم السلام؛ لكن إذا علمت أنه قال (السام)، فقل: وعليكم.

كذلك كان النبي عليه الصلاة والسلام -كما عند مسلم- ربما مر بصبيان يلعبون، فقال: السلام عليكم.

ومن أحكام السلام ألا يسلم الشاب على الشابه، ولا الشابة على الشباب. فيمر الشاب بفتاة، فيقول لها: السلام عليكم؛ لا. لكن إذا مر -كما قال مالك- بامرأة مُتَجَالَّة -يعني امرأة كبيرة عجوز- فقال: السلام عليكم يا خالة، السلام عليكم يا أمي.. ونحوه؛ فلا بأس عليه، أما تسليم الشاب على الشابة فنهى عنه أكثر أهل العلم.

كذلك من آداب السلام أيها المسلمون؛ أنه إذا سُلِّم عليك وأنت تصلي فإنك ترد بالإشارة. والإشارة لها ثلاثة أنواع؛ إما أن يرد بيده فيرفع كفه، فيجعل ظهر الكف إلى الأعلى وبطن الكف إلى الأسفل، وإما أن يشير بالكف إشارة عادية ردًا للسلام؛ فيجعل الكف قائما وأصابعه إلى السماء؛ وإما أن يشير بأُصبعه فقط، فهذا أيضًا من رد السلام؛ وقد فعله النبي عليه الصلاة والسلام كله.

أخيرً؛ إذا أتيت إلى الجمعة والإمام يخطب فلا تقل: السلام عليكم، حتى لا يردوا عليك السلام فيكون حديثًا بينك وبينهم.

وإذا دخلت إلى بيتٍ ليس فيه أحد؛ كأن يكون إنسان يسكن وحده، أو أهله مسافرون؛ فقد جاء أنه يقول: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين؛ كما جاء في الأثر عن ابن عمر وعن مجاهد وعن غيرهم.

فقد قال -تعالى- (فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة).

أسأل الله تعالى أن ينفعنا وإياكم بما سمعنا، ويجعلنا ممن يحرصون على إفشاء السلام.

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم من كل ذنب؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشانه.

وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى إخوانه وخِلانه؛ ومن سار على نهجه واقتفى أثره واستن بسنته إلى يوم الدين.

الدعاء

  • اللهم إنا نسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك يا ربنا من الشر كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم.
  • اللهم اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم.
  • اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان. اللهم اكشف عنهم البلاء والضراء والبأساء واجمعهم على الخير والهدى يا عظيم المَنّ يا رب العالمين.
  • اللهم انصر المسلمين في كل أرض من أرضك وأنت أعلم بهم يا ذا الجلال والإكرام.
  • اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.


تفاصيل الخطبة

  • عنوانها: خطبة عن فضل إفشاء السلام | خطبة عن الإسلام دين السلام.
  • أُلقيت: بواسطة الشيخ الدكتور محمد العريفي -جزاه الله خيرًا-.
  • مغزاها: الحديث بشكل مفصل عن فضل إفشاء السلام وما حثَّ عليه ديننا الحنيف في الأمر؛ كما تطرَّقت الخطبة للحديث بشكل مفصل عن آداب وأحكام السلام في الإسلام.

أضف تعليق

error: