الوقوع في هوى فاس

Fez, Morocco

قصر قديم في مدينة فاس تم إحياؤه بواسطة رجل فرنسي عاشق للمغرب، فحافظ على حديقته الأندلسية وتفاصيل معماره الأصلية فأصبح المكان وكأنه يضم مدينة فاس كلها بداخله.

بعد عشر سنوات من وقوع عائلة “بيهن” الفرنسية في حب مدينة فاس المغربية واستقرارهم فيها، قرر ميشيل “بيهن” امتلاك قصر تاريخي بها وتحويله لمحل إقامة يستقبل فيه الزوار لإقامة جسر ثقافي بين الشرق والغرب.

وجد “بيهن” ضالته في القصر الصيفي لطيب المقري باشا الواقع في قلب حديقة أندلسية شاسعة كانت تعتبر في يوم ما أسطورة في الجمال وما زال حتى الآن الجميع يتندرون بتفردها. فقام “بيهن” بترميم المكان وإعادة تصميمه وتحويله إلى واحة تتميز بالبساطة والتناغم، تجمع بين سحر الشرق وأسلوب الغرب، محاطة بحديقة شاسعة تعج بمختلف أنواع الزهور والنباتات والخضراوات والفواكه والأعشاب العطرية، فلطالما حلم “بينه” بحديقة متواضعة وصاخبة في آن واحد، تحمل بصمة ريفية فطرية مبهجة بأزهارها الملونة ولكن أيضًا منمقة على الطراز الأندلسي ذي الممرات المزخرفة والأحواض وبحيرات المياه الصغيرة المتناثرة، ثرية مثل غابة استوائية وبسيطة مثل حديقة رجل زاهد.

في النهار تحت أشعة الشمس تفوح منها رائحة الأعشاب العطرية وأزهار شجر البرتقال، وفي المساء تملأ المكان عطور الزهور الفواحة.

ولكي تصل للكمال، كان لا بد لهذه الحديقة أن “تؤكل”، لذلك نجد الخضراوات والفواكه المتنوعة جنبًا إلى جنب مع الزهور والنباتات يشكلون لوحة حية من الألوان والروائح؛ فتلاقى درجات الألوان يشهد عليه على سبيل المثال تدرج اللون الأحمر لنبات الكركديه مع الطماطم والرمان، أو تنوع الملمس متمثلاً في الوسائد المخملية التي تقدمها أشجار الخوخ واللوز والمريمية.

هكذا خلق “بينه” جنته التي كان يحلم بها والتي تضم أهم مفتاح لجاذبية المكان وتفرده. أما في الداخل فكل شيء يبدو مرحبًا ومقدمًا دعوة للتدلل والاسترخاء؛ فكل ما في المكان تم انتقاؤه بعناية شديدة ليجعل من الإقامة فيه لحظات لا تنسى من الراحة والمتعة في أجواء تحمل لمسات تقليدية من الشرق الأوسط وأخرى من آسيا في تنوع مبهج يجعل من دخول حدائق “بينه” تجربة فريدة تشبه الدخول في مغامرة اكتشاف مكان كل ركن فيه لا يشبه الآخر. فالقصر يضم عدة غرف وأجنحة بمساحات متنوعة ما بين 25 و 120 مترًا مربعًا، وكلها تحمل أسماء شرقية وذات تصاميم مختلفة وشخصيات مستقلة. تتنوع أنماط وتصميمات الغرف لتتحول الإقامة في كل غرفة إلى مغامرة فريدة ومبهجة.

فهنا غرفة بالدور الأرضي بمحاذاة الحديقة تبدو وكأنها مختبئة خلف غابة من النخيل، وهناك أخرى تتميز بأنها مليئة بالفانتازيا الباهرة وكأن باليته ألوان انفجرت لتعطى كل شيء فيها لونًا مختلفًا، وفي غرفة أخرى لا نشعر إلا بتجسيد صرف للرومانسية. أو نشعر بالغموض يكتنف غرفة أخرى لأنها تختفي خلف صالون صغير ينفتح على العالم الخارجي من خلال مشربية كبيرة، فيرى من بالداخل الخارج ولكن لا يمكن العكس.

ولمن يبحث عن مزيد من الخصوصية، فسوف يجد ضالته في غرفة أخرى غارقة في لون زرقة البحر وتنقسم إلى مستويين وملحق بها حديقة خاصة بها تراس كبير لا تحده سوى السماء. أما الأجنحة فمنها ما يضم صالونًا شَتْوِيًّا حول المدفأة وتراسًا صَيْفِيًّا مغطى، كما أن جناح الباشا سي طيب المقري الذي كان يقيم فيه شَخْصِيًّا منذ مائة عام في انتظار أي باحث عن الإثارة.

يعتمد تصميم المكان على البساطة الباهرة واستخدام قطع أثاث متنوعة وغير تقليدية بالمرة من مجموعة مقتنيات ميشيل “بيهن”، حيث إنه جامع للأنتيكات. وكذلك الألوان المتنوعة ما بين الأبيض الشاهق غالبًا والمطعم بالأزرق أو الزمردي، ومن حولهم جميع درجات الألوان الأخرى تقفز من هنا ومن هناك لتلفت الانتباه وتجذب البصر.

أما البطل في التصميم فهو الزليج المغربي الذي تعبر تشكيلات وألوان بلاطاته عن أصالة المعمار المغربي لما يتميز به من استخدام مواد أولية بسيطة يسوغها الفنانون المغاربة المهرة فينتج أشكالا فنية ليس لها مثيل.

وبالطبع لن تكتمل التجربة من دون المرور على الحمام المغربي حيث عالم ساحر من الروائح والزيوت في قلب غمامة من البخار تضمن حالة مؤكدة وفريدة من الاسترخاء. هكذا تعبر حدائق “بيهن” عن محتوى كامل للمغرب وتحديدًا لمدينة فاس التي تقع في قلب واد خصب في ملتقى للتلال من حولها وتظللها الغابات.

وكأن روح المدينة تسكن داخل المكان فيشعر الزائر بأنه في فصل من فصول ألف ليلة وليلة ولكن بأدوات راحة حديثة، بمذاق الشاي بالنعناع الأخضر المقدم مع الحلويات المغربية الشهيرة المعجونة باللوز على تراس في الهواء الطلق تمتد أمامه حدائق بكل طعم ولون ومن خلفها بساتين التين والزيتون والبرتقال والرمان التي تجعل مدينة فاس تبدو من بعيد زمردية اللون كحجر كريم يدوي في الأفق.

لديّ بعض المقترحات لتقرأها أيضًا:

أضف تعليق

error: