أحوال المؤمن

صورة , مسلم , المؤمن , الصلاة
الصلاة

قدرنا أن نحيا في هذه الحياة المتقلبة، تبتسم لنا حينا وتعبث في وجوهنا حينا آخر، تعطينا وتأخذ منا، وهذه هي سمتها وديدنها، لا تدوم على حال، وفعلا من سره زمن ساءته أزمان، ولكل منا ردة فعل تجاه تقلبات الدهر وتغيراته، ولكل منا إجابته الخاصة عن تلك الاختبارات ما بين النعمة والنقمة والتي تحدد في النهاية درجته ومقامه بين الصالحين والمؤمنين.

وكثير من الناس يدعي الإيمان بالله ويزعم حسن السمع والطاعة ولكن يظل الادعاء في حاجة دائما إلى برهان ودليل عملي يثبت صحته أو ينفيه، وهنا سوف نتناول أحوال المؤمن، وكيف يستقبل ويتكيف مع أحوال الأيام وتقلباتها بين الرخاء والشقاء، وبين المنع والعطاء، مبينين ما علمته لنا السنة النبوية من أداب وأذكار نقولها ونرددها ونوطن أنفسنا على ما تنطوي عليه من معان.

أولا: حال المؤمن مع النعمة

الله عز وجل يكرم عباده المؤمنين –وغير المؤمنين- بفيض من النعم والعطايا تعجز عن إحصائه العقول والقلوب، فنعمه لا تعد ولا تحصى وعطاياه الكريمة لا تنقطع، فهو الذي يمنحنا الصحة ويتم نعمه علينا باتباع شريعته والسير على سنة حبيبه المصطفى –صل الله عليه وسلم- ويجزل لنا العطاء ويوسع الأرزاق والهبات لمن يشاء من عباده، ومن ثم فإن من تمام إيمان المرء بالله وحسن استقباله للنعمة أن يلتزم الشكر، فالنعمة تستوجب الشكر والحمد لله وحسن الثناء عليه وتذكر نعمه، وكما جاء في الأثر (أن من لم يشكر الناس لم يشكر الله) فالشكر هو عادة يعتادها المؤمن تجاه كل ما حوله من النعم سواء ساقها الله له على صورة رزق أو عطاء رباني أو ساقها على يد بعض خلقه.

والشكر هو في الأصل اعتراف بنعم الله وفضله، وبقاء القلب على محبته، وحفظ الجوارح على طاعته، وجريان اللسان بذكره، ولشدة أهميته ومكانته بين العبادات القلبية أوصى الله به عباده في محكم التنزيل حيث يقول عز وجل: “فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ”.

ومن ثمرات الشكر أن الله جعله شرطا يستوجب زيادة النعم والبركة فيها، كما جعله الله نجاة من عذابه حيث يقول عز وجل: “مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ “.

ومن صور الشكر لله على النعم أن يستعين بنعمه على طاعته، ويستغلها في السعي إلى مرضاته وعبادته، ومنها أن يؤتي حقها من الصدقات الواجبة والتطوعية، ومنها أن ينسب الفضل والنعم إلى الله لا إلى الأسباب، ومنها أن يتحدث لسان حاله بتلك النعم كما أوصى الله بذلك إذ يقول “وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ” وأخيرا أن لا يغتر بما لديه من نعم أو يمشي في الأرض مختالا متكبرا بما أوتي منها، وليعلم أن الله الذي أعطى بيده أن يأخذ وأنه كما أعز بيده أن يذل، فلا يأمن مكر الله إلى الظالمون والسفهاء والحمقى.

ثانيا: حال المؤمن مع النقمة والابتلاء

من علامات الإيمان الحق الصبر عند حلول النقم أو الابتلاءات، والصبر هو قوة القلب على تحمل المصيبة وتقبلها مع التسليم التام لله عز ول والرضا بحكمه، واليقين بحكمته، والصبر هو ضد الجزع.

وللصبر شروط تجعل المتحل به يرقى إلى مقام الصابرين ومنها، أن يكون الصبر عند الصدمة الأولى، أي عند تلقي الخبر المكروه، وأن لا يكون معه شكوى، فمهما يكن من قسوة المصاب وشدة الابتلاء فلا يليق بالمؤمن أن يشكو الخالق إلى الخلق، ومن شروطه أن يسترجع ويسلم بأمر الله راضيا وأن يترك دعوة الجاهلية ولا يتلفظ أبدا بعبارات السخط أو الاعتراض على أمر الله.

ولا يصح أن يمضي الحديث أبدا دون أن نذكر حديث النبي –صل الله عليه وسلم- الذي يقول فيما معناه: عجبا لأمر المؤمن فأمره كله خير، قيل كيف يا رسول الله؟ قال إن أصابته سراء شكر فكان خير له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له.

والصبر من العبادات القلبية التي خصها الله بأجر عظيم، حيث يضاعف الله الأجر للصابرين ويجزل لهم العطاء، قال تعالى: “إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ”، وليس ذلك بحسب ولكن الله اصطفى الصابرين بمعيته وجعلهم من أهل محبته وكفى بهما أجرا، يقول تعالي في محكم التنزيل: “إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ” ويقول في موضع آخر: “وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ “.

أضف تعليق

error: