ما الفرق بين الرؤيا والحلم

الفرق بين الرؤيا والحلم

في محور حديثنا هنا عن الفرق بين الرؤيا والحلم ، نقول أن من آيات الله عز وجل أن رزقنا النوم وجعل له وقتًا من اليوم ثابتًا، وهو الليل لأنه مظنة السكون والظلمة والثبات العميق، ولأننا خلقنا في حياة دأبها التعب والمشقة والسعي فإن حاجتنا للنوم فطرية وضرورية بعد عناء يوم طويل.

وكما اقتضت حكمة الله عز وجل أن يجعل النوم فرصة للراحة والسكون وتخليص الجسم من الإرهاق والمشقة والآلام التي يعانيها جراء رحلة السعي في هذه الحياة بحثًا عن الرزق والنجاح وسعيًا إلى مرضاة الله عز وجل وطاعته، فإن في النوم أسرار أخرى وهو يضم عوالم الرؤيا والحلم، فقد يرى الإنسان في منامه ما تتوق إليه النفس في صحوه، وقد يحمل له النوم إنذارًا أو بشارة أو يفتح الله له ويبصره بأمر التبس عليه ويكتب له في منامه الخلاص من حيرة تملكته واستولت على عقله وشغلته.

الفرق بين الرؤيا والحلم

ولكن نحتاج قبل أن نخوض في دلالات الرؤى المنامية وما تعنيه وكيف يجب على المسلم تعاطيها والتعامل معها، أن نفرق بين تصنيفات ما يراه الإنسان في المنام وفقًا لما علمتنا إياه السنة النبوية وما أثبته العلم، وهذا محور حديثنا في هذا المقال.

أقسام الرؤى المنامية

يعلمنا النبي -صلى الله عليه وسلم- أن ما يراه المسلم في منامه لا يخرج عن ثلاثة أقسام، رؤيا من الله، وحلم من الشيطان وحديث نفس.

فيقول -صلى الله عليه وسلم لم يبق من المبشرات إلا الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له، ويقول الرؤيا الصالحة جزء من بضع وأربعين جزء من النبوة.

ويقول عبدالله بن عباس -رضي الله عنه وأرضاه- حينما يسأل عن تأويل الرؤى: أي أرض تقلني! وأي سماء تظلني! إذا قلت في وحي الله بغير علم، وهذا إن دل فإنما يدل على خطورة الرؤيا المنامية التي هي من الله، وأنها درب من الوحي وبضع منه ومن ثم فيجب التعامل معها بحذر وعدم الاندفاع في تأويلها أو التصدي لها بلا علم ولا سند.

كل هذا في فلك الرؤى وتصنيفها، أما الحلم الذي هو من الشيطان، وهو الذي غالبًا ما يحدث مع الكثير منا وإن كنا نخلط بينه وبين غيره، وهو تحزين وتخويف وتقنيط للمسلم من رحمة الله عز وجل، حيث يرى المسلم ما يزعجه أو يخوفه ويستيقظ خائفًا مضطربًا متوترًا وقد ينشغل بهذا الحلم عن العبادة أو القيام بما عليه من واجبات ويركز في البحث عن تفسير هذا الحلم، وهذا بالضبط ما يريده الشيطان عليه لعنة الله.

أما القسم الثالث فهو حديث النفس، وهو تحديث الانسان نفسه بالليل بما يشغله بالنهار، وما يستحوذ على تفكيره ويشغل باله، من أمر يريد تحققه أو أمر يخاف وقوعه، أو أي شيء من هذا القبيل، فهو أقرب ما يكون إلى كونه انعكاس لما يعتمل في خاطره من مخاوف أو اضطرابات أو صراعات بينه وبين عقله.

كيف نعرف أن ما نراه في المنام رؤيا من الله؟

الرؤيا من الله عز وجل لها بعض علامات ودلائل تشير إلى كونها من الله عز وجل، وقبل أن نوضح تلك العلامات فينبغي أن نعرف أولًا أن الرؤيا التي هي من الله عز وجل دائمًا ما تحمل رسالة وتحدث لغاية معينة فالله عز وجل حاشاه أن يحدث أمرًا عبثًا، وحاشاه أن يعبث بقلب أو عقل عبده المسلم، لذا فهي لا بد أن تنطوي على بشارة بخير ينتظره المسلم وشيء يتمناه ويرجو حدوثه، كمن ترجو الحمل أو الانجاب أو كفتاة عزباء ترجوا النكاح وتتمناه، أو مدين يرجوا قضاء دينه، أو باحث عن عمل يرجو العثور على ضالته وهكذا، أو تنطوي على إنذار ما بصدد خطوة يوشك العبد أن يقبل عليها، كمن هو مقبل على سفر أو عمل جديد أو غيره، فقد يكون في الأمر مكروه لا يعلمه الإنسان فيرزقه الله رؤيا في منامه تنذره من عاقبة هذا العمل ليرجع عنه، وقد يبتعد المسلم عن به أو يقصر في عبادته أو يوشك على الزلل والوقوع في الذنب، فينبهه الله إلى ما صار إليه حاله برؤيا منامية تنذره وتذكره ليصلح ما بينه وبين ربه.

ولكي نعرف الرؤيا التي هي من الله عز وجل فهذه أهم العلامات:

  • أن تكون الرؤيا واضحة جلية وضوح الشمس في عليائها، لا فيها لبس ولا خلط.
  • أن يكون الرائي قادرًا على تذكرها ولا ينسى منها شيء.
  • أن تكون متناسقة متسلسلة في سياق يمكن قبوله، وقيل إن تقع كفلق الصبح.
  • أن يكون الرائي سريع الانتباه عند رؤيتها فيقع في نفسه وعقله إدراك ويقين أنها رؤيا.
  • ثبوت الإدراك ودوام الانطباع بأن ما رآه الرائي رؤيا من الله وتذكر تفاصيلها.
  • غالباً ما تحدث الرؤيا والمسلم نائم على وضوء وطهارة كبرى وصغرى.
  • تقع الرؤيا في وقت الفجر الصادق.
  • تقع للمسلم وهو مضجع على جانبه الأيمن.

كيف نعرف أن ما نراه حلم من الشيطان أو حديث نفس؟

الحلم الذي يقع للإنسان دون أن يكون له ضابط من معنى أو دلالة، ولا يتذكره الرائي، بل يستيقظ منه منفعلًا منزعجًا ضيق الصدر، لا يذكر منه شيئًا واضحًا، وربما يكون قد نام على غير طهارة أو نام عن صلاة العشاء أو إثر تعرضه لشيء مؤلم أحزنه أو آلمه أو غير ذلك، فهذه غالبًا من باب أضغاث الأحلام التي يؤذي الشيطان بها المسلم ويوغر صدره.

أما حديث النفس فهو قسم واسع وفضفاض من الأحلام يشمل رؤى تترجم مخاوف الإنسان والصراعات التي يعانيها في يقظته، وبعض كوامن النفس التي يهرب منها ولا يعترف بها، وقد تحدث عالم النفس الشهير سيجموند فرويد وأوجد علاقة كبيرة بين ما نراه في مناماتنا وبين ما يجول بخواطرنا ويحدث في عقلنا الباطن.

ماذا يجب على المسلم أن يفعل إذاء ما يقع له من الرؤى؟

لقد علمنا النبي -صلى الله عليه وسلم- ما يجب علينا فعله عند وقوع رؤيا منامية فعلمنا أن من رأى ما يحب يجب أن يحمد الله على رؤيته لأنها نعمة من الله، ويحكيها فقط لمن يحبه، وأن يستبشر خيرًا بما رأى، ومن ذلك ما قاله: (إذا رأى أحدُكم رؤيا يُحبُّها، فإنما هيَ من اللهِ، فليحمدِ اللهَ عليها وليحدّثْ بها، وإذا رأى غيرَ ذلك مما يكرهُ، فإنما هي من الشيطانِ، فليستعذْ من شرِّها، ولا يذكرْها لأحدٍ، فإنها لا تضرُّه).

أما من رأى ما يكره فينبغي أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، وأن ينفث عن يساره ثلاثًا ويتحول عن جنبه الذي ينام عليه، ولا يحدث أحدًا بما رآه فإنه إن شاء الله لا يضره.

ومما ورد في هذا الصدد عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إذا اقتربَ الزمانُ لم تكدْ رُؤيَا المؤمنِ تكذبُ ورؤيا المؤمنِ جُزْءٌ من ستةٍ وأربعينَ جزءاً من النبوّةِ وما كان من النبوّةِ فإنه لا يكذبُ قال محمد، وأنا أقولُ هذاِ قال، وكان يقال الرُّؤيِا ثلاثٌ: حديثُ النفسِ، وتخويفُ الشيطانِ، وبشرَى من اللهِ، فمن رأَى شيئا يكرهُهُ فلا يقصهُ على أحدٍ وليقُم فليصَلّ).

وختامًا، وبعد أن تعرفنا بشكل لا بأس بيه عن الفرق بين الرؤيا والحلم نقول أننا بحاجة ماسّة إلى التركيز على الواقع أكثر من التركيز على الأحلام، ولنثق أننا لو أصلحنا ما بيننا وبين الله عز وجل لكشف عنا الحجب وجائتنا الرؤى الطيبة المبشرة كفلق الصبح، ولأنجانا الله من أحلام الشيطان وكيده وضره.

أضف تعليق

error: