لا شيء يدوم طويلا

حين تأملت جهاز تلفاز قديما كنت قد ابتعته منذ أكثر من 14 عاما ولا يزال يعمل بنفس الجودة والكفاءة، تساءلت لماذا تبدو الأشياء القديمة أكثر أصالة من الأشياء الحديثة؟

فمن النادر اليوم أن تقتني أجهزة لا تجبرك بعد وقت على تغييرها، حتى إذا حافظت على قواعد وشروط استخدامها بالطريقة الصحيحة، فالأجهزة الكبيرة مثلا كانت تظل صالحة وقتا أطول إن لم تتعرض للانتقال والتحريك وإلا ستفسد وتحتاج إلى صيانة متكررة.

أما اليوم فعمر الأجهزة الافتراضي أصبح يخضع لمعايير مختلفة عن معايير الأمس، ترغمك على الانقياد وراء فكرة التغيير لظهور سياسات جديدة للشركات المنتجة.

ففي السابق كانت الشركات تتسابق لصناعة منتجات تدوم طويلا وتخدم كثيرا، فهي تختار أجود القطع وأفضلها مما يجعل المنتج لا يجتاح للصيانة أو التغيير إلا بعد وقت طويل، ورغم أنها حرصت طوال الوقت على المحافظة على سمعتها بتقديم منتج ذي جودة عالية وسعر مرتفع، إلا أنها مع الوقت وجدت نفسها أمام المنافسة بين الشركات مجبرة على تخفيض أسعارها لضمان بقاء عملائها، فسعت مع ظهور العولمة لانتهاج أسلوب جديد بأن تنقل مصانعها إلى بلدان متعددة بحيث تكون التكاليف أقل بكثير من المصنع الأم، وحينها لم تتغير المنتجات كثيرا حيث كانت الجودة تقريبا متساوية، والأسعار متقاربة وظلت الأجهزة والمواد الأخرى تعمل لفترة معقولة، وبهذا استطاعت أن تقلل من التكاليف وتزيد من الإنتاج، وتتضاعف الأرباح، والكل سعيد.

ولأن بين الطمع والطموح شعرة فاصلة فلقد ساهمت هذه الشركات بصناعة ثقافة الاستهلاك المستمر عن طريق طرح فكرة جديدة تضمن استمرار الإنتاج وتدفع الناس للشراء فأصبحت تصنع منتجات ذات جودة وكفاءة أقصر وسعر أعلى بحيث يتوقف عمل الأجهزة بعد زمن قصير سواء حافظت عليها أم لا! وخذ مثلا تقنية البلازما

وال سي دي وهي شاشات مكونة من ألياف ضوئية بصرية لها زمن تشغيلي تنتهي بعده عن العمل ويكون الجهاز مجرد ديكور.

ولهذا أصبحنا في ظل هذه الفكرة نعيش وسط عالم من الاستهلاك، الأمر الذي دعا صندوق الطبيعة العالمي إلى التحذير من أن البشرية ستستهلك عند عام 2050 ما يوازي الموارد السنوية لكوكبين بحجم الأرض، معتبرة أن إلحاق الضرر بالبيئة بات يبلغ وتيرة غير مسبوقة على الإطلاق.

بقلم: سعود البشر

واقرأ هنا: تقليد دون تعقيد!

وأُوصيك أيضًا بـ: الموارد البشرية وسياسة التطفيش

أضف تعليق

error: