فكر أولا.. هل أنت فاسد؟!

لا شيء يطغى هذه الأيام على أحاديث المجالس أكثر من حكايات الفساد. الجميع ينسج القصص التي أصبحت تفوق أساطير الإغريق في الحبكة والخيال!. تجلس قليلا فيلتفت إليك أحد الحضور قائلا: «شفت الكوبري اللي جيت معه؟ هذا كلف مليارا من غير الصيانة!». تحرك ما تبقى من الشاي في «بيالتك» وتسأل الله أن يرزقك الجنة.

يقول نيتشه: «حقا إنني أسخر كثيرا من الضعفاء الذين يظنون أنفسهم صالحين لأنهم ليس لديهم مخالب لينشبوها!».

نيتشه يعرض في هذه الجملة منزلقا أخلاقيا وتساؤلا جديدا عن معنى «الصلاح».

هذا المواطن الذي يتحدث عن تهافت المليارات، هو المواطن نفسه الذي حصل على مقعده الجامعي من خلال معرفة مسبقة، وكذلك وظيفته الحالية التي أتت عن طريق «أبوبندر» قريبهم الواصل في الإدارة التي يعمل بها الآن! ولا يجد حرجا في استخدام هاتف العمل للاطمئنان على أقاربه، أو لطلب وجبة الغداء من المطعم المجاور!.

هو المواطن نفسه الذي يغلق مكتبه على نفسه قبل الصلاة بنصف ساعة، ويفتحه بتثاقل بعدها بنصف ساعة أخرى! وهو أيضا الذي يحمل جرائد اليوم مغلقا مكتبه قبل انتهاء موعد الدوام بعشرات الدقائق هامسا للمراجع الذي وصل لتوه: «راجعنا بكرة، ما عاد يمدي اليوم».

هذا المواطن إياه يتحول في المساء إلى ناسك صوفي يقلب الذمم ويشتكي الحال المائل، يتحدث عن الفساد الإداري، وحكايا المليارات الضائعة والمشاريع المعطلة في كل مكان، وكعادته كل ليلة ينسى نفسه!.

هذا المواطن يبكي على الملايين لأنها لم تجد طريقها إلى جيبه، لا لأنها لم تصرف بطريقة صحيحة.

ولو وضع في أحد الأماكن التي يبكي فسادها كل مساء لربما خلق نوعا جديدا من الفساد لم يسبق لنا رؤيته! هو يبكي ليس لأنه «صالح»، بل لأنه يفتقد المخالب التي لو وجدت له، لن يتواني عن إنشابها في أجساد الذين كان يحدثهم عن الفساد ذات ليلة!

وبحسب القانون: «من يهدر العشرة يشارك من يهدر المليار في فداحة الذنب»، فلا تعتذروا اليوم!.

بقلم: أيمن الجعفري

كما أن لدينا أيضًا: آيات قرآنية وأحاديث نبوية عن الفساد والمفسدين

أضف تعليق

error: