مقال عن فضل الوالدين

فضل الوالدين

إن عينينا أول ما أبصرت وجدت فضل الوالدين الوفير علينا، أبصرت وجه أمهاتنا، وآذاننا، أول ما سمعت، سمعت هدهدة أمهاتنا، وأول ما شعرنا، شعرنا بلمسة آبائنا تطوينا في حنان، مخافة علينا أن يصيبنا بردًا، أو نتألم من الهواء، أو أي شيء آخر قد يصيبنا في صغرنا.

إن والدينا أصحاب فضل كبير علينا، فالبنيان العالي الذي أصبح عليه جسدنا، وعقلنا الواعي الذي بات يعي كل ما يدور حولنا، ويفكر في كل شيء يريده، وقلوبنا المرهفة التي نشعر فيها بالحب والمودة والكره، وكل المشاعر، والأخلاق الكريمة التي بتنا نتزين بها بين الخلق، كل ذلك من فضل والدينا علينا.

إننا إن حاولنا إحصاء ما أدخله والدينا في حياتنا من الفضل لن نستطيع أن نحصي ذرة في فضلهما؛ الأم ربتنا، سهرت علينا بعد ولادتنا، ضحت بكل شيء حتى تربينا وتكبرنا وتعلمنا، ضحت بوقتها الذي كان من الممكن أن تقضيه لنفسها، في محاولة جعلنا أفضل إنسان في الدنيا، إن الأم فضلها واسع لا يمكن التحدث عنه في أسطر قليلة تظلمها حقها، الأم مرضت لمرضنا، وتألمت لتألمنا، واحتوتنا في حضنها، وسهرت من أجلنا، سهرت حتى تطمئن علينا، وسهرت حتى تؤانس وحدتنا في الليل. الأم هي منبع الإنسانية، وكل شعور نبيل قد يستطيع أن يخلص إليه الإنسان، منبعه الصافي من الأم وحدها.

والأب؛ لطالما بحثنا عن القدوة الصالحة في حياتنا، وأردنا أن نرى البطل المغوار الذي نسير على نهجه ولا نحيد عنه، يرشدنا ويدربنا ويعلمنا، ويغدق علينا من ماله وفضله وحنانه ورأفته بنا، هذا هو الأب، يربي فينا العقل السليم الراجح، وينمي فينا الأخلاق الحميدة التي يجب أن يتحلى بها الإنسان مع نفسه والآخرين، يشير إلى الصحيح والخطأ، وينبهنا إلى مخاطر الخطأ، وفضائل الصحيح، ثم يترك لنا حرية الاختيار وهو واثق تمام الثقة أننا لن نخذله أبدًا، لأننا يجب أن نحبه بقدر الحب الذي يكنه في داخله لنا.

إن والدينا لهما فضل عظيم علينا، وكل ما نحن فيه الآن أو ما سنكون فيه هو بفضل محبتهم التي لا تنقطع، وبفضل تضحيتهم بكل شيء من أجلنا، وبفضل الأوقات التي يقضونها في الكد والشقاء حتى يوفروا لنا حياة آمنة مترفة، خالية من مظاهر الشقاء، ونتمتع نحن بينما هم يخاطرون ويضحون من أجلنا.

هذا هو فضل الوالدين، وإني لو أردت أن أمنح كل والد ووالدة حقهما في الحديث، إذن يجب أن أسير في الطرقات وأطرق الأبواب، وأستمع من الأبناء والآباء مظاهر التضحية التي قدموها لابنهما أو بنتهما، وذلك لن يكفيه موسوعة حتى نتدارسه فيها من كل الجوانب في الحياة.

ولكن، نحن هنا لسنا بصدد الحديث عن فضل الوالدين الوافر الذي لا ينقطع، فكل إنسان يعلم فضل والديه عليه جيدًا، ويتمنى أن يشكرهما بأي طريقة، وفي هذا المقال، أوضح السبيل الصحيح القويم حتى نستطيع أن نبر والدينا ونشكر صنيعهما.

القرآن الكريم يوصي ببر الوالدين

إن القرآن هو المنهج السليم الذي يجب أن نسير على دربه، وأن نتدبر معانيه البليغة الموجزة، وألفاظه الجميلة في التعبير عن كل شيء يخص الإنسان، ومن المواضيع التي اعتنى بها القرآن في أكثر من موضع، هو موضوع بر الوالدين.

قال تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا).

فالله أمرنا بعبادتنا، ثم قرن هذه العبادة ببر الوالدين، بالإحسان، والخير، وعدم الانقطاع عن وصلهما، وترشدنا الآية الكريمة إلى عدم جرحهما بأقل القليل من الأمور التي قد تصيب قلوبهم وتدميها، فلا نقول لهما مجرد (أف) ولا ننهرهما، بل يجب أن يكون قولنا كريمًا في وجوههم، لا يخلو من الثناء والخشوع لفضلهما، ولا يخلو أيضًا من الابتسام في تلك الوجوه النضرة.

قال تعالى: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ).

والله تعالى في سورة لقمان يوصي ببر الأم على وجه الخصوص، بإظهار فضلها علينا في الدنيا، فالأم حملتنا في بطنها تسعة أشهر في وهن وضعف، لا تستسلم لهذا الضعف وتحاول جاهدة أن تطعم الجنين الذي في بطنها حتى يستوي خلقه، ويصبح قويًا معافى عن ولادته، وحين تلده ترضعه حتى يتم العامين وتفطمه، ومن ثم يأمرنا الله أن نشكره على النعمة التي رزقنا إياها، فالإنسان الذي لديه والدين يخافون عليه ويحبونه ويفعلون أي شيء من أجله، في نعمة كبيرة لا يتأملها، ويجب أن يتأملها. وأن يشكر الإنسان والديه على صنيعهم من أجله في كل حياته حتى يكبر ويشتد عوده ويصير معتمدًا على نفسه، وحتى وهو معتمدًا على نفسه، لا تخلو حياته من قلق الأم والأب عليه وتمني له السلامة والطمأنينة دائمًا.

السنة النبوية الشريفة توصي ببر الوالدين

ما أحوجنا للإقتداء بسيدنا محمد “صلى الله عليه وسلم” فهو النبي الكامل المعصوم، وهو من أخرجنا من الضلال إلى النور حين بعثه الله بالقرآن، وألهمه كلمات السنة على لسانه، حتى يوضح لنا ما غاب عن عقولنا.

والرسول “صلى الله عليه وسلم” وصانا ببر الوالدين، وذلك من خلال إظهار فضل طاعتهما.

يقول “صلى الله عليه وسلم” (من أرضى والديه فقد أرضى الله، ومن أسخط والديه فقط أسخط الله). والإنسان دائمًا في حاجة إلى رضا الله، ولا رضا لله دون رضا الوالدين، إذن لابد أن يسعى الإنسان بكل جهده ليرضي والديه، حتى يرضى عنه الله، والله يرزق من يرضى عنه رزقًا واسعًا.

جاء رجل إلى النبي “صلى الله عليه وسلم” فاستأذنه في الجهاد، فقال “صلى الله عليه وسلم” (أحي والداك؟) قال: نعم، قال النبي: (ففيهما فجاهد).

والرسول في الحديث الشريف، يفضل أن يجاهد الإنسان نفسه حتى يحظى برضا والديه ويرعاهما، على ألا يجاهد في سبيل الله، وهذا إن دل إنما يدل على عظم فضل رضا الوالدين، وضرورة برهما.

المكانة التي يحظى بها من يبر والديه

إن الله ميز البار بوالديه بفضائل كبيرة، إذا تأملها الإنسان وجاهد نفسه من أجلها، حظي عليها، وارتفع شأنه بين الناس وعند الله “سبحانه وتعالى” بر الوالدين سبب في دخول الإنسان الجنة، فكما قلت آنفًا، رضا الله من رضا الوالدين، وبر الوالدين من أحب الأعمال إلى الله “سبحانه وتعالى” مع الصلاة وغيرها من الأعمال كما ورد في الحديث الشريف، وفي برهما النجاة من مصائب الدنيا وكروباتها، فالله يرزق البار بوالديه الستر والرزق في الدنيا والآخرة، ولا يضعه في موقف سوء أو بلاء.

البار بوالديه يهبه الله الصحة والعافية والبركة في العمر، ويرزقه الله من حيث لا يحتسب، كما يرزقه راحة البال وطمأنينة القلب وهدوء الحياة، غير أن البار بوالديه يكتسب محبة الناس لثقتهم فيه وفي خلقه الكريم، حتى أن بعض الآباء لا يزوجون بناتهم لمن يعامل والديه معاملة سيئة، لأن تلك المعاملة ستنعكس على ابنتهما، فمن ليس له خير في والديه، ليس له خير في أحد أيًا كان.

أضف تعليق

error: