خطبة عن الحج مكتوبة «قصيرة وجيزة»

تمت الكتابة بواسطة:

هناك أوقات لا صوت يعلو فوق صوت موضوعها، ومنها موسم الحج. وهنا -نحن نُدرِك ذلك جيدًا- نوفر لكم خطبة عن الحج مكتوبة؛ راعينا أن تكون قصيرة، وجيزة، مُختصرَة؛ وذلك تفهُّمًا لنقاطٍ عِدَّة خلال هذه الفترة، ومنها الوقت المتاح للخطيب لإلقاء خطبته.

مقدمة الخطبة

الحمد لله الذي فرض على عباده حج بيته الحرام تعظيما له وتبجيلا، وجعل فرضه على من استطاع إليه سبيلا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، فاز من ذكره ذكرا كثيرا وسبحه بكرة وأصيلا، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، خير من اعتمر وحج البيت، والأسوة الحسنة فعلا وقيلا، ﷺ، وعلى آله وصحبه وأتباعه المؤمنين بالله المتوكلين عليه ﴿وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً﴾.

أما بعد، فاعلموا أن ربكم يعلم الجهر والنجوى ﴿وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى﴾.

الخطبة الأولى

أيها المؤمنون؛ إن العبودية لله غاية الخضوع لله، فيتلقى المؤمن ما أمر الله ونفسه في غاية الاطمئنان، وينتهي عما نهاه الله مستقويا بقوة الإيمان؛ فاستجابته لما أمر الله عبودية تامة، وانتهاؤه عما نهاه الله عنه عبودية تامة، وذلك هو المؤمن الحق، تتجلى فيه صفة المؤمنين الصادقين التي ذكرهم الله بها في قوله: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا مُّبِينًا﴾، ومتى كان كيس فطن يعتقد أن اختياره أولى مما قضى الله ورسوله من أمر!

وما لنا – عباد الله – لا نقف وقفة المؤمنين حقا على قول ربنا ﷻ في صفة عباده المصطفين الأخيار: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ | الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ | أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾. ولننظر كيف أن استقامة الباطن كانت سببا في استقامة الظاهر، فمن وجل القلب عند ذكر الله، وزيادة الإيمان إذا تليت عليهم آيات الله، إلى إقام الصلاة والإنفاق مما رزقهم الله، وقد تجاوز نفعهم أنفسهم إلى نفع الناس وقضاء حوائجهم ﴿فَضْلا مِّنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾.

وإن من تمام العبودية لله استجابة المؤمنين والمؤمنات لنداء ربهم الذي أذن به إبراهيم الخليل عليه السلام؛ فقد أمر الله إبراهيم عليه السلام فقال له: ﴿وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ﴾، فيقصد أهل الإيمان بيت الله الحرام ونفوسهم متشوقة إلى ذلك اللقاء، كما كان موسى عليه السلام ﴿وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً﴾، وكأن الحج مجيء كمجيء موسى عليه السلام إلى الميقات.

بل هو – أهل الإيمان – مجيء إلى مكان طاهر في الميقات المعلوم؛ فيؤدي الإنسان تلك العبادات القولية والفعلية متجردا لله من كل شيء، فقد فارق الأوطان، وترك المال والأهل والأولاد، وقد تقدمه قلبه إلى تلك العرصات الطاهرة، وسافرت روحه قبل أن يسافر؛ شوقا إلى المناجاة في ذلك المكان، قد حمل معه مطلوباته راجيا الإجابة، وتخلص من كل أوزاره طامعا في قبول التوبة والإنابة، والزائر هو المخلوق، والمزور هو الخالق «وحق على المزور أن يكرم زائره»، ولما كان المسؤول هو العظيم كان جزاء الحج المبرور عظيما، ومن بشارة النبي ﷺ لحجاج بيت الله الحرام قوله: «والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة».

أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم، وادعوه يستجب لكم، إنه هو البر الكريم.

ولا تفوتكم أيضًا: خطبة جمعة مكتوبة كاملة؛ بعنوان: دروس من الحج

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا نبيه الذي لا نبي بعده، ﷺ، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد، فاتقوا الله -عباد الله- واعلموا أن الحج الذي يكون جزاؤه الجنة هو الحج المبرور، والحج المبرور هو الذي يكون على الصفة التي أخبر عنها ربنا جل جلاله، فاسمعوا قول ربكم وعوا: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ﴾، والرفث ترك الباطل من القول من كذب، وزور وغيبة ونميمة وقذف وبهتان، وتخليص النفس من آفات اللسان، مستشعرا المؤمن قول ربه: ﴿مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾، وانظروا في وصف ذلك الرقيب بالعتيد؛ فإن العتيد هو الحاضر الذي لا يغفل عمن يراقبه طرفة عين، والفسوق كل ما في فعله إثم من العمل، وتلك هي المعاصي التي تورد صاحبها موارد الهلاك إلا أن يتوب «ومن تاب تاب الله عليه».

ولا يقف أثر الحج المبرور بصاحبه عند هذا الحد، بل إن أثره يظهر في سلوك المؤمن؛ فيكون حسن الخلق بعيدا عن الجدال، والجدال الذي نهى الله عنه هو الذي فيه مشاتمة ومغاضبة، والمؤمن أبعد الناس عن السباب، فإذا مسه طائف من الشيطان تذكر فإذا هو مبصر، وترك هذه الخصال الذميمة له أكبر أثر على صلاح القلب وغسله بماء التقوى، بل تلك هي التقوى؛ ولذلك قال الله جل جلاله: ﴿وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الأَلْبَابِ﴾، ومن حج هذا الحج على هذه الحال الحسنة رجي له أن يفوز ببشارة النبي ﷺ في قوله: «من أتى هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كما ولدته أمه».

هذا، وصلوا وسلموا على رسول الله الأمين، فقد أمركم ربكم بذلك حين قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.

شاهِد أيضًا إمامنا الفاضِل: ولذكر الله أكبر.. خطبة عن أفضل الأعمال في عشر ذي الحجة


التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: