أكتوبر 73 .. وجع في قلب إسرائيل

أكتوبر 73

أكتوبر النصر والعزة واسترداد الكرامة، لذا كنا ونحن صغار كلما طلب منا موضوع عن أكتوبر نعبر عن الفرحة ومظاهر الانتصار التي شهدتها مصرنا الحبيبة في أكتوبر، وكيف كان أهلينا يزفون أبنائهم الشهداء إلى مثواهم الأخير وهم يغنون ويرقصون فرحًا، يودعونهم وهم مستبشرين بما ينتظر أبنائهم من جنات الخلد والأجر الكريم، وما ينتظرهم من التمتع بالحرية والكرامة والكبرياء الذي استباحه العدو الصهيوني، غير أني هذه المرة يغريني أن أنقل أحداث المسرحية المأساوية على الجانب الآخر، وأن أرصد عن قرب وأتخيل معك عزيزي القارئ كيف استقبلت اسرائيل الخبر، وكيف شلت المفاجأة أفكارهم، وكيف كان صوت نحيبهم يتردد في أرجاء تلك البقعة التي يعبشون فيها، وكيف راحت معابدهم تعكس تفاصيل الفاجعة الكبرى.

يوم الغفران الكئيب

كان يوم السادس من أكتوبر لعام 1973 موافقًا ليوم الغفران أو (كيبور) يوم مقدس عند الاسرائيليين، يتعطل فيه كل شيء وينقطع الناس فيه للعبادة والصوم ويتوقف البث وتتوقف كافة أنشطة الحياة الدنيوية حتى ينفخ في البوق إشارة إلى انتهاء الصوم والصلاة مع حلول الظلام، ولكن هذا اليوم بالذات لم تسر الأمور فيه كما هو معتاد، حيث كان يحمل لهم يومهم المقدس صفعة مذهلة.

حزن الجميع وشلت المفاجأة تفكيرهم، تبدلت طقوسهم وخيمت الفجيعة على أنحاء عالمهم، كان يومًا كئيبًا بحق والكل يدافع الرعب والهلع الذي احتل القلوب، والقلق على المستقبل بعد هجوم الجيش المصري والجيش السوري على اسرائيل.

مزيد من الأعياد الحزينة

لم تكد تمضي فترة طويلة على يوم الغفران الذي تبدل فيه حال العدو الصهيوني إلى مأساة لا يحسد عليها حتى حل عيد آخر يطلقون عليه عيد الحصاد، حيث اعتادوا على الاحتفال بحصاد المحاصيل الصيفية، غير أنه جاء مختلفًا هذا العام وقد شبت نيرات الحسرة في قلوب معظم الاسرائيليين فلا يوجد بينهم قلب إلا وذاق مرارة الفقد بقتل قريب أو صديق أو حبيب، فاكتسى هذا العيد بالسواد والحزن والبكاء والرثاء.

وبعد مضي حوالي ثلاثة عشر يوما حل باليهود عيد ثالث عيد للفرح والبهجة والسرور والذي يطلق عليه اليهود اسم (عيد سمحات التوراة) ،قد اعتادوا في هذا العيد أن يخرجوا ويمرحوا ويرقصوا كل عام، ولكنه جاء هذا العام مختلفًا حيث تقرر الغاء الاحتفال، وتم حظر الأضواء وانغمس لجميع في الظلام والحزن وكان الموت قد طال كل القلوب ولم يترك أحدًا من الاسرائيليين، ومع غروب شمس هذا العيد اسدلت الستائر داخل المعبد ليحجب الضوء عن الخارج، وقد ضمت المعابد النساء والأطفال والمسنين الثكالى والمصابين أما الشباب فقد خرجوا لمواجهة المصير المجهول وقد مات معظمهم.

وليس أدل على الفجيعة والخسارة من لجوء إسرائيل إلى انشاء ثلاثة مقابر جديدة لضحايا حرب 6 أكتوبر، أحداهما في تل أبيب والتي خصصت لضحايا القيادات العسكرية المركزية، وانشئ مدفنًا ثانيًا في عفولا والذي خصص لقتلى القيادة الشمالية العسكرية، أما المقبرة الثالثة فكانت في منطقة تبعد 30 كيلو متر وتلك خاصة بقتلى القيادة العسكرية الجنوبية بسيناء والتي ضمت أكبر عددا من القتلى.

وقد خرج الرئيس الاسرائيلي افرايم كاتزير ليعلن على مسامع الدنيا أن اسرائيل ارتكبت عدد كبر من الأخطاء الفادحة والتي يجب على الجميع أن يتحمل نتائجها، وصرح أن اسرائيل عاشت في عالم من الوهم والغرور والخيال الذي لم يقدر امكانيات العدو ولم يحسب له حساب، فكانت النتيجة ما عاناه الإسرائيليون.

وكانت تلك محاولة لرصد مشهد طوته صفحات التاريخ ومضت عليه عشرات الأعوام لكنه سيظل محفورًا ضمن خيبات اسرائيل، وضمن انتصار ارادة المصريين حين يشتد العزم وتتحد الهمم.

أضف تعليق

error: