مقال عن دور العفو في بنيان المجتمع

تمت الكتابة بواسطة:

دور العفو في بنيان المجتمع

إن الله عزل وجل خلق الإنسان لعبادته وتعمير الأرض، وعمارة الأرض لا تتأتى إلا بالتعاون والتسامح والعفو بين أفراد المجتمع، فالعفو يعني التصالح بين جميع الأفراد والتصالح يؤدي إلى زيادة التعاون والتضافر بين أبناء الأمة الواحدة مما يسهم في قوة بنيان المجتمع فلا تعاون إلا بالعفو والتسامح والمحبة التي تسود بين الجميع.

العفو والتسامح أساس تقدم المجتمع

وقد أمر الله تعالى بأن يسود العفو والتسامح بين أفراد الأمة الإسلامية فيقول سبحانه وتعالى في سورة النور: { وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} صدق الله العظيم. فالعفو من أعظم الصفات التي يمكن أن يتحلى بها المرء فيترفع عن الإساءة إلى من أساء إليه، ولا يرد الضرر بمثله وهو يستطيع أن يفعل، يمتلك الشخص الذي يعفو قدرة هائلة من التسامح والنصالح مع نفسه ومع الغير. فهو يتحمل إساءات الغير وأخطائهم في حقه وهو لديه القدرة الكاملة للرد أو العقاب ولكنه لا يفعل بل يتسامح ويعفو. والتغاضي مع القدرة عفو أما التغاضي مع الضعف فهو ليس إلا ضعفًا واستسلام. وما أجمل أن يتصف الإنسان بالعفو ويستطيع كبح جماح مشاعره وألا يترك نفسه للغضب والحنق فهو ظلم وظلمة. أما العفو فهو من شيم العظام فمن يستطيع أن يتحكم في انفعالاته وغضبه فقد غلب الشيطان الذي يقعد كل مرصد يوسوس للإنسان ألا يترك حقه وأن يغضب أن ينتقم فينسى الإنسان الضعيف أن العفو هو صفة الأقوياء. والقليل من يستطيع أن يتغلب على شيطان نفسه ويعفو ويصفح والكثير من يترك نفسه لهواه وانفعالاته وغضبه فيبطش بالقوي والضعيف وينسى أمر الله بالعفو.

ويأتي الدين الإسلامي دينًا للتسامح والعفو، وقد ورد ذكر العفو في القرآن الكريم في مواضع عدة لتبرز مكانة العفو وأهميته، فيقول تعالى ف سورة آل عمران {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} فمن كظم غيظه وعفى عن الناس وعمن إساس إليه فهو في مرتبة المحسنين وهم من يقول الله فيهم أنه يحبهم. فما أفضل من هذا جزاء وفضل ونعمة من الله يمن بها على من أحسن إلى غيره وعفا عمن ظلمه وآذاه.

العفو صفة من صفات الله عز وجل

وما كان أعظم من أن نتصف بصفة من صفات الله عز وجل فالله هو العفو القدير كما يقول في سورة النساء { إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا}. فالله يأمر هنا بالعفو عن السوء ويصف نفسه بالعفو القدير. والعفو كما ذكرنا يأتي مع القوة والقدرة، ومن أقدر من الله على فعل ما يشاء ومع هذا فإن من أعظم صفاته وأسمائه سبحانه وتعالى العفو فالله يعفو ويصفح أفلا نعفو ونقتدي بصفة من صفات الله عز وجل. أفلا نطيع أمر الله بالصبر على الآخرين وعلى من أخطأ ونمنح فرصًا أخرى. أفلا نغفر لمن أذنب وتجاوز في حقوقنا كما أمرنا الله. فإن الصبر والعفو هو من عزائم الأمور كما قال الله سبحانه وتعالى، والعزم لا يتصف به إلا ذوو القوة ممن أرادوا أن يتحلون بما أمرهم الله من عفو وصفح وغفران. وأرادوا أن يتصفوا بأخلاق رسولنا الكريم فما كان رسول الله إلا عفوًا غفورًا حتى مع أعدائه ومع من آدذوه شر أذى.

والمجتمع الذي يتسم أفراده بالعفو هو مجتمع قويّ البنيان، ويصبح مجتمعًا آمنًا فلا نجد جريمة بين من يتصالحون بينهم أو بين من يعفون عن بعضهم البعض. وهو ما نفتقده في أيامنا هذه، فما أكثر الجرائم التي يتسبب فيها الغضب وعدم الرغبة في العفو بين الناس. فلقد أصبحنا نرى العفو والتسامح على أنه ضعف، وعيب أن نصفح عمن أساء إلينا حتى لا نوصم بالعار والهوان، ونسينا ان الله سبحانه أمرنا بهذا وأن العفو هو من شيم الرجال الأقوياء وما أحب من شخص عفا وصفح وسامح وهو قادر على رد الصاع صاعين ولكنه يمتنع عن هذا. وما بال مجتمع ينتشر العفو بين أفراده ويدور التسامح بينهم، فهو مجتمع آمن خالي من البغضاء والكره وهو ما نحتاج إليه اليوم.

يبعث العفو والتسامح على نشر المحبة والإخاء ويبعث على انتشار الثقة بين أفراد المجتمع، فلا ينتظر أحد الغدر من أخيه، بل يتأكد الجميع أن من سواهم من أفراد المجتمع هم أخوتهم ويعفون ويتصافحون فيما بينهم كأنهم أفراد أسرة واحدة وهذا بالتأكيد ينعكس على المعاملات بين أبناء المجتمع الواحد. فلا تنشب الفتن بينهم ولا النزاعات التي تمزق المجتمع وتقطع أواصر المودة بين أفراده. وتؤدي إلى تشتته وضياعه بين الأمم، فالمجتمعات التي تنعم بالهدوء والتسامح والتصالح والتسامح بين أبنائها هي مجتمعات قوية لا يمكن هزيمتها، أما المجتمعات التي تسود فيها الفرقة والبغضاء هي مجتمعات تستضعفها القوى الأكبر منها. فلا بد من العمل على توفر التسامح والإخاء والعفو بين أبناء الأمة الواحدة لبناء مجتمع قوي يخلوا من الحقد والبغضاء والعداوة والكره.

قد يُفيدك أيضًا


التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: