خطبة حول عاشوراء وما اقترن بها من دروس وعبر

تمت الكتابة بواسطة:

إنه حدثٌ جلل؛ نعم؛ لدينا اليوم خطبة حول عاشوراء وفضل صيامه وما كان من دروس وعبر كبيرة ينبغي التذكير بها في كُل زمان ومكان. وكما التقينا من قبل، فإننا نجتمع اليوم، وفي ملتقى الخطباء بموقع المزيد، لنسوق إليكم هذه الخطبة القوية على صفحاتنا وأنتم تُلقونها على المنبر بكل حماسة؛ متمنيين لكم كل التوفيق.

خطبة حول عاشوراء

ليس من المعقول أو البديهي أن يتخطى إمامًا أو خطيبًا أو واعِظًا هذا الحدث الهام في التاريخ الإسلامي، ألا وهو يوم عرفة؛ وما بيَّنه نبينا محمد ﷺ فيه من الفضل العظيم والأجر والثواب الكبير؛ وما كان سببًا في ذلك؛ وقصة موسى وفرعون.

هذا فضلا عن الأشخاص الذين تخللوا القصة والأحداث وما تركوه من أثر عظيم، يُحكَى إلى يوم الدين.

ومن أجل تنسيق الأمور، أحضرنا لكم الخطبة مُمهَّدة، منسقة، مشكولة -بما يستوجِب-، ومُعنصّرة؛ لكي يسهل على الخطيب سرد الأحداث والوصول سريعًا على الأجزاء المُقسَّمة.

مقدمة الخطبة

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وصفيه وخليله؛ بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة، وجاهد في سبيل ربه حق الجهاد، ولم يترك شيئا مما أُمِر به إلا بلَّغه؛ فتح الله به أعينًا عُميًا وآذانًا صُمًّا وقلوبا غُلفا، وهدى الناس من الضلالة ونجاهم من الجهالة، وبصرهم من العمي وأخرجهم من الظلمات إلى النور، وهداهم بإذن ربه إلى صراط مستقيم.

اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ونبيك محمد وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثره واهتدى بهداه.

أما بعد، فإن أصدق الحديث كلام الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار؛ وما قل وكفى خير مما كثر وألهى، وإنما توعدون لآتٍ وما أنتم بمعجزين.

خطبة عاشوراء دروس وعبر

أما بعد، أيها المسلمون عباد الله؛ فقد اقترب يوم عاشوراء، اليوم المبارك الذي كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحرص على صيامه. قال عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- (ما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتحرى صيام يومٍ، يفضله على غيره سوى هذا اليوم -يوم عاشوراء-، وهذا الشهر -شهر رمضان-).

وثبت أن نبي الله –صلى الله عليه وسلم– لما قدِم المدينة وجد اليهود يصومون يوم عاشوراء، فسألهم عن ذلك! فقالوا ذاك يوم نجى الله فيه موسى وقومه، وأغرق فرعون وقومه، فصامه موسى شكرا لله، فنحن نصومه. فقال عليه الصلاة والسلام (أنا أولى بموسى منكم). فصامه وأمر المسلمين بصيامه.

أرسل مؤذنًا يؤذن في الناس، أيها الناس من أصبح صائمًا فليتم صومه، ومن أصبح مفطرًا فليمسك بقية يومه.

فضل صيام يوم عاشوراء

هذا اليوم المبارك، يوم عاشوراء، صيامه غنيمة باردة. فقد ثبت من حديث أبي قتادة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال (أحتسب على الله في صيام يوم عرفة أن يكفر ذنوب سنتين، سنة ماضية وسنة باقية؛ وأحتسب على الله في صيام يوم عاشوراء أن يكفر ذنوب سنة ماضية).

صيام يوم واحد، ساعاته محدودة، يكفر ذنوب سنة ماضية؛ ما ينبغي لعبد موفق من عباد الله أن يفرط في هذا الخير أو أن يضيع ذلك الأجر؟

لماذا نصوم يوم عاشوراء؟

أيها المسلمون عباد الله، من أجل أن نؤكد أننا معشر المسلمين لا نفرق بين رسل الله -عز وجل-، لا نفرق بين أحد من رسله؛ نصوم يوم عاشوراء احتفاءً بنجاة نبي الله موسى -عليه السلام-، لأننا نؤمن به، ونُجِلّه ونعظمه؛ مثلما نؤمن بمحمد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونُجِلّه ونعظمه؛ كما قال ربنا -جل من قائل- في الآية ٦٨ من سورة آل عمران (إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا).

كذلك أولى الناس بموسى الذين اتبعوه، وهذا النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-، والذين معه.

نحن أولى بموسى ممن يدعون أنهم اتباعه أو إنهم على دينه.

أيها المسلمون؛ الباب الله نحتفي بنجاة موسى -عليه السلام- وقومه، وهلاك فرعون وقومه. لماذا؟ لأن ديننا دين الإسلام أمرنا بعداوة كل فرعون، كل طاغية، كل من يجعل من نفسه معبودًا من دون الله.

ربنا -جل جلاله- ذكر قصة موسى مع فرعون في ٢٧ سورة؛ تتكرر قصة موسى مع فرعون في ٢٧ سورة من القرآن؛ لماذا؟ لأن ربنا -جل جلاله- يعلم أن فرعون ما كان شخصًا في التاريخ قد مضى خبره وطُوي ذِكرُه، وإنما الفرعونية ظاهرة تتجدد، نهجٌ يطبق؛ قد يطبقه عربيٌ أو أعجميٌ، أبيض أو أسود.

سِمات الفرعون

الفرعنة منهج، خصائص وسِمات.

من هذه السِمات، في كتاب ربنا -جل جلاله- أن الفرعون يحكم بغير ما أنزل الله، يُعَبِّد الناس لنفسه من دون الله. ففي سورة القصص (وقال فرعون يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري فأوقد لي يا هامان على الطين فاجعل لي صرحا لعلي أطلع إلى إله موسى وإني لأظنه من الكاذبين).

يدعو الناس إلى عبادته إما بلسان مقالي أو بلسان حالي.

الفرعون يحكم جماعة من الهمج الرعاع الذين يتبعون كل ناعق، ويُصدقون كل قائل؛ لا يمحصون ولا يتثبتون، همهم بطونهم؛ ما لهم همٌ في أن ينصروا دين الله أو أن يغضبوا لحرمات الله.

وفي الآية ٥٤ من سورة الزخرف؛ يقول -تعالى- (فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين).

الفرعون لا يؤمن بالغيب؛ لا يؤمن بالغيبيات، يكذب بآيات الله؛ لماذا؟ لأنه يعلم أن هؤلاء الرعية لو آمنوا بالعيب وأيقنوا أن هناك حاكمًا مدبرًا حكيمًا عليمًا قديرًا سميعًا بصيرًا، ما شاء كان، وما لم يشاء لم يكن، فإنهم لن يخضعوا لطاغوط ولن يصغوا لفرعون.

ولذلك؛ هَمُّ الفرعون في كل زمان ومكان أن يتَفِّه من شأن الغيب، وأن يُحَقِّر من شأن آيات الله. يقول الله -عز وجل- في سورة آل عمران (إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا وأولٰئك هم وقود النار | كدأب آل فرعون والذين من قبلهم ۚ كذبوا بآياتنا فأخذهم الله بذنوبهم والله شديد العقاب).

يكذبون بآيات الله، يكذبون بقدر الله.

من سمات الفرعون -أيضًا- معاداة رسول الله، وأولياء الله، والدعاة إلى الله، وتحقيرهم والإساءة إليهم، وتهديدهم ووعيدهم والتنكيل بهم. يقول -تعالى- في سورة يونس (ثم بعثنا من بعدهم موسىٰ وهارون إلىٰ فرعون وملئه بآياتنا فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين | فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا إن هٰذا لسحر مبين | قال موسىٰ أتقولون للحق لما جاءكم ۖ أسحر هٰذا ولا يفلح الساحرون | قالوا أجئتنا لتلفتنا عما وجدنا عليه آباءنا وتكون لكما الكبرياء في الأرض وما نحن لكما بمؤمنين).

فرعون يهدد ويتوعد؛ ففي سورة غافر (وقال فرعون ذروني أقتل موسى وليدع ربه إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد).. سبحان الله! كما قالت العرب: رمتني بدائها وانسلت.

فرعون الفاسد المفسد الظالم الفاسق يقول عن موسى -عليه السلام- هكذا!

هكذا الفراعنة في كل زمان ومكان.

نماذج الناهين عن المنكر

أيها المسلمون عباد الله؛ في قصة موسى وفرعون ثلاثة نماذج للنهي عن المنكر.

النموذج الأول والثاني في القرآن الكريم. امرأة فرعون والرجل المؤمن.

النموذج الأول امرأة فرعون؛ تلك الصالحة القانتة العابدة، التي قالت (رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين).

آمنت بموسى -عليه السلام-، وكفرت بزوجها الظالم الفاسق المتعدي.

ثم النموذج الثاني، ذاك الرجل المؤمن من آل فرعون، من جماعته، من قومه؛ وبعض المفسرين يقولون بل كان ولده؛ يكتُم إيمانه، نهى عن المنكر.

وقرأ في الآية ٢٨ من سورة غافر (وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم وإن يك كاذبا فعليه كذبه وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب).

واستمر في موعظته تلك.

وأما النموذج الثالث فقد حكاه لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. الحديث رواه الإمام أحمد عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (لما كانت الليلة التي أسري بي فيها، أتت علي رائحة طيبة، فقلت: يا جبريل، ما هذه الرائحة الطيبة؟ فقال: هذه رائحة ماشطة ابنة فرعون وأولادها. قال: قلت: وما شأنها؟ قال: بينما هي تمشط ابنة فرعون ذات يوم، إذ سقطت المدرى من يديها، فقالت: باسم الله، فقالت لها ابنة فرعون: أبي؟ قالت: لا، ولكن ربي ورب أبيك: الله. قالت: أخبره بذلك؟ قالت: نعم. فأخبرته، فدعاها، فقال: يا فلانة، وإن لك ربا غيري؟ قالت: نعم، ربي وربك الله. فأمر ببقرة من نحاس، فأحميت، ثم أمر بها أن تلقى هي وأولادها فيها) حكَم عليها بالموت بهذه الطريقة البشعة، التي لا تليق إلا بنفسٍ متمردة على الله عز وجل (قالت له: إن لي إليك حاجة، قال: وما حاجتك؟ قالت: أحب أن تجمع عظامي وعظام ولدي في ثوب واحد وتدفننا، قال: ذلك لك علينا من الحق. قال: فأمر بأولادها فألقوا بين يديها؛ واحدا واحدا) فلو أنه رمى بها أولا فماتت لأراحها، لكنه يريد مزيدًا من النكال والعقوبة. فأصبحت الأم ترى أولادها تذوب لحومهم أمام عينيها (إلى أن انتهى ذلك إلى صبي لها مرضع، وكأنها تقاعست من أجله، قال: يا أمه، اقتحمي؛ فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، فاقتحمت).

قال: قال ابن عباس: تكلم أربعة صغار: عيسى ابن مريم عليه السلام، وصاحب جريج، وشاهد يوسف، وابن ماشطة ابنة فرعون.

فهذه نماذج للنهي عن المنكر لم يبالوا بالفرعون، لم يبالوا بالدنيا وما فيها، وكان همهم رضا الله -عز وجل-. أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يجعلنا هداة مهتدين، ممن يقولون بالحق وبه يعدلون، وأن يستعملنا في طاعته، وأن يوفقنا للذب عن شريعته، وأن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه؛ توبوا إلى الله واستغفروه.

الخطبة الثانية

الحمد رب العالمين، والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين. وأشهد أن لا إله إلا الله، إله الأولين والآخرين، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله، النبي الأمين، بعثه الله بالهدى واليقين، لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين؛ اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى إخوانه الأنبياء والمرسلين، وآل كُلٍّ وصَحْبِ كُلٍّ أجمعين، وأحسن الله ختامي وختامكم وختام المسلمين، وحشر الجميع تحت لواء سيد المرسلين؛ أما بعد إخوتي في الله..

لماذا كان صيام عاشوراء يُكفر سنة واحدة وصيام يوم عرفة يكفر ذنوب سنتين؟

قال أهل العلم في ذلك عِلتان؛ العلة الأولى بأن صيام يوم عرفة يقع في شهر حرام وهو ذي الحجة، وقبله شهر حرام وهو وي القعدة، وبعده شهر حرام وهو المحرم.

أما صيام يوم عاشوراء فإنه يقع في شهر الحرام، الذي هو المحرم، وقبله شهر حرام وهو ذي الحجة، وليس بعده شهرٌ حرام.

ففضل يوم عرفة يوم عاشوراء من هذه الحيثية الحقيقية.

أيضًا؛ لأن صيام عاشوراء من شريعة من كان قبلنا، أما صيام يوم عرفة فهو من شريعة محمد -صلى الله عليه وسلم- التي هي أفضل الشرائع وأحسنها.

هل يجوز صيام عاشوراء فقط منفردًا؟

إخواني في الله؛ أحثكم على صيام يوم عاشوراء، ومن استطاع أن يصوم معه يوما قبله أو يوم بعده، فليفعل.

من استطاع أن يصوم التاسع والعاشر أو أن يصوم العاشر والحادي عشر فهو على خير عظيم؛ ومن لم يستطع فصام العاشرة وحده فقد أتى بما هو مطلوب، وسيوفيه الله أجره كاملا غير منقوص.

الدعاء

  • أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يتقبل منا صالح أعمالنا، وأن يوفقها لما يحب ويرضى، وأنا خذ بنواصينا إلى البر والتقوى وأن يختم لنا بخاتمة السعادة أجمعين.
  • اللهم إنا نسألك فواتِح الخير وخواتمه، وظاهره وباطنه، ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم.
  • اللهم صب علينا الخير صبا صبا، ولا تجعل عيشنا كدا كدا.
  • اللهم افتح علينا من بركات السماء وخزائن الأرض.
  • اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وأغننا بفضلك عمن سواك.
  • اللهم إنا نسألك بنور وجهك الذي أشرقت له السماوات والأرض أن تجعلنا في حفظك وحرزك وجوارك وتحت كنفك يا أرحم الراحمين.
  • اللهم اجعل يومنا خيرا من أمسنا، وغدنا خيرا من يومنا، ووفقنا لما تحب وترضى.
  • اللهم فرج هم المهمومين ونفس كرب المكروبين واقض الدين عن المدينين واشف مرضانا ومرضى المسلمين وارحم موتانا أجمعين، وفك أسر المأسورين، وفرج عن عبادك المسجونين، ووسع على عبادك المقلين برحمتك يا أرحم الراحمين.
  • اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، وارفع لهم الدرجات في الحياة وبعد الممات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات.

اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى جميع المرسلين؛ والحمد لله رب العالمين.


حول الخطبة

  • عنوان الخطبة: خطبة حول عاشوراء وما اقترن بها من دروس وعبر.
  • ألقاها: د. عبد الحي يوسف.
  • فحواها: التذكير بيوم عاشوراء وفضل صيامه، مع استخلاص دروس وعبر عظيمة من قصة موسى وفرعون.
  • كيفيتها: خطبة الجمعة؛ مكتوبة ومعنصرة، مشكولة -بالقدر المطلوب-، مشتملة على الآيات والأحاديث والقصص؛ لاستخرج عظيم دروس وعبر استملت عليها.

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: