عمق الإحساس بالناس

ندعي أننا نحب الخير ونود لو نستطيع تقديم المساعدة للناس، لكننا لا نعرف كيف نساعدهم أو لا نملك ما يكفي لمد يد العون، أخشى أننا نكذب على أنفسنا، فلو كانت الرغبة في إعانة المحتاجين صادقة لوجدنا الطريقة المناسبة لفعل ذلك ولنجحنا نجاحا كبيرا. إن أصحاب الرغبات الصادقة في مساعدة الناس يدركون أنهم لا يحتاجون لشيء مادي من أجل فعل الخير فكل ما يحتاجون إليه طهارة الروح وطيبة القلب.

في هذا السياق أتذكر قصة أبو بكر سلطان.. وهو مواطن عادي من إفريقيا له زوجة وطفلان.. لكنه كالملاك بالنسبة لأطفال الحرب بين المتمردين والقوات الحكومية في موزمبيق، فقد أعاد أكثر من أربعة آلاف طفل إلى أهليهم، ودرب عددا يفوق 500 شخص على الحياة الاجتماعية ومعاودة الاختلاط بالناس.

لقد عاش الخطر وواجه الموت في كل يوم من أيام الحرب ليس لأنه كان مقاتلا أو متمردا أو رجل عصابات بل لأنه كان إنسانا وحسب، ذهب بملء إرادته لخطوط القتال لينقذ الأطفال وكانت الطريقة الوحيدة للوصول إليهم بالطائرات فكان يهبط في مواقع الألغام وفي بعض الأحيان يتم إسقاط طائرته ويتذكر كم هو محظوظ لبقائه حيا حتى اليوم، أدرك أبو بكر أن الحرب لم تكن بين طرفين مدججين بالسلاح بل كان كل من المتقاتلين يوجهون أسلحتهم على أفراد الشعب الأعزل فيدخلون القرى ينهبون ويقتلون أيا كان ويجندون الأطفال.

لذلك أمسك بزمام المبادرة وسعى لإنقاذ أطفال من الموت لا يعرفهم ولا يعرف أهاليهم ولا ينتمي لقبائلهم بل أمن لهم الحياة الاجتماعية والماء والغذاء.. لماذا وضع نفسه في هذا الموقف المميت ودافع باستماتة عن أشخاص مجهولين ولم يبق في منزله مع أطفاله بهدوء واطمئنان؟

الجواب يقوله بنفسه: «لم أكن أمضي مع زوجتي وطفلي أكثر من يومين أو ثلاثة بالشهر، أدركت أخيرا أنني كنت أضر بأسرتي فقد كانوا دائمي القلق على سلامتي. ومع ذلك كان ثمة دافع قوي في داخلي يتفاعل مع قناعاتي بأنني كائن حي وبأن هناك كائنات حية أخرى في الخارج في خطر وتحتاج إلي، وإذا كان أولئك المقربون إليك في موقع أفضل من موقع أولئك الذين يعانون فإن عليك التضحية ببعض امتيازاتك».

باختصار إنه عمق الإحساس بألم الناس ومعاناتهم، إنها الإنسانية البحتة التي تجبرك على خوض المخاطر ومواجهة الموت من أجل أشخاص لم تلتق بهم من قبل ولا تعرفهم، لكنهم يشاركونك الأرض التي تعيش بها والهواء الذي تتنفسه.. إذا كان هذا ما يجب أن تكون عليه القلوب.. فهل نملك قلوبا؟

بقلم: بشائر آل زايد

واقرأ هنا أيضًا:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error:
Scroll to Top