خطبة: عناية الإسلام بالوقت – مكتوبة

خطبة: عناية الإسلام بالوقت – مكتوبة

عناصر الخطبة

  • الوقت من نعم الله العظيمة وآلائه الجزيلة على الناس ففيه أداء العبادات والطاعات في الليل والنهار.
  • الوقت هو الزمن الذي يؤدي فيه العبد الأعمال الصالحة التي تنفعه في الدنيا والآخرة فيكون مع الفائزين.
  • لأهمية الوقت أقسم الله بالعصر وهو الزمن الممتد واستثنى الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر من جنس الإنسان الذي في خسر.
  • الوقت في حياة المسلم يبدأ من التكليف فإذا ضيع وقته ضاع الوقت منه حتى الممات.
  • الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك فأكثر فيه من العمل النافع لنفسك وأهلك ومجتمعك والناس أجمعين قبل الفوت الذي يأتي بعده الموت.
  • العفو عن أخيك الذي ظلمك في الوقت الذي تعيشه ينفعك في الدارين وتنال جزاءه في الجنة إن شاء الله ﷻ.

الخطبة الأولى

عباد الله، اعلموا أنّ تعاقب اللّيل والنهار من نعم الله العظيمة وآلائه الجزيلة، إنها نعمة يغفل عنها كثير من الناس، فهي سبب في حصول الوقت الذي نملؤه بما يرضي الله ﷻ، ولا يتنبّه لهذه النعمة إلا من وفقه الله ﷻ من أهل اليقظة والعمل والجدّ، فهم الذين يسعون في ملء أوقاتهم بالسّعي في الخيرات، واستثمارها في الصالحات، قال الله ﷻ: ﴿وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ القصص:73.

بل إنّ الله ﷻ امتنّ على عباده بهذه النعمة في القرآن الكريم وجعلها آية من آياته، قال الله ﷻ: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ، قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾ القصص: 71-72.

ولو تفكّر المتفكّرون في عظم هذه النّعمة ما أحصوها، فالوقت أساس كل عمل وفكر، وهو الذي يعدّ به عمر الإنسان، وأنفس النفائس التي يمتلكها الإنسان، وهو العنصر الثمين الذي تظهر فيه أعمال العباد، فيعبرون فيه عن أخلاقهم وعقولهم،  فأحسن ما يفعله الإنسان أن يشغل وقته بنفائس الأعمال، وأقرب القربات، في عبادة الله ﷻ بمعناها الواسع، في سجوده وركوعه وتلاوته وخدمة مجتمعه ووظيفته ومساعدة الكبار ورحمة الصغار والسعي في حاجة المحتاجين وطلب العلم وتعليمه، طالباً في كل لحظة رضا الله ﷻ.

إنّ الوقت يأخذ قيمته الحقيقية بما يشغله به العبد، فإن كان الوقت مملوءاً بالعمل النافع والمثابرة على المقاصد السامية والتعاون على البر والتقوى فأنعم به من وقت، وأما إن كان ضائعاً هباءً أو يقضيه في المعاصي وما لا يرضي الله ﷻ فبئس الوقت، وقد قال العلماء: إن الأدب مراعاة الوقت، أي القيام بحقه وما أوجبه الله ﷻ فيه، فما أحسن أن يستفيد الإنسان من كل لحظة من حياته، وقد صدق الشاعر حينما قال:

دَقَّاتُ قلبِ المرءِ قائلة له
إنَّ الحياة دقائقٌ وثواني

فاصنع لنفسك بعدَ موتكَ ذكرها
فالذكرُ للإنسان عُمرٌ ثاني

عباد الله: إنّ حقيقة الحياة هي مرور الساعات والأيام الليالي من عمر الإنسان، فتنقضي بذلك السنوات الطوال، ولا يبقى للإنسان إلا ما قدمه، إن خيراً فخير، وإن شراً فشرّ، فعلى المؤمن أن يكون حريصاً على استغلال أوقاته في طاعة الله ﷻ، وأن يعلم أن هذه الحياة إنما هي أيام معدودة، وآجال مضروبة، وان مردّنا إلى الله ﷻ، جَاءَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «يَا مُحَمَّدُ، عِشْ مَا شِئْتَ فَإِنَّكَ مَيِّتٌ، وَأَحْبِبْ مَنْ أَحْبَبْتَ فَإِنَّكَ مَفَارِقُهُ، وَاعْمَلْ مَا شِئْتَ فَإِنَّكَ مَجْزِيٌّ بِهِ» ثُمَّ قَالَ: «يَا مُحَمَّدُ شَرَفُ الْمُؤْمِنِ قِيَامُ اللَّيْلِ وَعِزُّهُ اسْتِغْنَاؤُهُ عَنِ النَّاسِ» المستدرك على الصحيحين، وكان الحسن البصري يقول: “يا ابن آدم إنما أنت أيام، فإذا ذهب يوم ذهب بعضك”.

وقد ذكر الله ﷻ الوقت بأنواعه وأقسامه في القرآن الكريم، إشارة إلى أهمية الوقت وتنبيهاً لعباده أن يستثمروه أحسن استثمار، فقد ذكر الله ﷻ السَّحر والغداة والعشي والإبكار، وأقسم في آيات أخرى ببعض أجزاء اليوم وأوقاته، بل أفرد لبعض تلك الأوقات سوراً خاصة كما في سورة الليل والضحى والعصر.

ولعظيم مكانة الوقت وأهميته؛ جاءت بعض العبادات محددة بحسب الأوقات، فالصلاة من شروط صحتها دخول الوقت، والحج له وقته المعلوم في كل عام، والصوم كذلك، والزكاة مرتبطة بالوقت، وكذا زكاة الفطر، ولو تأمل المسلم لوجد أنه ربما لا يمرّ عليه وقت من الأوقات إلا ولله ﷻ فيه حق، فرضاً كان أو نفلاً.

ولهذا كان سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول: “ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه، نقص فيه أجلي، ولم يزد فيه عملي”.

وكان الخليفة الصالح عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه يقول: “إن الليل والنهار يعملان فيك، فاعمل فيهما” قيمة الزمن عند العلماء.

وفي هذا قال التابعي الجليل الحسن البصري: “ابن آدم إنك بين مطيتين يوضعانك، الليل إلى النهار، والنهار إلى الليل، حتى يسلمانك إلى الآخرة، فمن أعظم منك يا ابن آدم خطراً” قيمة الزمن عند العلماء.

فمن عرف هذه الحقيقة كان ضنيناً بوقته حريصاً عليه، وهكذا كان شأن صحابة النبي ﷺ، وكذلك التابعون ومن تبعهم بإحسان، فقد نُقل عن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان يكره أن يرى الرجل سبهللاً لا في أمر الدنيا ولا في أمر الآخرة.

وقال الحسن البصري: “أدركت أقواماً كانوا على أوقاتهم أشد منكم حرصاَ على دراهمكم ودنانيركم” قيمة الزمن عند العلماء.

عباد الله: إن الأوقات نعمة عظيمة من الله ﷻ لا يعلم قدرها إلا الموفقون، وقد نبهنا رسول الله ﷺ إلى اغتنامها فقال: «نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصحة والفراغ» صحيح البخاري.

الوقت أعظم ما عنيت بحفظه
وأراه أهون ما عليك يضيع

قال ابن عقيل : “إني لا يحل لي أن أضيّع ساعة من عمري، حتى إذا تعطل لساني عن مذاكرة ومناظرة، وبصري عن مطالعة، أعملت فكري في حال راحتي وأنا على الفراش، فلا أنهض إلا وخطر لي ما أسطره.. وإن أجلّ تحصيل عند العقلاء – بإجماع العلماء – هو الوقت، فهو غنيمة تنتهز فيها الفرص، فالتكاليف كثيرة، والأوقات خاطفة”.

فمن عرف نعمة الوقت واغتنمها، عاد ذلك عليه بالثواب الجزيل، وربما بقي أجره سارياً جارياً بعد موته، قال رسول الله ﷺ: «إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ» صحيح مسلم.

والحق أن الوقت وهو من رحمة الله ﷻ على عباده فينبغي عليهم أن يكثروا من العفو والصفح في الدنيا قبل الممات قال ﷻ: (وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم) سورة النور:22. فهذه الآية رسالة لنا أن نكثر من العفو في الدنيا لأنه من شيم الأقوياء وصفات المتقين والله ﷻ هو الغفور الرحيم.

⬛️ وهنا: خطبة عن الوقت هو الحياة

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) آل عمران:102.

فاتقوا الله عباد الله، فإنّ التقوى شعار المؤمنين ودثار المتقين، واعلموا أنكم محاسبون على أوقاتكم وأعماركم كيف تقضونها لقول رسول الله ﷺ: «لاَ تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلاَهُ»، فليحرص المسلم على وقته، وليستزد فيما بقي من عمره، فإن من تساوي يوماه فهو مغبون.

ولنحرص على إيماننا وأخلاقنا وأعمالنا الصالحة، ولنتجنب في أوقاتنا كلها ما نهى الله عنه، فإنّ الله أقسم بالعصر أن الإنسان الذي لا يلتزم بأمر الله ﷻ إنما هو في خسارة، وأنه لا يفلح إلا من زكا نفسه، وقدم في يومه لغده، قال الله ﷻ: ﴿وَالْعَصْر، إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ سورة العصر.

أضف تعليق

error: