مقال عن فضل العلم

فضل العلم

إن العلم فضله علينا كبير، بغض النظر عن سوء استخدام الناس له، إلا أنه كشف عنا كثير من غوامض الحياة، وجعل حياتنا أكثر يسرًا وتطورًا؛ العلم هو ما جعل أممًا أقوى من أمم، ووضع أممًا على مدخل الحضارة، وفي أيام قلائل لاقيناها تضاهي أعظم دول العالم في القوة.

تأثير العلم في حياتنا

إننا اليوم إذا نظرنا حولنا، نرى كل شيء في الكون وقد تطور، إلى أبعد حد، أقرب شيء نراه عجيب في أيامنا وقد ألفناه، التليفون المحمول الذي نحمله جيئة وذهابًا، إنه معجزة من معجزات العلم، بما فيه من مظاهر تسهل علينا سائر أمور حياتنا، الإنترنت على سبيل المثال، بمجرد أن تفكر في شيء، تكتب بضع كلمات في شريط البحث، وفي غضون ثواني تأتي ملايين المعلومات عما تفكر فيه.

وغيرها من التطبيقات التي تسهل علينا كثير من الأمور، كالتعلم، ومتابعة أخبار العالم، والتواصل مع العالم كله مهما كان المكان، ومهما كان الزمن.

كل ذلك ثمرة العلم، وتلك الثمرة لا نجدها في الموبايل المحمول فقط، بل في كل شيء حولنا، بدايةً من الإبرة حتى الصاروخ الذي يسبح في الفضاء ثابرًا أغواره، ومطلعًا إيانا على عوالم أخرى لم ندر بها، حتى أن العلماء في العصر الحالي يبحثون في كواكب أخرى صالحة للحياة غير كوكب الأرض.

إن العلم شجرة كبيرة تعددت فروعها، وكل فرع يقوم على مجال معين قائم بذاته، له أساليبه وتطوراته، لكن لا نغفل أن العلم في قديم الزمان كان نتاج جذر واحد، فالعالم قديمًا كان يفهم في أغلب العلوم، الكيمياء مثلًا مع التاريخ والفلسفة، وكانوا يربطون بينها بطريقة مذهلة عجيبة، أما الآن، نظرًا لأن كل علم انبثق منه مجموعة من الاكتشافات التي جعلته علمًا قائم بذاته، فقد أصبحت العلوم منقسمة، ويصعب على المرء أن يجمع في رأسه أكثر من علم، لكنه ليس بمستحيل.

حث الإسلام على العلم

لقد دعى الإسلام إلى العلم دعوة دؤوبة، فالرسول “صلى الله عليه وسلم” حين نزل عليه جبريل بالوحي قال له (اقرأ) والقراءة تعني الكثير من الأمور المتعلقة بها، وبتتبع سيدنا محمد لما أنزله الله “سبحانه وتعالى” عليه من الوحي، أصبحت الخلافة الإسلامية من أعظم ما قام في العالم كله، وفي حين ما كانت الدول الغربية تعاني القحط الشديد والانحدار في القرون الوسطى، كانت الدولة الإسلامية قد سيطرت على الشرق الأوسط وشمالي أفريقيا إلى جانب الأندلس (أسبانيا حاليًا) وكانت الأندلس هي معبر الخلافة الإسلامية لغزو أوروبا، لكنها انتهت بسقوطها.

في ظل الصراعات التي كانت قائمة في الجهة الأخرى من العالم، كان العلماء المسلمين يؤسسون علومهم على قدم وساق، في الأدب والكيمياء والطب والفلك والرياضيات وعلم الاجتماع والفلسفة.. وغيرها من العلوم التي كانت أساس قيام كثير من الحضارات في أيامنا هذه.

علّك ترغب بقراءة هذه المقالات أيضًا

إنها القراءة، وطلب العلم الدؤوب، والاجتهاد فيه بكل السبل هو ما أوصل العرب في قديم الزمان إلى هذه المكانة بين دول العالم، والعالم كله يحتفي بفضل علماء الإسلام بما خلفوه من أسس قويمة قام عليها كثير من اكتشافات اليوم.

ولولا أن الإنسان دين عدل وسماحة، وكان القرآن كاملًا فيه ما يملأ نفس المسلم من الإيمان والمعرفة الكاملة بالله، لكان الإنسان في ذلك العصر متخبطًا متشتتًا لا يقدر على فعل شيء.

القرآن الكريم والعلم

قال تعالى: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ).

لا شك أن القرآن عني بالعلم عناية كبيرة، وإلى جانب ما ذكرته آنفًا، أن القرآن أول ما تنزل على سيدنا محمد “صلى الله عليه وسلم” نزل حاثًا إياه على (القراءة)، وفي آية أخرى يبين الله منزلة الذين يؤتوا العلم عند الله، فالله يرفعهم إلى درجات عالية في الجنة إن شاء الله، وذلك إن دل إنما يدل على فضل طلب العلم، وما يفعله العلم في الأمم في النهوض بها، أنه يجعل للأمة مكانة عالية بين الأمم لا تضاهيها مكانة.

قال تعالى: (وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ).

ونحن نرى في أيامنا هذا، مظاهر كبيرة من دخول علماء الإسلام، لأنهم أفنوا أعمارهم في البحث عن شيء ما، يحتار له عقلهم، وأذهب النوم من محاجرهم، حتى توصلوا إليه، ومن ثم يتفاجؤون أنه قد تنزل في القرآن الكريم وهم عنه غافلون.

وبطريقة أخرى، كل تلك الظواهر العجيبة التي نراها في العالم، وتوصل إليها العلم من تغير الطبيعة، وحركة دوران الأرض حول الشمس، وغيرها من الظواهر، إنها لا تدعونا إلا أن نؤمن بالله، ونجله ونعظمه، ونخشع له خشوع العبد الذليل الذي شاهد كل تلك المظاهر وأيقن أنه عبارة عن حبة من الرمل في عالم الله “سبحانه وتعالى”.

يقول الله تعالى في كتابه الكريم (إنما يخشى الله من عباده العلماء).

نعم، فالعلماء هم أولى الناس بالخشوع إلى الله، لأنه بعقولهم توصلوا إلى كثير من مظاهر عظمته “سبحانه وتعالى” واكتشفوا أن قواعد الكون هذه لا يمكن أن تكون من تلقاء نفسها، بل الله “سبحانه وتعالى” أرساها بنظام محدد لا يقدر الإنسان أن يخالفه.

السنة وطلب العلم

قال رسول الله “صلى الله عليه وسلم” (من سلَكَ طريقًا يبتغي فيهِ علمًا سلَكَ اللَّهُ بِهِ طريقًا إلى الجنَّةِ وإنَّ الملائِكةَ لتضعُ أجنحتَها رضاءً لطالبِ العلمِ وإنَّ العالمَ ليستغفرُ لَهُ من في السَّمواتِ ومن في الأرضِ حتَّى الحيتانُ في الماءِ وفضلُ العالمِ على العابدِ كفضلِ القمرِ على سائرِ الكواكبِ إنَّ العلماءَ ورثةُ الأنبياءِ إنَّ الأنبياءَ لم يورِّثوا دينارًا ولا درْهمًا إنَّما ورَّثوا العلمَ فمَن أخذَ بِهِ فقد أخذَ بحظٍّ وافرٍ).

إن الحديث الشريف الذي أورده الرسول “صلى الله عليه وسلم” إن دل إنما يدل على فضل العلم، ومنزلة العلماء عند الله “سبحانه وتعالى، فالرسول “صلى الله عليه وسلم” يخبرنا أن الإنسان إذا سلك طريق العلم، يفيد به نفسه وغيره من الناس، ويتقرب به من الله “سبحانه وتعالى” إنما بذلك يسلك طريقًا إلى الجنة، وذلك العلم هو الذي سيوصله إلى الجنة، ويرفع من درجاته في الجنة.

ومن منزلة العلماء الكبيرة عند الله “سبحانه وتعالى” الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم ويستغفر له ما في السماوات والأرض، حتى الحيتان في الماء.

ويخبرنا “صلى الله عليه وسلم” أن فضل العالم على العابد، كفضل القمر على سائر الكواكب، أي أن القمر ينير عتمة الكواكب المظلمة، اي أن العالم ينير العقول، وإني أجد في الجملة وتشبيهها بلاغة عظيمة، لأن العلم قد أثبت أن القمر يستقي نوره من الشمس، ويقوم بدوره في الليل بإنارة ظلمات الكون.

ويخبرنا الرسول “صلى الله عليه وسلم” في نهاية الحديث الشريف، أن الأنبياء ورثوا العلم الذي خلفوه إلى العلماء، والأنبياء لم يورثوا المال، إنما ورثوا العلم، فمن أخذ به أخذ بحظ وافر.

وعليه فالأمم التي تقوم على غناها من المال، لا تجدها أممًا متقدمة، إنما تشتري كل شيء بالمال، حتى التقدم تشتريه بالمال، لكن الأمم التي ترسخ فيها العلم، هي أمم متحضرة، القوة الحقيقية كامنة في نواتها.

فاطلبوا العلم، كما وصانا الرسول “صلى الله عليه وسلم” وكما حث القرآن الكريم، فالعلم فضله عظيم.

أضف تعليق

error: