مقال عن صيانة المال العام

صيانة المال العام

إن المال العام أمانة في رقبة كل مواطن، يعيش على أرضه، يسعى لرفعته، فالمال العام هو مال الشعب لا يخرج إلا من جيوبهم، يبنون به المرافق، والمؤسسات، والطرق.. وكل شيء يساهم في خدمتهم، ويعطي انطباعًا للغير أن هذه الدولة، وهذا المجتمع، وصل إلى مكانة كبيرة من الرقي، والتقدم، وصار له منزلة، منشأها التطور والتحضر، العقلي والتكنولوجي.

لذلك فإنه من الواجب على كل مواطن، يعيش في مجتمع تتجلى فيه مظاهر المال العام، أن يحافظ عليه، ويصونه، ولا يبطش به، بأن يهدم الدولة التي يعيش على أرضها، أو يسرق منها، أو يفعل أمور مشينة في حق وطنه ومجتمعه، والشعب المترابط في رباط الأخوة.

ولكن قبل أن ندخل في تفاصيل المال العام، ونشير إلى عدة مظاهر في الوطن من مظاهر المال العام، وننبه على أثر إهدار المال العام أو نهبه، وكيفية الحفاظ عليه، نبدأ بتعريف المال العام، تعريفًا شاملًا لكل جوانبه.

معنى المال العام

إذا حاولنا أن نضع مفهومًا شاملًا لمعنى المال العام، فإنا نقول: أن المال العام معناه: هو المال الذي تملكه الدولة أو الأشخاص العامة، وتكون مخصصة لمنفعة عامة الشعب، لقضاء مصالحهم، وتسهيل أمور حياتهم.

ومظاهر المال العام تتجلى في كل مكان يسير في الإنسان على أرض وطنه: المال العام في المدارس التي تعد لتعليم الطلاب، وتنشئتهم على الأخلاق القويمة، والعلم السليم. والمال العام يتجلى في المستشفيات التي تعد لنجدة المصابين بالأمراض بكل أنواعها، لذا من الواجب الحفاظ عليها، والعمل على تطويرها والمال العام يتجلى في المرافق العامة التي يمر بها الإنسان كل يوم، ويمر عليها في الشوارع، من الحدائق، والطرق، والأرصفة، والمباني التي تسهم في إنجاز مصالح المواطنين. المال العام يتجلى في المصانع، والشركات، والعقارات، والمواصلات العامة وكل شيء استطاع المواطن أن يسهم فيه بطريقة أو بأخرى.

لذا من الواجب الحفاظ عليه، من باب الحفاظ على الأمانة التي ساهم فيها كل فرد من أفراد الشعب المتآخي.

أثر إهدار المال العام

إن المال العام، كما أشرت، هو كل ما يملكه الشعب، وساهم في إنشائها بطريقة أو بأخرى، أو ساعد في تطويرها، لذا يجب الحفاظ عليه. لكن ماذا لو أن إنسانًا مهملًا يسير في المرافق يهدمها، ويهدر فيها؟ ماذا يعود على الإنسان الذي يقطع الأشجار، ويكسر الأرصفة، ويلوث الجو، ويرمي القمامة على قارعة الطريق؟ هل الأثر السلبي يعود على هذا الإنسان وحده أم سيأخذ في طريقه كل إنسان آخر من أبناء شعبه؟

هذا ما سأحاول أن ألقي عليه الضوء في الأسطر القليلة المعدودة الآتية.

إن إهدار المال العام في البادئ يعود بالسلب على كل المواطنين؛ فالإنسان الذي يسير في إهمال، يقطع الأشجار، ويلوث الأجواء، ويهدم الطرقات بطرقه العجيبة، ويلقي القمامة هنا وهناك، ينتشر أثر ذلك في كل الوطن والمجتمع، ويصيب أذاه كل إنسان آخر.

فالقمامة التي تملأ الشوارع يتسرب تلوثها في الهواء، ويعكر الجو، مما يعود بالأمراض على المواطنين، وخلق جو من التخلف يفسد الصورة العامة للوطن والمجتمع.

والإنسان الذي يقطع الأشجار، والنباتات الخضراء في الشوارع أيضًا، يعود بالسلب على الأجواء، ومن ثم يصيب كل إنسان آخر في الوطن، وأيضًا يعطي صورة غير حضارية للوطن أو الدولة.

والإنسان الذي يسير في الشوارع يكتب على الحوائط، ويفسد في المال العام، ويساهم في فساد سائر المرافق العامة الخاصة بالدولة، سواء بالنهب أو بالسرقة أو بالتدمير والإهدار، فإنه بذلك يفعل أمرًا إجراميًا، يستوجب معاقبة القانون عليها.

إن الفساد الذي نراه في بعض المسئولين، من السلب، والنهب، والتدمير، والاحتكار، نوع من الآثار السلبية للمال العام.

تخيل أنك تعيش في منزل كل شخص فيه يسرق من مال الآخر، ما الصورة التي يمكن أن تنعكس فيما بينهم؟ إنها صورة من عدم الأمان، والاحتقار، وقلة الثقة. وتخيل ماذا يمكن أن يرى الآخرين هذه الأسرة؟ سيرونها أسرة مفككة لا تحافظ على نفسها أو منزلها ويعيشون في فساد وتفكك دائمًا. وهذا الحال أيضًا ينطبق على الدولة.

إن إهدار المال العام يساهم بطريقة أو أخرى في التخلف الذي نراه الآن يحيق بالدول، ويهبط بها إلى غياهب الانحدار؛ إذ يؤدي إهدار المال العام إلى أن يسود جو من الفساد والتخلف في العقول، التي تسعى دائمًا إلى التدمير، وليس التعمير.

غير أن المال العام يعد أمانة في رقبة كل مواطن، إذ إن كل مواطن يساهم بطريقة أو بأخرى في هذا المال، فلا يجب على واحد منهم أن يدمر المال العام كأنه ماله الخاص، بل يجب أن يحافظ على الأمانة الموجودة لمساعدة العامة.

تلك هي الآثار المترتبة على إهدار المال العام، وهي آثار وخيمة، تؤدي إلى الانحدار والانهيار والتخلف وسواد الفساد في الوطن والمجتمعات. تلك الآثار لا يمكن تفاديها إلا إذا ابتدأ كل إنسان من ناحيته للحفاظ على المال العام، وعدم إهداره، وهو ما سأفرد فيه القول في الأسطر القليلة الآتية.

صيانة المال العام

إن صيانة المال العام هدف لابد أن يضعه كل إنسان نصب عينيه، ولا تسول له نفسه أن يساهم في تدميرها وإهدار الأمانة التي ساهم فيها كل مواطن؛ فالمساجد، والكنائس، والمؤسسات، والوزارات، والجامعات، والمدارس، والطرق، والمرافق العامة بكل أنواعها هي أمانة، ساهم فيها كل مواطن بماله، وكل مواطن مطالب أن يبدأ من نفسه الحفاظ على هذا المال، ولا يساهم في إهداره، فيكون بذلك حلقة في دائرة إجرامية، يجب أن يعاقب عليها.

فالمهدر للمال العام، كاللص، الذي لا يشبع من الفساد في نفسه، ويود أن يفسد في الأرض التي ساهم الكل في تعميرها، ويظل هذا اللص دائمًا هاربًا من العدالة، لكنه لن يهرب من عدالة الله يوم القيامة.

قال “تعالى”: (وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا * ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ). فالله ينهى عن الفساد في الأرض بعدما شارك كل الناس في إصلاحها وتعميرها، وذلك فيه الخير الكثير.

وقال رسول الله “صلى الله عليه وسلم” في عقاب من يهدر المال العام: (ن رجالاً يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة).

وإنا لا نغفل أبدًا الخلفاء الراشدين، الذين اعتنوا بالدولة الإسلامية، وكانوا من أكثر الحارصين على أموال المسلمين آنذاك، وحين توسعت رقعة الدولة الإسلامية، كانوا أكثر الناس حرصًا على أموال كل الناس من الشعب، فكانوا لا يصرفون منه إلا لهدف يخدم الشعب والناس، وخير مثال على ذلك الفاروق عمر بن الخطاب “رضي الله عنه” فلم يكن يأخذ من مال المسلمين ليرتع فيه، ويبغدد نفسه، بل كان يحافظ عليه، ويهبه كله للمسلمين فيما ينفعهم، ويحرص دائمًا ألا يشتكي أحد ضيق العيش في خلافته، وقال “رضي الله عنه” فيما معنا، أنه لو تعثرت دابة في أرض بعيدة، سأله الله عنها يوم القيامة، فما أحوجنا للاقتداء بالرسول “صلى الله عليه وسلم” والخلفاء الراشدين من بعده.

لذا، لكي يحافظ الإنسان على المال العام، لابد أن يبدأ من نفسه بألا يضع يده في هذه الجريمة الفاسدة، بأي طريقة كانت، بل يحافظ على المال الذي يعد أمانة في رقبته إلى يوم الدين، ويساهم في تطويره أيضًا.

أضف تعليق

error: