خطبة: محاسبة النفس.. ماذا قدمت لدينها ودنياها ووطنها؟ —مكتوبة— كاملة

خطبة الجمعة القادمة مكتوبة , محاسبة النفس ماذا قدمت لدينها ودنياها ووطنها

نلتَقي بكُم إخواني الخطباء الأفاضِل؛ مع خطبة الجمعة القادِمة، والتي أعددناها من أجلكم؛ وهي بعنوان: محاسبة النفس؛ ماذا قدمت لدينها ودنياها ووطنها؟. وكعادتنا، فنحن نقدم لكم الخُطَب مكتوبة، مشكولة الآيات القُرآنية. هذا من أجل أن نوفّر لكم خطبة جاهزة، كاملة، يسيرَة الإلقاء والحِفظ، وعظيمة النَّفع والوعظ والبلاغة في آنٍ واحِد.

مقدمة الخطبة

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلَّا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين…

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾.

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا | يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾.

الخطبة الأولى

أما بعد.. قول الله ﷻ: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ [الحشر]

هذه الآية أصل عظيم في باب محاسبة النفس، وأنَّ الواجب على العبد أن يحاسب نفسه وأن ينظر فيما أعد ليوم غد، قبل أن يحاسبه الله ﷻ يوم القيامة.

فإنَّ من الخير للعبد أن ينظر في أعماله وفيما أعده للقاء ربه ﷻ: هل هي أعمال صالحات وطاعات زاكيات وبعد عن المحرمات والمنكرات فيسرُّه أن يلقى ربه ﷻ بذلك؟! أم هي أمور تسخط الله وتُغضبه وتُحِلُّ على فاعلها العقوبة؟!

فينظر ما الذي أعده ليوم غد، ويكون ذاكرًا ذلك اليوم، وذاكرا الوقوف بين يدي الله، وذاكرا الحساب وعرض الأعمال، وأنَّ كلَّ ما عمله يأتي حاضرًا مكتوبًا مسطورًا في کتاب لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَنَهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾ [سورة الكهف].

يوم القيامة يقول الرب ﷻ: ﴿يا عبادي إنَّما هي أعمالكم أحصيها لكم، ثم أوفيكم إيَّاها فمن وجد خيرًا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومنَّ إلا نفسه». أليس الجدير بالعبد أن تكون المحاسبة الآن؟!، أليس من الجدير أن يكون هذا في وقت العمل؟! فإن وجد خيرا حمد الله على ما يسره عليه، وإن وجد غير ذلك فليصلح نفسه، أما يوم القيامة فإن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه؛ لأنه ليس هناك مجال ليتوب ولا لينيب ولا ليعود مرة ثانية لهذه الحياة ليعمل صالحًا غير الذي كان يعمل. وفي هذا المعنى يقول الخليفة الراشد عمر بن الخطاب —رضي الله عنه— حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزن، وتزينوا ليوم العرض على الله ﴿يَوْمَيذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنكُر خَافِية﴾ [سورة الحاقة].

ومحاسبة النفس كما بين العلماء على قسمين:

  • محاسبة بعد العمل.
  • ومحاسبة قبل العمل.

النوع الأول: أما المحاسبة التي بعد العمل فهي أن ينظر العبد إلى الذي مضى من أعماله، والذي تقدم من أفعاله، والذي سيحاسبه عنه ربه ﷻ، ينظر في أعماله الماضية في حياته:

  • هل هي على الطاعة والسداد.
  • أم هي على العصيان والانحراف.
  • أو أنه مخلط بين ذلك.

فينظر في الفائت من الأعمال، وكلُّ ما مضي يحاسب عليه العبد يوم القيامة، كلُّ ما قدم يحاسب عليه العبد يوم القيامة.

لكن في شريعة الإسلام من الله علينا بباب عظيم مبارك ألا وهو باب التّوبة، وأخبرنا نبينا ﷺ أنَّ التَّوبة تهدم ما كان قبلها، وأخبر ﷺ أنَّ الندم توبة، فينظر في أعماله الفائتة: إن كانت زاكية صالحة مستقيمة على طاعة الله، فليحمد الله. وإن كان فيها، عصيان ومخالفات، وتفريط في حق الله ﷻ فليتب ﴿وقُلْ يَعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [سورة الزمر]، ﴿لَا تَقْنَطُوا﴾ أي لا تيأسوا.

أقول قولي ذا، وأستغفر الله الحليم الكريم، لي ولكُـم.

وهذه أيضًا: خطبة عن محاسبة النفس وثمراتها

الخطبة الثانية

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.

وبعْد؛ فيا عبارد الله؛ إنَّ الله ﷻ يقبل التوبة مهما بلغ الإثم وعظم الجرم، فهو يتوب على التائبين، فتوبة صادقة إلى الله ﷻ. وتوبة نصوح من كل ذنب خير من أن يلقى العبد الله ﷻ بذنوبه الجسام ومعاصيه العظام.

ونعود؛ ونُلقي نظرة على النوع الثاني: وهو المحاسبة قبل العمل، وهو النظر في الأعمال التي سيقوم بها؛ فلا يخطو خطوة ولا يسير طريقا إلا متفقها في طريقته، كما قال بعض السلف: من فقه الرَّجُل مأكله ومشربه وممشاه. أن يتفقه فيما يخطو إليه وما يُقدم عليه من عمل، هل هو مشروع، مأذون به؟ هل هو حرام؟ لا يصاحب من شاء، لا يقبل من شاء، لا يعمل ما شاء وإنَّما كل ذلك يزنه بميزان الشرع، فيحاسب نفسه على العمل قبل أن يفعله لتكون أعماله موزونة بميزان شرع الله ﷻ ليكون فيها موافقا لرسول الله صلوات الله وسلامه عليه.

فهل حاسبت نفسك أخي؛ ونظرت؛ ماذا قدَّمت لدينها ودنياها ووطنها؟

وأسأل الله الكريم رب العرش العظيم بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يُصلح لنا جميعًا شأننا كله، وأن لا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين.

اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها.

والله أعلم، وصلَّى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

وبعد؛ فكانت هذه يا إخواني؛ خطبة الجمعة القادمة، مكتوبة، بعنوان: محاسبة النفس.. ماذا قدمت لدينها ودنياها ووطنها؟. نسأل الله الكبير العظيم ﷻ أن يتقبَّل مِنا صالح الأعمال، وأن يوفّقنا لكل خير.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error:
Scroll to Top