العقوق أقبح الذنوب: معناه وصوره وحكمه

تمت الكتابة بواسطة:

صورة , بر الوالدين , العقوق
بر الوالدين

الحمد لله والصلاة والسلام على نبي الله، سيد الخلق أجمعين، خاتم المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين وعلى التابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين ثم أما بعد:

فإن ديننا دين الحق والاعتراف لكل ذي فضل بفضله، والشكر لله والشكر للناس، ومن أحق أهل الحقوق والفضل على الإنسان الوالدين، اللذان هم في الأصل سبب وجوده والقائمين على خدمته وتربيته وكل شئونه، حتى يشب ويشتد عوده ويقوى بنيانه، ويتحملان في سبيل ذلك مشقة وكبد لا مثيل لهم، فيسهرون ليلهم ويكدن ويجتهدون طوال نهارهم في سبيل غاية واحدة وهي راحة الابن وسعادته وتوفير أفضل مستوى ممكن من الحياة.

لأجل ذلك وزيادة أوصت شريعتنا الإسلامية ببر الوالدين كما لم توصي بشيء آخر، وحضت عليه أيما حض، وبينت فضله ومنزلته في الكتاب والسنة وأوفته حقه تماما، فبات حكمه معروفا ومنزلته معروفة أيضا، وهنا في هذا المقام سنتناول العقوق ونبين قبحه وبشاعته في الإسلام، وعقوبته وأثره على حياة الإنسان الذي يبتلى بتلك المصيبة.

معنى العقوق وصوره

العقوق كلمة عامة شاملة يدخل ضمنها كل الأفعال التي تدخل الحزن على الوالدين، أو تؤذيهما، من قول أو فعل أو غيرهما.

وصور العقوق كثيرة جدا وكلها محرمة، ومن صور العقوق هجر الوالدين وتركهما وهما في حاجة للمساعدة أو الرعاية، والقسوة عليهم بالقول والفعل ورفع الصوت عليهم، كذلك كل مظاهر الأنانية والجور على حقوقهم أو خصوصيتهم، ويكون العقوق في أقبح صوره حينما يقع من الأبناء في حق والدين بلغا من الكبر عتيا، وتبدلت قوتهما بضعف، وأصبحا بدلا من مصدر للأمان والاطمئنان في حاجة إلى الأمان والسؤال والعناية.

حكم عقوق الوالدين ومدى قبحه في ديننا الحنيف

أن عدد النصوص الواردة في تقبيح العقوق والتنفير منه، وبيان عقوبته وأثاره المدمرة على الإنسان في الدنيا والآخرة أكثر من أن تحصى، سنذكر هنا طائفة منها، ولنجعلها نصب أعيننا حتى لا ننساق وراء شياطين الإنس والجن فيضل الطريق ويخسر الدنيا والآخرة ومن ذلك:

ما رواه المغيرة بن شعبة –رضي الله عنه- عن النبي –صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ عُقُوقَ الْأُمَّهَاتِ وَوَأْدَ الْبَنَاتِ, وَمَنْعًا وَهَاتِ, وَكَرِهَ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ: وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ وَإِضَاعَةَ الْمَالِ).

عَنْ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم {أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ ثَلَاثًا؟ قُلْنَا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ, وَكَانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ فَقَالَ: أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ, فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا لَيْتَهُ سَكَتَ }.

وما جاء عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أنه قَالَ { ثَلَاثَةٌ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ, وَمُدْمِنُ الْخَمْرِ, وَالْمَنَّانُ عَطَاءَهُ. وَثَلَاثَةٌ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ: الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ, وَالدَّيُّوثُ, وَالرَّجِلَةُ مِنْ النِّسَاءِ} .

لماذا يعد عقوق الوالدين من أقبح الذنوب؟

يعد عقوق الوالدين ضمن أقبح الذنوب وأبغضها إلى الله وإلى خلق الله، وذلك لأنه تنطوي عل جملة مخالفات جملة معاني ومظاهر من مظاهر تدني الخلق وغلبة الشيطان على الإنسان ومن ذلك ما يلي:

في العقوق مخالفة صريحة لأمر من الأمور التي أوجبها الله عز وجل وهو بر الوالدين، الذي جعله في مرتبة تلى مرتبة الإيمان بوحدانية الله وعدم الإشراك به.

وفيه تجرأ على من كان سببا في وجود الإنسان، وفيه يتجسد أبشع معاني نكران الجميل، فالعاق بدلا من أن يحاول شكر والديه اللذين لا يستطيع إل شكرهما ولا إلى رد جميلهما سبيلا، يعقهما، ويسيء إليهما جزاء تربيته وتعليمه والسهر لأجله سنوات طوال.

جحود النعمة ونكران المعروف، وكون أذى العاق واقع بأقرب الخلق إليه وأكثرهم فضلا عليه.

وأخيرًا، عزيزي القارئ أذكرك ونفسي أن العقوق شر لا يدانيه شر، وهو من ضمن المصائب التي يبتلى بها المسلم فيخسر بذلك دنياه وآخرته، فيضيق الله عليه رزقه ويصعب عليه أموره، ويغلق في وجهه أبواب التوفيق جميعا فلا يكاد يشرع في أمر إلا حالفه الإخفاق والفشل، وهذا من عذاب الله في الدنيا، والأسوأ من كل هذا أن من عق ذاق كأس العقوق، وما أشد مراراته.


التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: