أنيس منصور يكتب «الأطفال»

  • الأطفال يحبون تحطيم الأشياء.. والقوانين أيضا؟!
  • الذي يقول إنه ينام كالطفل، لا يعرف كيف ينام الطفل!
  • اذا أردت ألا يسمع الطفل ماتقول، فتظاهر بأنك تتحدث إليه!!
  • العائلات التي بها أطفال والعائلات التي ليس بها أطفال – تشعر بالأسف بعضها لبعض!
  • الأطفال مثل الأسمنت المبلل – كل مايقع عليه يترك أثرا عميقا!
  • الأطفال ملائكة.. تقصر أجنحتهم عندما تطول أرجلهم!
  • يزيد عدد التوائم هذه الأيام – فهل لأن الطفل يخاف أن يواجه الدنيا وحيدا!
  • هناك نوعان من الأطفال: أطفال يعصون كل الأوامر.. وأطفال لا يقال لهم ماذا يفعلون!
  • العلم الحديث لا يستطيع أن يقضي على النوم نهائيا – ولكن الأطفال يستطيعون!
  • المنبه هو الساعة التي يستخدمها الآباء ليستيقظوا من النوم – عندما لا يكون عندهم أطفال!
  • نحن في زمن يقوم فيه الأطفال بتربية آبائهم!
  • الأطفال وجع في الدماغ اذا اقتربوا، ووجع في القلب اذا ابتعدوا!

يقال: إن راقصة الباليه ايزادوره دنكان قالت للأديب الساخر برنارد شو: تصور لو تزوجنا فكانت لنا طفلة ورثت جمال أمها وذكاء أبيها – ما أسعدها!

فقال لها برنارد شو: أو أخذت دمامة أبيها وغباوة أمها – فما أتعسها!

قال الزعيم السياسي الأغريقي ثيموتكلس: إن ابني هذا هو أقوي إنسان في العالم.. هو يحكم أمه وأمه تحكمني وأنا أحكم الشعب الأغريقي الذي يحكم العالم!

  • الأطفال هم ثروة الفقراء!
  • السعيد هو السعيد بأولاده ومعهم.. ومن غيرهم!
  • الطفل يرضع أمه صغيرا، ويرضع أباه كبيرا!

ولكن الدنيا تغيرت.. ولم تعد هذه المعاني إلا رموزا متواضعة.. فاختلف معني الأب والأم.. ومعني هذه العلاقة التي تأتي بالأطفال.. والزوجة والصداقة.. والعلاقة الشرعية والعلاقة غير الشرعية.. ففي الدول الأوروبية والأمريكية لم يعد من الضروري أن تكون العلاقة شرعية ليكون من حق أية امرأة أن يكون لها طفل. فلم يعد أحد يسأل الأم إن كانت تعرف أبا لهذا الطفل. وإنما الطفل اذا ولد فهو مواطن له كل حقوق المواطنين..

فالطفل ليس مسئولا عن العلاقة التي أتت به.. فهذا شأن أبيه وشأن أمه..

ولذلك فهناك أمهات غير متزوجات لم يتزوجن قط.. ملايين الأمهات..

وكان المجتمع يفزع من ميلاد طفل من علاقة غير شرعية.. وكانت الأمهات تلقي به في لفافة من الورق.. تلقي به أمام باب المعبد.. أو في أسانسير لأنها لا تعرف أين تذهب به.. وتخشي أن يتهمها الناس بالفجور.. لقد تغيرت النظرة إلى الطفل وإلي أم الطفل.. ولذلك كان من المألوف أن تجد الأم الواحدة عندها ثلاثة أو أربعة أطفال كل واحد له اسمه.. لأنهم من عدة آباء.. ويكونون أبيض وأسود وأصفر وأسود.. وهم جميعا من أم واحدة وعدة آباء..

فالحياة الأوروبية والأمريكية تغيرت وتنوعت.. وأصبحت الحياة صعبة فليس من السهل أن تتزوج الفتاة.. وليس من الممكن إذا تزوجت أن تحتفظ بالزوج أو يحتفظ بها الزوج.. ولذلك اختار الأزواج الاقامة معا والاعتراف بالأطفال اذا جاءوا.. والانفصال في أي وقت!!

واذا انفصل الزوجان فإنهما يتفقان على من الذي يحتفظ بالأطفال.. وهناك ملايين الآباء يقومون بتربية الأولاد.. أما الأمهات فيهربن من الحياة معا.. سواء كانت شرعية أو غير شرعية.. وقد ظهر كثير من الأفلام تصور الرجل وهو يقوم بدور الأب والأم ويذهب بالأطفال إلى المدرسة وإلي السوق وإلي الملاعب.. وهو يخيط الملابس ويركب الزراير.. ويرضع الأطفال لبنا صناعيا.. ويجلس بأطفاله بين الأمهات اللاتي بلا أزواج.. ومعظم هذه الأفلام كانت للسخرية من هذا الوضع الاجتماعي الشاذ.. ولكن هذا الوضع لم يعد شاذا. وإنما هم الذين اختاروا أن يواجهوا صعوبات الحياة بدون خادمات.. أو مع مشاكل الخادمات اللاتي يعملن بالساعة.. ثم عجز الآباء عن دفع أجور الخادمات.. ومحاولة الشركات أن تخترع وسائل الأكل والشرب والنوم التي تجعل الأب يستغني عن مساعدة الخادمات أو الجارات.. ورأينا أفلاما تعرض مثل هذه المشاكل في البيت الواحد.. أو في الحي الواحد فيتبادل الرجال والنساء حضانة الأطفال وتعليمهم والعناية بهم.

وكلما حدثت اضطرابات اجتماعية أو أزمات اقتصادية، كان الطفل هو الضحية الأولي لكل ما يصيب الوالدين من خلافات نفسية.. أو متاعب اقتصادية..

وكانت حرب فيتنام أكبر مأساة واجهت الطفل الأسيوي.. فقد أسفرت هذه الحرب الطويلة المعقدة عن مئات الألوف من الأطفال الضالين.. فالأطفال يولدون في الغابات والمستنقعات وفي المخابئ وفي اللوريات.. وتصبح الأم عاجزة عن تربية الطفل ولذلك فهي تتركه كالكلاب الضالة.. يقوم بالاعتماد على نفسه.. يأكل من الأرض.. أو يتسول الطعام والشراب – هذا اذا عاش.. وقد عاش مئات الألوف من الأطفال حياة معذبة جائعة خائفة.. ضالة.. وكانت الشعوب الأسيوية تشحن هؤلاء الأطفال في الزوارق.

وتتركهم عند الشواطيء.. وتلاحقهم المؤسسات الانسانية فتدركهم قبل أن يموتوا، أو تعرضهم للبيع أو لمن يريد أن يتبني هؤلاء الأطفال – هؤلاء الأطفال هم مخلفات الحروب مخلفات الصراعات العسكرية أو العقائدية بين الكبار.. وبعد أن حسم الكبار مشاكلهم.. بقي هؤلاء الأطفال مشاكل حية، لم نجد لها حلا!!

وتكررت نفس المأساة في رومانيا فبعد اضطرابات الثورة على الرئيس شاوشيسكو مات عشرات الألوف من الأمهات والآباء.. وبقي ألوف الأطفال بلا عائل.. لا أب ولا أم.. وإذا كان هناك أب أو أم، فإنهم غير قادرين على حضانه الأطفال ورعايتهم.. ولذلك انتقل الأطفال إلى الملاجيء في أوروبا الغربية.. أو إلى العائلات التي بلا أطفال!!

وهناك المشكلة المزمنة للعائلات التي لم ترزق بالطفل هذه العائلات تعلن في الصحف وفي المجتمعات والكنائس عن حاجتها إلى طفل تتبناه وترعاه.. أو تشتريه بأي ثمن!!

وتشكلت بسرعة جمعيات لشراء الأطفال من دول العالم الثالث.. أي من العالم الفقير.. فالأسرة الأمريكية لها مطالب: تريد طفلا أسمر.. أو أصفر.. أو أسود أو ذهبي الشعر أزرق العينين أشقر.. وتقوم الشركات الوسيطة بتدبير طلبات الزبائن..

أُما من التي تبيع طفلها الأشقر؟

إنهن الطالبات في الجامعات الأمريكية والأوروبية.. فهناك مئات الألوف من الشابات قد أنجبن أطفالا لايقدرون على تربيتهم.. فتقوم هذه الشركات بالتعاقد مع الطالبة.. وتتعهد بدفع مبلغ من المال تحت الحساب.. لكي تصبح الطالبة قادرة على مواصلة الدراسة والغذاء الصحي أثناء الحمل.. ثم تتعاقد معها الشركة على دفع تكاليف الولادة والحضانة عدة شهور أو سنة حتي يصبح الطفل قادرا على تحمل الانتقال من قارة إلى قارة أو دولة إلى دولة!!

بل إن الشركة تتفق مع الأم على أن تأتي بولد من أب سويدي أو زنجي ملون.. وتقوم الأم بتدبير ذلك طبقا للعقد المبرم بينها وبين هذه الشركة..

أما اذا كانت الأم قد أنجبت توءما ولدين أو بنتين. ارتفع السعر..

ولابد أن تتعهد الأم بالتنازل عن طفلها نهائيا ولايحق لها أن تطالب به إذا ماعرفت مكانه.. أو عرفت الأسرة التي تبنته.

وهناك مئات الشركات الأمريكية والأوروبية تتاجر في الأطفال وهي شركات تخفف من عذاب الأم غير المتزوجة، وتسعد الأم المتزوجة التي لم ترزق بالولد أو البنت!!

إنها مشكلة الطفل الوحيد..

الذي لايجد الأم اذا وجد الأب، ولايجد الأب إذا وجد الأم.. أو لايجد الاثنين معا.. أو الذي يعرف عندما يكبر أنهما باعاه.. وإنهما نقلاه من قارة إلى قارة.. وإنه مثل الحيوانات الأخري.. أي أنه كائن حي ليست له جذور اجتماعية.. وليس له أصل إنساني.. وإنه لقيط.. وإن الشركات هي التي عينت له أبا وعينت له أما.. وأن الناس جميعا يعرفون من هو.. وانه لذلك مختلف عن بقية خلق الله.. وانه لايكن احتراما أو حبا لأحد من الناس.. وإن هذه المرارة هي التي توقظ فيه كل رغبات الانتقام.. من أي أحد.. من أي أب ومن أي أم.. الانتقام من كل الناس الذين ظلموه وقهروه وحرموه من أبسط حقوق الكلاب التي ترضعها الأم وترعاها حتي تكبر وقد امتلأت الأفلام بقصص هؤلاء المظلومين الذين يتمنون أن يكونوا ظالمين.. هؤلاء الذين قست عليهم الظروف، فتحفزوا وانتظروا لكي يكونوا هم أيضا قساة على بقية الناس!

ومعني ذلك أن الطفل الذي لايلقي البيئة الصحية من الأب والأم والأخوة.. والاحترام الاجتماعي لابد أن ينحرف.. ويكون انحرافه عدائيا أي ضد المجتمع الذي حرمه من أن يكون واحدا مثل الآخرين..

وفي التاريخ أحداث كثيرة عن الأطفال الذين تركتهم أمهاتهم واحتضنتهم الحيوانات.. هناك الإنسان الذئب.. أي الذي احتضنته ذئبه وراحت ترضعه.. حتي كبر هذا الطفل يمشي على أربع.. ويطلق أصواتا كالذئاب.. وعندما أمكن اعتقال هذا الإنسان الذئب وجدوه لا يأكل إلا اللحوم.. ولا يمشي إلا على يديه ورجليه.. وعندما حاولوا أن يعلموه الكلام وأن يجعلوه يأكل ما يأكله البشر مات..

وهناك الانسان الغزال الذي ظهر في بلاد كثيرة..

ولكن المعني: هو أن الإنسان اذا لم يجد الرعاية الانسانية فإنه يتحول إلى الحيوانيه.. فيكون ذئبا ويكون ثعلبا ويكون أفعي.. فهذه القسوة الاجتماعية توقظ فيه كل غرائز الحيوان لكي ينقض على الآخرين..

ولذلك انحرف الأبناء..

وظهرت كل أشكال الخلل الاجتماعي والشذوذ النفسي والهوس الديني.. وكل مظاهر الهرب بالمخدرات أو بالنوم أو التعصب الديني.. أو الانتحار الجماعي.. أو الزواج الطفولي.. فقد تزوج الشبان دون العشرين بعضهم من بعض وكان لهم أطفال.. أي أصبح الآباء الأطفال يرعون أطفالا آخرين.. أي أن الطفل الذي لم يلق رعاية من أبويه أصبح أبا ليربي أطفالا آخرين!!

هذه هي خيوط المستقبل في كثير من الدول وبدرجات مختلفة – المستقبل الذي يولد الآن على شكل أطفال يفتقدون الأب والأم ولايعرفون معني الأسرة ولامعني التعاون..

هذه علامات المستقبل الذي ولدته الحياة الاجتماعية التي يغرق فيها الأب يومه بالعمل وليله بالفرجة على التليفزيون.. وكذلك الأم غارقة في عملها نهارا من متاعب العمل والبيت والأولاد ليلا!

بقلم: أنيس منصور

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error:
Scroll to Top