عباد الرحمن

صورة , مسلم , القرآن الكريم , عباد الرحمن
القرآن الكريم

الحمد لله الذي علمنا ما لم نكن نعلم وفضلنا بالعقل عن كثير من خلقه، الحمد لله الذي دلنا على الطريق وأخذ بنواصينا إلى الحق وبعث فينا رسولا من أنفسنا، رحيما بنا حريصا علينا وجعله هاديا وبشيرا ونذيرا، أما بعد.

فقد خلقنا الله جميعا، وإليه مرجعنا وبيده أقدارنا، لا نملك لأنفسنا ضرا ولا نفعا من دونه ولا نملك موتا ولا حياتا ولا نشورا، فهو سيدنا ونحن جميع عبيد إحسانه وفضله، فنحن جميعا إنسنا وجننا وحتى الملائكة المكرمين تصدق عليهم صفة العبيد لله ونشترك فيها، ولكننا نتفاوت في مقامات العبودية ودرجاتها.

لطيفة في الفرق بين كلمة عبيد وكلمة عباد

العبودية هي طلاقة امتلاك السيد لكل أمور العبد، وتقييد حركته وعظيم سيطرته، وانطلاقا من هذا المفهوم فإن كلمة عبيد هي كلمة عامة شاملة، تقع خارج نطاق الإرادة فكلنا عبيد سواء أردنا ذلك أو أبينا!

أما كلمة عباد فهي درجة من درجات العبودية الاختيارية وتعني الخلق الذين اختاروا طواعية أن يخضعوا لأوامر الله ونوه ويتحركوا وفقا للإطار الذي افترضه عليهم، وهي منزلة رفيعة ومكانة سامية وشرف لا يدانيه شرف أن نكون عباد الرحمن وأن نتصف بصفاتهم، ونتحلى بسماتهم وفي الفقرات التالية سوف نوضح صفات عباد الرحمن الذين نسبهم الله إلى ذاته العلية ورفع مكانتهم بين الخلائق!

ما هي سمات عباد الرحمن ومواصفاتهم في القرآن؟

لقد جمع القرآن الكريم كافة صفات عباد الرحمن وبينها بيانا واضحا جليا مفصلا، في موضع واحد من مواضع القرآن الكريم وآياته المعجزة، وذلك في أواخر سرة الفرقان، وتعتبر الآيات قبس من النور الذي ينير الدرب أمام كل سائل وحائر يسعى إلى عبادة الله ويحب أن يكون من أهل الله وخاصته، وفي ذلك يقول عز وجل: “وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً… وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمْيَاناً وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلاماً خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً” (الفرقان:63-76).

عباد الرحمن يزينهم التواضع: وصف القرآن عباد الرحمن بأنهم يمشون على الأرض هونا أي متواضعين ليني الجانب، لا يلبسون ثياب الأنفة ولا يتيهون في الأرض فخرا ولا غرورا بنعم الله، والتواضع هو أول الصفات وهو اعلى الدرجات، فمن مقتضيات العبودية التذلل والخضوع المطلق لله ومعرفة نعمه على الإنسان ومعرفة عجزه عن تحصيل أي خير أو دفع أي ضر إلا بفضل الله، ومن ثم فلا مبرر للعجرفة أو الكبر على الخلق أو التباهي بنعم قابلة للزوال بين عشية وضحاها.

عباد الرحمن يترفعون عن الجاهلين والخوض معهم: عباد الرحمن هم أناس يمتلكون زمام أنفسهم لا يستدرجهم الحمقى أو الجاهلون إلى ما لا يرضي الله من القول أو الفعل، يترفعون عن مجاراة الجهلة والحمقى في حديثهم أو التدني إلى درجاتهم، وقد أكد القرآن الكريم على هذا المعني مرتين، مرة بقوله (وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً) ومرة بقوله: (وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً)، فهم ليسوا من أهل الجدل أو المراء ولو في الحق.

عباد الرحمن يلزمون الركوع والسجود: من أهم صفات عباد الرحمن حرصهم على الصلاة المفروضة وصلاة النافلة، وقيام الليل.

عباد الرحمن حالهم بين الخوف والرجاء، وألسنتهم لا تكف عن الدعاء: فهم يخشون عذاب الله وغضبه ويرجون رحمته ويطمعون في عطائه الواسع، وهم في دعائهم بين هذا وذاك يستجيرون بالله مما يخافون، ويسألونه ما يريدون.

عباد الرحمن قائمون على الحق: عباد الرحمن لا يكذبون ولا تنطلق السنتهم بشهادة الزور أبدا، فهم يعرفون ما افترض الله عليهم وما حرمه عليهم ويلزمون حدوده ولا يتعدون أمره أبدا، عباد الرحمن أناس اختاروا أن يكون هواهم وفقا لأوامر الله وفي فلك مرضاته والتقرب إليه، أناس لا تشغلهم دنيا فانية ولا متع ذائلة!

أضف تعليق

error: