خطبة الجمعة حول الإسراء والمعراج وثمراتها الإيمانية

تمت الكتابة بواسطة:

خطبة الجمعة حول الإسراء والمعراج وثمراتها الإيمانية

ونستمر في الأطروحات المُميَّزة والمُتميزة؛ وهنا، والآن نُقدم لكم خطبة الجمعة حول الإسراء والمعراج وثمراتها الإيمانية. والتي نُجدد من خلالها تسليط الضَّوء عن كثب على هذه الحادثة العظيمة في تاريخنا الإسلامي الكبير.

عناصر الخطبة

  • الإسراء والمعراج معجزه عظيمه وصفحه مشرقه من صفحات تاريخنا الإسلامي المشرق.
  • رحله النبي ﷺ من المسجد الحرام بمكة المكرمة إلى المسجد الأقصى المبارك بالقدس الشريف ربطت بين المسجدين ربطا محكما لا ينفك أبدا.
  • معراج النبي ﷺ من المسجد الأقصى المبارك الى سدرة المنتهى في السماء السابعة بعد إمامته بالأنبياء عليهم السلام دليل وبرهان على أن ارتباط المسلمين بالمسجد الأقصى ارتباطاً عقائدياً.
  • الاحتفال بذكرى الإسراء والمعراج يذكر المسلمين بمقدساتهم وأنها شرف عظيم للأمة الإسلامية.

الخطبة الأولى

الحمد لله..

تمرُّ في حياة الأمم والشعوب أحداثٌ ومعالم تتذكرها الأمة وتستلهم منها العبر والدروس، لتشحذ همم أفرادها للعناية بمعالي الأمور والتحلي بمحاسن الأخلاق.

وفي تاريخنا الإسلامي العظيم كثير من الأيام الخالدة والذكريات العطرة التي ينبغي للمسلم الوقوف عندها طلباً للعبرة وشحذاً للهمة، ورقياً بالنفس المسلمة لتكون أهلاً لحمل المسؤولية التي أناطها الله ﷻ بها، ولكي يكون المسلم قوياً عزيزاً، وقد حذرنا النبي ﷺ من الضعف والهوان، فقال ﷺ: «يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها»، فقال قائل: ومِن قلةٍ نحن يومئذ؟ قال: «بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعنّ الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفنّ في قلوبكم الوهن»، فقال قائل: يا رسول الله وما الوهن؟ قال: «حبّ الدنيا، وكراهية الموت» — رواه أبو داود وأحمد.

ونحن اليوم نتفيأ ظلال معجزة خالدة خصّ الله ﷻ بها نبيه محمداً ﷺ، وهي ذكرى الإسراء والمعراج، قال الله ﷻ: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ سورة الإسراء: 1.

لقد جاءت هذه المعجزة العظيمة في وقت عصيب تكالب فيه القريب والبعيد على رسول الله ﷺ، وبعد أن فقد ﷺ عمه أبا طالب الذي كان يدافع عنه ويوفر له الحماية لتبليغ دعوته، وزوجته خديجة –رضي الله عنها– التي كانت له سنداً ومؤنساً.

فكانت هذه المعجزة بمثابة الهدية الإلهية والمنحة الربانية لنبينا ﷺ، خاصة بعد وفاة عمه أبي طالب وزوجه خديجة –رضي الله عنها–، وبعد الذي لاقاه من أذى في الطائف يوم أن خرج من مكة وهو يحمل الأمل في أن يلاقي بالطائف نصرة أو تأييدا لعله يجد من يسمعه، أو من يخفف عنه، فسار ﷺ إلى الطائف، ولم يكن بحسبانه أن تكون معاملتهم أسوء مما عامله به أهل مكة حيث كان هذا اليوم أقسى يوم مر عليه ﷺ.

فقد سألته زوجه عائشة –رضي الله عنها–: “يا رسول الله هل أتى عليك يوم أشد من يوم أحد؟ قال: «لقد لقيت من قومك وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم أستفق إلا بقرن الثعالب فرفعت رأسي، فإذا أنا بسحابة قد أظلتني فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني فقال: إن الله قد سمع قول قومك، وما ردوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، “فناداني ملك الجبال وسلم علي، ثم قال: يا محمد إن الله قد سمع قول قومك لك وأنا ملك الجبال، وقد بعثني ربك لتأمرني بما شئت، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين فقال رسول الله ﷺ: أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئا» — سنن النسائي.

لقد كانت الثقة بالله ﷻ، والإنابة إليه، والتوكّل عليه والرضا بقضائه وقدره من أهم الدروس المستفادة في رحلة الإسراء والمعراج التي تعلمنا أن المنح تأتي بعد المحن، وأنّ النصر متحقق بعد الظلم، وأن مع اليسر يسرا، وأن الله ﷻ لا يخذل عباده المؤمنين، ففي هذه الظروف الصعبة يرفع رسول الله ﷺ يديه إلى السماء ويتوجه إلى الله ﷻ بالدعاء: «اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت ربّ المستضعفين، وأنت ربي، إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني؟ أم إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك، أو يحل علي سخطك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك» — سيرة ابن هشام.

فجاءت معجزة الإسراء والمعراج، استجابة لدعوة النبي ﷺ وتسرية لما في قلبه من الهم والحزَن، ونصرة له من السماء بعد ما قاساه من أهل الأرض، فكان هذه الرحلة المباركة للنبي ﷺ بروحه وجسده الشريفين، مزية وتفضيلاً له على العالمين.

وسعى يجوب الأفق دون مداره
وسواه لو ترك المدار لذابا

بل ذاك أحمد يستجيب لربه
إذ قد دعاه إلى العلا فأجابا

ما زلت ترقى والأمين مصاحبا
يستأذن الحراس والحجابا

بشرى لك القدر الرفيع ومنزل
بين الملائك مكرماً ومهابا

وقد انطلقت رحلة الإسراء والمعراج من أقدس بقاع الأرض، وانتهت بأعلى طبقات السماء، ففي هذه الرحلة المباركة جعل الله تعظيم الأرض المقدسة مرتبطاً بعقيدة المسلمين، فكل مسلم يعلم أن الصلوات الخمس فرضت في رحلة الإسراء والمعراج، وهكذا يتذكر المسلم خمس مرات في اليوم والليلة الكعبة المشرفة التي يتوجه إليها في صلاته والمسجد الأقصى الذي ابتدأت منه الصلاة.

ومما يؤكد قدسية المسجد الأقصى في قلوب المسلمين إلى جانب معجزة الإسراء والمعراج أن رسول الله ﷺ بقي بعد هجرته للمدينة المنورة يتجه في صلاته إلى بيت المقدس ستة عشر شهراً، ثم جاء الأمر الإلهي بأن يتجه إلى الكعبة المشرفة، فكان الأقصى قبلة المسلمين الأولى، وما أعزها على قلوبهم وما أحبها إلى نفوسهم وما أعمقها في وجدانهم.

فمن منطلق الإيمان؛ ووحي الإسراء والمعراج ارتبط المسلمون بقبلتهم الأولى واستبسلوا عبر تاريخهم في الدفاع عن المسجد الأقصى المبارك منذ عهد عمر بن الخطاب –رضي الله عنه– الذي وضع العهدة العمرية التي أرست دعائم السلام والوئام وحافظ على مكونات المجتمع في بيت المقدس، إلى عهد صلاح الدين الأيوبي الذي أعدّ عدته وحرك جيوشه لتحرير المسجد الأقصى من يد المعتدين المحتلين، وما زالت مسيرة الدفاع عن المسجد الأقصى المبارك تتوالى في عهد الهاشميين الذين قدموا الغالي والنفيس في سبيل المحافظة على قبلة المسلمين الأولى صامدة شامخة في وجه من يحاول نزعها من عقيدة المسلمين وأرضهم.

وتمثل هذا الدفاع البطولي من خلال تقدّمهم لركب الشهداء والتضحية بالنفس والمال في سبيل بقاء المسجد الأقصى عربياً إسلامياً ولنا في الملك عبد الله المؤسس الذي استشهد على عتبات المسجد الأقصى خير دليل وقدوة في التضحية والفداء، ثم استمرت المسيرة من خلال الملك الحسين الباني رحمه الله ﷻ، الذي حافظ على هذا الإرث الجليل من خلال تعاهده بالإعمار والصيانة، ومن بعده جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين حفظه الله ورعاه الذي له مواقف مشهودة وثابتة في جميع المحافل العالمية والدولية في نصرة المسجد الأقصى والتمسك به باعتباره جزءاً من العقيدة الراسخة التي لا تهزها نوائب الدهر، وعلى أسوار المسجد الأقصى المبارك استشهد أبطال الجيش العربي دفاعاً عنه فارتوت أرض الإسراء والمعراج من دماء الجنود النشامى من أبناء الأردن.

وإننا كمسلمين في هذا الوطن الأشم، نستبشر خيرا ًونحن في أرض الحشد والرباط وتحت الراية الهاشمية المباركة بعودة المسجد الأقصى إلى حوزة المسلمين ﴿فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا﴾ الإسراء: 7.

عباد الله: إن من بركة المسجد الأقصى ورفعة شأنه أن الحسنات تتضاعف فيه أضعافاً كثيرة، قال رسول الله ﷺ: «صلاة في المسجد الحرام مائة ألف صلاة، وصلاة في مسجدي ألف صلاة، وفي بيت المقدس خمسمائة صلاة» — شعب الإيمان للبيهقي.

وينبغي للمؤمن أن يقف في ذكرى الإسراء والمعراج موقف التذكر والاعتبار في معنى هذه الرحلة ودلالاتها ومغزاها، لا موقف المتسائل عن كيفيتها؛ فإن قدرة الله ﷻ التي وضعت قوانين الكون قادرة على أن تخرق هذه القوانين متى شاءت حيث تعتبر هذه رحلة الإسراء بنبينا محمد ﷺ إلى بيت المقدس فتحاً روحياً، لأن بيت المقدس هو موطن عدد كبير من الأنبياء، ولذلك كانت صلاة الأنبياء خلف نبينا محمد ﷺ في تلك الليلة المباركة تسليماً لنبينا محمد بأنه خاتم الأنبياء ووارث دعوة التوحيد التي نادى بها الأنبياء جميعاً، قال الله ﷻ: ﴿وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا اله إلا أنا فاعبدون﴾ سورة الأنبياء: 25.

كما كانت هذه الرحلة تكريما عظيما من الله ﷻ لنبيه ﷺ حيث أراه الله ﷻ بعضاً من آياته الكبرى، قال ﷻ: ﴿لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى﴾ سورة النجم: 18.

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ آل عمران: 102.

عباد الله: إن رحلة الإسراء والمعراج فيها الكثير من العبر والدروس والمواقف العظيمة التي ينبغي أن يقف عندها المسلم المعاصر ليتخذها خارطة طريق في حياته اليومية يستلهم منها الدروس والعبر التي تنير دربه وفق منهج الله ﷻ.

ومن هذه الدروس والعبر تعظيم أمر الصلاة، فهي عمود الدين وركنه المتين، وقد فرضها الله ﷻ في ليلة الإسراء والمعراج بتكليف مباشر منه سبحانه لما لها من قدر وأهمية، قال ﷻ: ﴿فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى﴾ النجم: 10، يقول النبي ﷺ: «فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيَّ مَا أَوْحَى فَفَرَضَ عَلَيَّ خَمْسِينَ صَلَاةً فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَنَزَلْتُ إِلَى مُوسَى ﷺ فَقَالَ: مَا فَرَضَ رَبُّكَ عَلَى أُمَّتِكَ ؟ قُلْتُ خَمْسِينَ صَلَاةً. قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ… قَالَ: فَلَمْ أَزَلْ أَرْجِعُ بَيْنَ رَبِّي ﷻ وَبَيْنَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام حَتَّى قَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّهُنَّ خَمْسُ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، لِكُلِّ صَلَاةٍ عَشْرٌ، فَذَلِكَ خَمْسُونَ صَلَاةً» — متفق عليه، فالصلاة هي مصدر طمأنينة المسلم وصلته اليومية بالله ﷻ، فالواجب عليه أن يحافظ عليها في وقتها، وأن يقوم بها كما كان رسول الله ﷺ يقوم بها، وأن يحافظ على النوافل والتطوع فيها قدر المستطاع.

ومن الأحكام التي نتذكرها في مناسبة الإسراء والمعراج، أن ذكر الله ﷻ من أعظم القربات التي ينبغي للمسلم أن يحافظ عليها، فعن ابن مسعود –رضي الله عنه– قال: قال رسول الله ﷺ: لقيت إبراهيم ليلة أسري بي، فقال: يا محمد: «اقرئ أمتك مني السلام، وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة عذبة الماء، وأنها قيعان، وأن غراسها سبحان الله والحمد لله، ولا إله إلا الله والله أكبر» — رواه الترمذي.

ومما نبهت إليه رحلة المعراج أن عِرض المسلم من الأمور التي أمر الإسلام بالمحافظة عليها وصيانتها والدفاع عنها، فعن أنس –رضي الله عنه–، قال: قال رسول الله ﷺ: «لما عُرج بي مررت بقوم لهم أظافر من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم» — رواه أبو داود وأحمد.

ومن مشاهد هذه الذكرى العطرة ما روي عن ابن شهاب، قَالَ ابْنُ المُسَيِّبِ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: «أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ بِإِيلِيَاءَ بِقَدَحَيْنِ مِنْ خَمْرٍ، وَلَبَنٍ فَنَظَرَ إِلَيْهِمَا فَأَخَذَ اللَّبَنَ، قَالَ جِبْرِيلُ: الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَاكَ لِلْفِطْرَةِ، لَوْ أَخَذْتَ الخَمْرَ غَوَتْ أُمَّتُكَ» — متفق عليه، فهذا الدين هو دين الفطرة التي فطر الله عليها الناس، وهو يتوافق مع الطبيعة البشرية، فلا تجد فيه ما يخالفها.

والاحتفال بهذه المناسبة الطيبة أمر مستحب إحياءً لهذه الذكرى العطرة الغالية على قلوب المسلمين وما ذلك إلا لتحقيق هدف أسمى وهو أخذ الدروس والعبر واستنهاض الهمم والاقتداء بالعلماء والصالحين في كل شؤون الحياة وهو ذكر وتذكير، وشحذ همم، ونشر علم، وكل ذلك مطلوب شرعاً.

والحمد لله رب العالمين..

المزيد من خُطَب الجمعة عن رحلتي الإسراء والمعراج:

كذلك؛ إذا كان يدور بخلدكم عنوانًا مختلفًا لخطبة جمعة حول حادثتي الإسراء والمعراج، فنحن بانتظار هذه المقترحات عبر التعليقات أدناه.


التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: