خطبة عن الأخوة في الله والمتحابون فيه ﷻ

تريدون خطبة عن الأخوة في الله؛ أو قُل خطبة الجمعة عن الْمُتَحَابُّونَ في الله. نعم، نحن نُدرك ذلك؛ ومن أجل هذا أعددنا لكم مادَّة قوية، لتكون خطبة الجمعة القادمة على قدر من البلاغة والتأثير والقوَّة؛ حول هذا الموضوع.

مقدمة الخطبة

الحمد لله الذي أكرمنا بالدين، وجعلنا فيه إخوة متحابين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولي المؤمنين، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، رحمة الله للعالمين، ﷺ، وعلى آله وصحبه وأتباعه أهل الأخوة الصادقة، الهداة المهتدين.

أما بعد، فاتقوا الله -عباد الله- واسمعوا وصية ربكم لكم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ﴾.

الخطبة الأولى

أيها المؤمنون؛ إن من أعظم العرى التي حرص الإسلام على توثيقها عروة الأخوة في الدين، فكان الإسلام بذلك على نهج غير النهج الذي كان عليه الناس قبله؛ فقد كانت رابطة النسب والقبيلة غالبة على كل الروابط، فجعل الإسلام رابطة الأخوة في الدين فوق كل رابطة.

والأخوة التي دعا إليها الإسلام ليست كلاما وأشكالا، بل هي معنى وأي معنى، يكون المسلم بهذه الرابطة ذا حقوق وواجبات، له ما له وعليه ما عليه، يفعل ذلك عن طواعية وطيب نفس، لا عن جبر وإكراه؛ لأن الإسلام في مقاصده وتشريعاته وأحكامه وحكمه لا يخرج عن مطالب الفطرة التي فطر الله الناس عليها، بل إن تلك التشريعات والأحكام والمقاصد من حاجة الإنسان التي لا يمكن له أن يحيا من دونها؛ فقد خلق الله هذا الإنسان محتاجا إلى أخ وصديق، فتجد الطفل الصغير الذي لا يدرك معنى الأخوة والصداقة تحمله فطرته على اتخاذ أخ وصديق، فكيف بالكبير من الرجال والنساء!

ولما كان الإنسان مفطورا على هذه الصفة راعى الإسلام تلك الفطرة – عباد الله – فجعل الصديق واحدا من أفراد الأسرة؛ لكثرة دخوله إلى بيت أخيه، وخروج أخيه معه، وتعاونهما على البر والتقوى، ووقوف كل واحد منهما مع أخيه في الرخاء والشدة، والسراء والضراء، والغنى والفقر، والصحة والمرض، من غير أن يكون هناك حرج بين ذينك المتآخيين المتصادقين؛ متحققا بذلك المقصد الكبير في دين الله الذي ذكره ربنا ﷻ في قوله: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾، وقال عنه جل جلاله: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾.

ومن قرأ آية سورة النور التي ذكر الله ﷻ الصديق -وكأنه فرد من الأسرة- أدرك هذا المعنى، ووقف عند تيسير الدين ورفعه الحرج عن العباد، ﴿فَضْلا مِّنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾.

فاسمعوا – أيها المؤمنون – قول ربكم ﷻ في سورة النور؛ فإنه يقول في محكم تنزيله: ﴿لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلا عَلَى أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُوا مِن بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُم مَّفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون﴾.

فانظروا -إخوة الإيمان- كيف أن ربنا ﷻ ذكر الصديق عند ذكره الآباء والأمهات، والإخوة والأخوات والأعمام والعمات والأخوال والخالات، إلا أن الأخوة والصداقة ذات صفات في الإسلام؛ فإن الله جل جلاله نادى المؤمنين والمؤمنات فقال لهم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ﴾.

نعم، كونوا – عباد الله – في صحبة الصادقين في قولهم وفعلهم، وسلوكهم وتعاملهم، لا يغيرهم تغير الحال، من إذا أحسن صاحبه قال له أحسنت، وإذا أساء قال له أسأت، وأرشده إلى الصواب، من تجده عند أخيه راجيا أن تشملهما الرحمة التي جعلها الله للمتحابين فيه، ففي الحديث القدسي يقول ربنا ﷻ: «وجبت رحمتي للمتحابين في»، وماذا أعظم من أن يكون الإنسان من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله؛ فمن أولئك السبعة، «رجلان تحابا في الله، اجتمعا وتفرقا على ذلك».

أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم، وادعوه يستجب لكم، إنه هو البر الكريم.

وهنا: خطبة عن الصداقة والصحبة الصالحة «مكتوبة»

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله، ﷺ وعلى آله وصحبه وأتباعه المؤمنين الصادقين.

أما بعد، فاتقوا الله -عباد الله- واعلموا أن هناك أخوة عامة في الإسلام؛ فالله ﷻ يقول: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾، وإن لهذه الأخوة حقوقا وواجبات بيّنها النبي ﷺ في قوله: «المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله ولا يكذبه ولا يحقره، التقوى هاهنا – ويشير إلى صدره الشريف ثلاث مرات – بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه».

وفي الإسلام – أيها المؤمنون – أخوة خاصة، وإن من أجلى صور هذه الأخوة تلك التي كانت على عهد رسول الله ﷺ؛ فقد آخى قبل الهجرة بين المهاجرين أنفسهم، فجعل لكل واحد من المؤمنين أخا في الله، ثم آخى بين المهاجرين والأنصار بعد الهجرة، فجعل لكل واحد من المهاجرين أخا من الأنصار، ولله تلك الأخوة التي تكاد تكون منقطعة النظير؛ فإنها جاوزت محبة الإنسان لأخيه ما يحبه لنفسه إلى الإيثار على النفس، وحسبنا ثناء الله ﷻ في قوله: ﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾.

هذا، وصلوا وسلموا على رسول الله الأمين، فقد أمركم ربكم بذلك حين قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.

وختامًا؛ أوصيكم أيضًا بالاطلاع هنا على: خطبة قصيرة عن الصبر

أضف تعليق

error: