خطبة: صوتك أمانة —مكتوبة— قوية ورائِعة

تمت الكتابة بواسطة:

خطبة: صوتك أمانة —مكتوبة— قوية ورائِعة

وهنا نلتقي مجددًا مع الأكارم الخطباء، لنوفر لهم خطبة قوية ورائِعة؛ بعنوان: صوتك أمانة. يُمكن الاستعانة بها وإلقاءها في أيام الانتخابات والاقتراع؛ حتى —أعتقد— أنه يُمكن أن تُختار في كل عمليات الانتخابات؛ سواء كانت انتخابات الرئاسة أو المجالس البلدية أو مجلس الشعب أو الشورى، وغيرها.

مقدمة الخطبة

الحمد لله الذي جعل في دينه التيسير، وأودع في أحكامه لعباده الخير الوفير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الواحد الأحد وهو العلي الكبير، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، البشير النذير، والسراج المنير، ﷺ، وعلى آله وصحبه وأتباعه ذوي المكارم والسجايا الحسان إلى يوم المصير.

أما بعد، فاتقوا الله —عباد الله—، ﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبَرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللَّه﴾.

الخطبة الأولى

أيها المؤمنون: إن هذا الدين الحنيف الذي أكمله الله وأتم به النعمة جاء لمصلحة هذا الإنسان؛ فالدين حيث تكون المصلحة، وحيث ينعدم الضرر أو يقل، ومن امتنان الله على العباد قوله: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا﴾، وإذا كانت العبادات لتحقيق اليسر ودفع العسر فكيف بالمعاملات — عباد الله —، فلا شك أن مراد الله في المعاملات حيث يكون التيسير ويندفع العسر، وما كان أحرانا أن نتدبر قول الله ﷻ: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾، وفي قول الله: ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾، من الطمأنينة ما يجعل الإنسان في أمل دائم وعمل دؤوب.

وإن من فضل الله — أيها المؤمنون — أن العسر دائما ما يكون محصورا بين يسرين، وفي الأثر عن رسول الله ﷺ: «لن يغلب عسر يسرين»، ولقد ضرب لنا النبي ﷺ مثلا عظيما في التعامل مع يسير من الأمور وأيسر منه؛ فإنه ﷺ ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما، وكان اختيار الأيسر ووضع الإصر والأغلال عن الناس من صفاته ﷺ التي وصفه الله بها في القرآن وفي الكتب التي قبله تبشيرا به، يقول الحق ﷻ في صفته: ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ﴾.

وأين الفلاح في الدنيا والآخرة — عباد الله —؟ إنه في العمل بمنهاجه الكريم المتمثل في الصفات التي ذكره الله بها؛ ولذلك قال الله بعد ذكره تلك الصفات العظيمة: ﴿فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾، وإن من تلك الشؤون التي تدخل في المصلحة التي جاءت بها الشريعة الغراء هذه المجالس البلدية التي ينتخب لها ممثلون عن الأمة، يلون مصالحها، ويقومون بشؤونها، فلا يمكن أن يستشار كل فرد من الأمة؛ ولذلك جرت الأحكام على اختيار ممثلين ينوبون عمن في جهتهم، ومثل ذلك كان على عهد موسى عليه السلام، فلما تعذر أن يكلم كل فرد من أتباعه في شؤونهم جعل الله منهم اثني عشر ممثلا لهم عند نبيهم موسى، وفي هذا الشأن يقول ربنا ﷻ: ﴿وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا﴾، وهذا أمر لا يمكن أن تخلو منه أمة من الأمم؛ لأن المصلحة متحققة به.

ولذلك كانت مثل هذه الحال على عهد رسول الله ﷺ؛ فإن “النبي ﷺ خاطب الأنصار أن يخرجوا منهم اثني عشر نقيبا يكونون على قومهم، فكان النقباء تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس”. وشأن اتخاذ عرفاء على عهده ﷺ لا يخرج عن هذه المصلحة أيضا، فقد استأذن النبي ﷺ الناس في أمر ما، فتكلم الناس، ولم يعرف النبي ﷺ من أذن منهم ممن لم يأذن، فقال لهم: «إني لا أدري من أذن منكم ممن لم يأذن، فارجعوا حتى يرفع إلينا عرفاؤكم أمركم، فرجع الناس فكلمهم عرفاؤهم، فرجعوا إلى رسول الله ﷺ فأخبروه أن الناس قد طيبوا وأذنوا».

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم، وادعوه يستجب لكم إنه هو البر الكريم.

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، ﷺ وعلى آله وصحبه وأتباعه المؤمنين الصادقين.

أما بعد، فاتقوا الله —عباد الله—، ولنعلم أن هناك صفات لمن يرشح نفسه لتمثيل الناس، فالمسألة ليست مسألة وجاهة ومنفعة شخصية، بل إنها مصلحة أمة ورعاية حقوق الناس، ولما كان الصحابي الجليل أبو ذر — رضي الله عنه — لا يقوى على حمل مثل هذه الأمانة نهاه النبي عن حملها، ويروي أبو ذر نفسه هذه الحادثة فيقول: قلت يا رسول الله ألا تستعملني؟ قال: فضرب بيده على منكبي ثم قال: «يا أبا ذر: إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها، وأدى الذي عليه فيها».

وقد ذكر لنا القرآن قصتين فيهما ذكر صفتين لمن يرشح نفسه لتحمل مثل هذه الأمانات، ففي قصة يوسف عليه السلام ﴿قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ﴾، فالحفيظ الأمين، والعليم من عنده من المعرفة والمهارات ما يقوى معه على حمل تلك الأمانة، وفي قصة موسى عليه السلام ﴿يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ﴾، والأمين هو الحفيظ، والقوي هو العليم. وليعلم المنتخب أنه مطالب ومؤتمن في اختيار من يجد فيه هاتين الصفتين، وأن صوته أمانة، فمن اختار غير الكفء ضيع الأمانة، ومن لم ينتخب أصلا من يكون كفئا ضيع الأمانة وفوت على الأمة المصلحة ﴿وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾.

هذا، وصلوا وسلموا على رسول الله الأمين، فقد أمركم ربكم بذلك حين قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.

اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آل نبينا محمد، كما صليت وسلمت على نبينا إبراهيم وعلى آل نبينا إبراهيم، وبارك على نبينا محمد وعلى آل نبينا محمد، كما باركت على نبينا إبراهيم وعلى آل نبينا إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن أزواجه أمهات المؤمنين، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعن المؤمنين والمؤمنات، وعن جمعنا هذا برحمتك يا أرحم الراحمين.


التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: