حديث المسلمون على شروطهم.. شرح وافٍ للمعنى المراد

حديث المسلمون على شروطهم , إسلام , أحاديث نبوية

سنتحدث اليوم إن شاء الله عن حديث المسلمون على شروطهم، وكذلك الصفة الثانية والثلاثين من شعب الإيمان وهي التي تتناول الوفاء بالعقود.

ما هو الوفاء وما هي العقود؟

الوفاء هو أن تفي بكلمة قلتها، والعقود جمع عقد وهو ما عاهدت به غيرك أن تفي به، فعليك الوفاء كما وعدت وعاهدت، يقول القرآن الكريم: يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود.

الوفاء بالوعد صفة كبيرة من صفات الإيمان، والذي لا يفي بوعده ليس بمؤمن، فذلك علامة للنفاق وعلامة للكفر، وهو علامة علي جهل المؤمن بحقيقة الوعد بينه وبين الله، أو بينه وبين الرسول صلى الله عليه وسلم أو بينه وبين الخلق.

وأكبر عقد يجب الوفاء به هو عقد التوحيد بيننا وبين الله تعالى، يقول تعالى في سورة الأعراف: “ألست بربكم قالوا بلى”، أخرج الله تعالى بني آدم كلهم من صلب آدم مثل الذر (النمل الصغير) فقال لهم سبحانه: “ألست بركم” قالوا بلى أنت ربنا، بمعني أبرموا عقد توحيد بينهم وبين الله تعالى، فلما خرجوا إلي الدنيا عليهم أن يجددوا من جديد ذلكم العهد ويبقوا عليه إلى أن يلقوا الله تعالى.

وهناك سنة مهمة جدا وقليل من يقوم بها وهي تذكير أبنائنا بهذا العهد عند ولادتهم بحيث نؤذن لهم في الأذن اليمني ونقيم لهم إقامة الصلاة في اليسرى وأيضاً عند وفاة المؤمن نحاول بقدر المستطاع أن يكون آخر كلامه لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو العهد نفسه.

إذاً كُل من قال أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله فقد أبرم العقد مع الله تعالى، وهذا العقد يقتضي فعل أوامره تعالى، واجتناب نواهيه، أن يجدك حيث أرادك، وأن يفقدك حيث نهاك، وهنا كلام طويل له علاقة بالعبادات وجميع التصرفات، وإنما اختصرنا الكلام فيه وأوضحنا أن معنى الوفاء بعقد التوحيد، أن تفعل ما أمرك الله به وتجتنب ما نهاك عنه.

وهو تعالى يقول: وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ثم بعد ذلك تأتي العقود الأخرى التي مع سائر الناس من بينها العقد الذي بينك وبين النبي صلى الله عليه وسلم فإنه يا إخواني كل من أقر برسالته صلى الله عليه وسلم فعليه أن يوفي بذلك العقد، لأن ذلك الاعتراف أوجب عليك اتباعه.

المسلمون على شروطهم

ثم تأتي العقود المختلفة في مجتمعك المسلم، فهناك عقد البيعة الذي بين أمير المؤمنين والأمة، وهناك العقد الذي يتفق عليه الناس كدستورهم الذي يجمع كلمتهم، وينظم حياتهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية في الوطن الواحد، هذا كله نوع من التعاقد يجب الوفاء به، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: “المسلمون عند شروطهم” أو “المسلمون على شروطهم”.

حدثنا الحسن بن علي الخلال حدثنا أبو عامر العقدي حدثنا كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا حرم حلالا أو أحل حراما والمسلمون على شروطهم إلا شرطا حرم حلالا أو أحل حراما” قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح.

وبصيغ أخرى مثل:

  • المسلمون عند شروطهم ما وافق الحق من ذلك.
  • المسلمون عند شروطهم ما وافق الحق.
  • المسلمون على شروطهم والصلح جائز بين المسلمين.

فعليهم أن ينفذوا ما اتفقوا عليه، ومن غدر فهو خائن، وهناك عقد بين الرجل وزوجته وهو الذي أحل لقاءهما بعد ما كان حراماً عليه، وكان حراماً عليها، هذا العقد تعلقت به كثير من الحقوق، سواء للزوجة نفسها أو للأبناء أو الوالدين.

وأيضاً حقوق الأموال حين قسمتها، يعني عقد الزواج ترتبت عليه كثير من عقود أخرى، لهذا فمن نقض عقد الزواج فقد نقض الوفاء بكثير من العقود، ومن نقض العهد فلا إيمان له، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا إيمان لمن لا عهد له، ويقول في حديث آخر: أية المنافق ثلاث إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف وإذا ائتمن خان.

إذاً ينبغي إخواني أن نلاحظ في العقود قول الله تعالى: والموفون بعهدهم إذا عهدوا لم يقل الله تعالى هنا أوفوا بصيغة الأمر، ولا يوفون بصيت المضارع، وإنما أتى فيه بصيغة اسم الفاعل ليدل على الاستمرارية في ذلك في جميع حركات الإنسان وسكناته، الوفاء مع الله سبحانه وتعالى إذا سمع الأذان، والوفاء مع الأولاد أن لا يضيعهم، ومع الزوجة ومع الوالدين ومع الجيران، ومع الأمة، ومع أي فرد يجمعه معه عقد بطريقة أو بأخرى، إلا ووجب عليه الوفاء به.

فإذا أمعنا النظر في هذه الآية: والموفون بعهدهم إذا عاهدوا نجد أن أي حركة يقوم بها المسلم يفي من خلالها بعهد من العهود، فإذا دعاك أحدهم مثلاً إلي بيته فأجبته فإنك قد أوفيت بعهدك، من حق المسلم على المسلم إجابة الدعوة لأنها عهد، من العهد أيضاً إذا بعت أو اشتريت مع إنسان بالإقالة فذلك العهد يجب الوفاء به لأن المؤمن لا يخلف وعده.

الرسول ﷺ القدوة

والوفاء بالعهد أمر خطير في حياة المسلم، ولقد عرف النبي صلى الله عليه وسلم في قومه قبل أن يبعث بالوفاء بالعهد، لا يغدر أبداً، سأل هرقل أبا سفيان: هذا الذي قال لكم إنه نبي، هل يغدر؟ قال أبو سفيان: لا، قال له: هل يكذب؟ قال: لا قال: هل فيه خيانة؟ قال: لا.

هذه صفات جعلت النبي صلى الله عليه وسلم محبوباً بين قومه، مصدقاً متبعاً فيهم لأنه يفي بكلمته صلى الله عليه وسلم، حتى في الحروب فهو لا يقتل أسراه، ولا يتركهم في جوع، بل يرحمهم، ويطوف بهم ويسألهم، وهذا سيدنا العباس لما كان في أسرى وقد ألمه القيد، أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يخففوا عنه أن يخففوا عن جميع الأسرى الذين معه حتى لا يقال إنه خفف على عمه دون الآخرين، فهذه الرحمة في الحروب تحلى بها الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنون بعده قبل أن تعرف اتفاقية جنيف بقرون عديدة.

فالإنسان عندما يقع في الأسر ويرمي السلاح فيجب عليك أن تحترمه في جسده، وفي عرضه حتى يجعلوا الله له فرجاً ومخرجاً.

هذا هو أمر العقود عند المسلمين، ولقد كان المسلمون فيما مضى يعقدون بألسنتهم فقط وقد فهموا معنى العقد في الدين، واليوم لما ضعف الدين في قلوب بعض الناس لا مر من الكتابة في العقود، لأن الوفاء في الناس قليل، فأهل الابتزاز كُثر في الوقت الذي ينبغي الرحمة والشفقة بالناس، كيف لا؟ والنبي صلي إله عليه وسلم يقول: لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه.

وهنا تجِد أيضًا: قد نرى تقلب وجهك في السماء: سبب النزول، شرح وتدبر ودروس مستفادة

المغزى

فعلينا إخواني وأخواتي أن نحترم العهود التي نبرمها بيننا وبين الناس، لأن من ضاع منه ضاعت منه الأمانة ويحاسبه الله يوم القيامة ويحمله لواء الغدر فيراه الناس جميعاً، فيقولون: ها هو ذا الغادر، اللهم أدّ عنا جميع الحقوق، وأعطنا قوة تمكننا من أداء الأمانات والعهود التي جعلتها في أعناقنا، وإلي أن نلتقي في حلقة أخرى إن شاء الله تعالى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error:
Scroll to Top