البطالة.. تحقيق من داخل أسوار الجامعات

البطالة

في الوقت الذي يفترض أن تكون فيه الجامعات رافدا حقيقيا لسوق العمل من خلال تأهيل وتخريج الشباب المسلح بالعلم، أصبحت تخرج آلافا من الأشخاص العاطلين الذين لا يجدون لهم مكانا للعمل، وهذه الجامعات هي نفسها المتهم في إهدار طاقات عشرات الآلاف من الشباب بقبولهم في تخصصات وأقسام لا تفيد المجتمع ولا تمكن خريجيها من إيجاد فرص حقيقية لهم، فكثير من الخبراء طالبوا في أوقات سابقة بإغلاق بعض الأقسام وفتح أقسام أخرى تلبي الاحتياجات وتساعد الشباب في الحصول على عمل، ولكن ذلك لا يتم.. والنتيجة شباب يدرسون تخصصات لا يرغبونها وهمهم هو الحصول على الشهادة الجامعية وبعد ذلك ليحدث ما يحدث.. فتجد الكثير منهم ينتظرون فرصة قد لا تأتي أبدا وقد يطول انتظارها، وتجد آخرين انصرفوا إلى أعمال أخرى لا علاقة لها من قريب ولا بعيد بما درسوه..

حلم.. تبدد

التفكير في الجامعة ودخولها هو ما كان يسيطر على ذهن زياد العتيبي (طالب قسم إعلام في جامعة أم القرى)، ويقول: “عندما تخرجت من الثانوية كنت أفكر بأي وسيلة في الحصول على قبول في الجامعة، وكنت أخشى أن يكون مصيري كالمئات من معارفي وأصدقائي الذين لم يجدوا لهم طريقا للوصول إلى الجامعة”.. ويضيف: “وجدت صعوبة في البداية نظرا إلى عدم وجود التخصص المطلوب الذي كنت أطمح في دراسته، فهو يتطلب نسبة معينة وإتقانا لبعض المهارات، ما جعلني أنصرف إلى قسم آخر ولم يكن أمامي سوى قسم الإعلام الذي لا أفهم فيه كثيرا، لكني قبلت بذلك من أجل تحقيق حلم إكمال الدراسة الجامعية، وشخصيا أعلم بأنه لا مستقبل لي في الإعلام وأن سوق العمل لن يكون في حاجة إلي، لكن الحصول على شهادة البكالوريوس هو هدفي”.

وهنا تقرأ عن: أسباب انتشار البطالة في العالم العربي

شهادة بطالة

ويشير العتيبي إلى أن “بعض التخصصات في الجامعات يمكن أن يطلق عليها أقسام البطالة لأنها بمجرد أن تمنح الطالب الملتحق فيها الوثيقة الجامعية سرعان ما يكتشف أنه أصبح عالة وسوق العمل لا يحتاج إليه، حينها لن يكون أمامه سوى ارتياد المقاهي، وأن يكون رقما جديدا يضاف إلى القائمة الطويلة من العاطلين” وتمنى العتيبي أن تتدخل القيادات التربوية والتعليمية وتضع آليات معينة لتوظيف خريجي الجامعات ومحاولة استيعابهم في سوق العمل.

مصير معلق

نواف المبارك (طالب في كلية العلوم الاجتماعية) عندما تحدثنا معه للإدلاء برأيه أجابنا بعدة تساؤلات، تضع المسؤولية كاملة على عاتق الجامعات وعمادة التسجيل والقبول فيها، قال:” لماذا يتم قبولنا من الأساس؟.. وهل نتحمل المسؤولية لموافقتنا على إكمال تعليمنا في تخصصات لا نرغبها ونجد أنفسنا مرغمين عليها؟.. وما هو مصيرنا حال تخرجنا؟.. ولماذا لا يتم توجيهنا من الأساس؟.. هذه كلها أسئلة جوهرية للأسف لا نجد أي إجابة عنها لدى المسؤولين في الجامعات”.

وعن تخصصه وقصة تسجيله يقول: “كنت أرفضه تماما، لكن وجدت نفسي مرغما على دراسة علوم الاجتماع، وإلا البعد عن الجامعة والانضمام إلى زملائي الذين لم يقبلوا في الجامعات”.. ويضيف: “أعلم أن تخصصي غير مطلوب ولا يتوافق مع سوق العمل، لكن رغم ذلك سأبذل قصارى جهدي لتحقيق معدل عال لكي أستطيع من خلاله التحويل إلى تخصص آخر يكون متلائما مع احتياجات سوق العمل، مع العلم بأن عددا من خريجي الكليات النظرية لا يزالون قيد انتظار التعيين، والكثير منهم لم يتم توظيفهم بعد”.

حلم التعيين

وأضاف نواف قائلا: “بعض الأقسام في الجامعات السعودية لا تنظر ولا تدرس سوق العمل ولا تجري بحوثا دقيقة تستخلص من خلالها معلومات واقعية وتقدمها للطالب فيما يتعلق بمستقبله، وأي كلية بإمكانه الإلتحاق بها ليكون عنصرا فاعلا في المجتمع، ورغم القصور الكبير في القيام بهذا الدور هم يحملون الطلاب المغلوبين على أمرهم ذلك ولا يكلفون أنفسهم التوجيه أو النصح”.

وتساءل المبارك عن تخصصات بات التعيين فيها والحصول على وظيفة أشبه بالحلم؛ كقسم التربية الفنية الذي اعتبره أحد الأقسام الهامة في الجامعات، لكنه لا يخرج إلا معلمي تربية فنية فقط، موضحا أن وزارة التربية والتعليم مكتفية تماما بما لديها من معلمين للتربية الفنية، وأشار نواف إلى أن هذا يعني أن خريجي التربية الفنية لا مكان لهم في المدارس ولسنوات عدة مقبلة، ملمحا إلى أن الالتفاتة الأخيرة من المسؤولين لهذا القسم ووضع دراسات وتخصصات أخرى منها هندسة ديكور وتصاميم وخلافهما، تمكن الخريج من إيجاد عمل له في أي موقع جيد، لكنها ليست كل شيء.

دور مغيب

ويؤكد حسام القرشي (طالب في قسم الجغرافيا) أن بعض الأقسام النظرية الجامعية تحولت إلى مصيدة لكثير من الطلاب الذين تنقصهم الخبرة والدراية بأحوال سوق العمل، فيدخلونها غير مدركين لمصيرهم في المستقبل ولا يتنبهون لذلك إلا بعد تخرجهم، وطالب بضرورة توعية الطلاب بأهمية الأقسام التطبيقية وملاءمتها للسوق حتى يحدد الطالب ملامح مستقبله بيده وفق إمكانياته ومواهبه وتطلعاته، ويلفت حسام النظر إلى أهمية تنشيط دور المدارس الثانوية في توعية الطلاب مهنيا ووظيفيا، مشيرا إلى أن أغلب خريجي الثانوية العامة لا يملكون أبسط المعلومات عن الجامعات والتخصصات وسوق العمل والفرص الوظيفية المتاحة لهم، ومن ثم يكون اختيارهم للتخصص عشوائيا، مشيرا في الوقت ذاته إلى أنه غير مقتنع بتخصصه لكنه قبل به لقضاء وقت فراغه، على حسب تعبيره، وأيضا حتى لا يطلق عليه لقب عاطل من قبل أصدقائه وأقاربه.

من جِهة أُخرى؛ تقرأ هنا عن: فوائد العمل من المنزل وسلبياته

تجارة بشهادة أحياء

ويضيف فهد العتيبي (خريج قسم الأحياء ولم يتحصل على وظيفة): “نظرا إلى تخرجي من الثانوية العامة القسم العلمي، التحقت مباشرة بالجامعة لدراسة علوم الأحياء، وبعد أن أمضيت سنوات الدراسة في القسم عندي طموح وآمال كبيرة في أن أجد فرصة مناسبة لي في سوق العمل، تبدد ذلك بعد سنوات من التخرج، ولأنه كان من الضروري أن أعمل فكرت في مشروع تجاري لا علاقة له بالأحياء وعلومها، وحتى اللحظة لم أستفد من شهاداتي التي كنت أعتقد أنها ستكون مفتاح سعادتي، ولم تجُد علي بريال واحد”.

وأضاف العتيبي: “من واقع تجربتي أرى أنه من الضروري أن يتم تقليص عدد المقبولين بالتخصصات النظرية، ومن الضروري أيضا إغلاق جميع الأقسام التي لا تحل مشكلة البطالة ولا تسهم في الحد من انتشارها”.

المسؤولية مشتركة

ويرى محمد الزهراني (طالب خدمة اجتماعية) أن التخصص الذي يدرسه جيد ومقارب للنسبة التي تحصل عليها في الثانوية العامة، مضافا إليها نسبة القياس، لكن المشكلة هي أن معظم الشباب لا يفكرون في مستقبلهم نظرا إلى انخراطهم في الدراسة، ويضيف: “الدور الأكبر يقع على عاتق الجامعات ويجب أن توعي الطالب وتوجهه، فهي على دراية تامة بالتخصصات المطلوبة التي يحتاج إليها سوق العمل”..

ويشير إلى أن كثيرا من زملائه يشكلون ما نسبته 80 في المئة دخلوا أقساما في الجامعات لا تخدم طموحاتهم المستقبلية، أو لا توجد لديهم رؤية وتخطيط سليم لمستقبلهم بالتالي يتدارك بعضهم الموقف ويغير القسم إن استطاع، بينما يستمر آخرون وهم لا يعلمون حقيقة ما ينتظرهم.

تحقيق/بقلم: حامد القرشي

أضف تعليق

error: