خطبة حول فضل تفقد الأحباب والسؤال عن الآخرين

خطبة حول فضل تفقد الأحباب والسؤال عن الآخرين

مقدمة الخطبة

الحمد لله الملك الوهاب، أمر عباده بالإحسان إلى الأقارب والأحباب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، حبب إلى عباده الصالحات وعنده حسن المآب، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، قدوة الأمم، وقمة الهمم، ودرة المقربين إلى رب الأرباب، ﷺ وعلى آله والأصحاب.

أما بعد، فاتقوا الله -عباد الله-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾.

الخطبة الأولى

أيها المؤمنون: إن التفقد لمن هم حولنا يعد من الأخلاق الكريمة التي يدعو إليها الإسلام، يحمله أصحاب النفوس الطيبة، فيسهمون في بناء مجتمع مترابط تسوده المحبة وحسن العشرة بين أفراده، وهذا يجعل المسلمين صفا واحدا متماسكا كما أشار النبي ﷺ إلى ذلك بقوله: «مثل المؤمنين في توادهم، وتراحمهم، وتعاطفهم، مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى».

ولأن التفقد يقوي رابطة المجتمع فقد اعتنى به الأنبياء الكرام، فهذا سليمان عليه السلام يتفقد الغائبين عن مجلسه حتى مع غير البشر، يقول الله تعالى: ﴿وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ﴾.

ولا يخفى على اللبيب أن نبينا محمدا ﷺ اعتنى بهذا الخلق عناية بالغة فكان يتفقد أصحابه ويسأل عن غائبهم، فيدعو لمسافرهم، ويعود مريضهم، ويزور شاهدهم، وما ذلك إلا لأنه المعلم صاحب الخلق الرفيع، يقول ربنا الكريم: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾.

أيها المسلمون: إن السؤال عن الآخرين له آثار إيجابية عظيمة، فالتفقد يعد من أعظم الوسائل التي تفتح أمام المسلم أبوابا واسعة لتحصيل الأجور والحسنات، ومن خلاله نحقق مقاصد الأخوة في الله، ونبني جسور الترابط والتعاون على الخير، وقد روى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله ﷺ قال: «المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة، فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة».

والحق أن كثرة الأعمال ليست عذرا يعذر به المتهاون عن تفقد أهله وأقاربه وإخوانه، فإننا وإن كنا في زمن التسارع إلا أن الله تعالى قد هيأ لنا أدوات سهلة للتواصل كالهاتف أو الرسائل الصوتية والمرئية والمقروءة، فتعهد الأقربين بالتواصل إحسان أخذ الله تعالى الميثاق عليه، يقول تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾.

عباد الله: يقول المولى القدير: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا﴾، يبين لنا جل وعلا أن من أعظم مظاهر التفقد والاهتمام في حياة المسلم عنايته بوالديه، فإن برهم وخدمتهم والوفاء بحاجاتهم من أعمق صور الوفاء والتقدير لحقهم، فيحرص المسلم على إعطاء الوالدين الأولوية في هذا التفقد، ولا يقتصر البر على حياتهم فقط، بل يستمر حتى بعد وفاتهم، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: «إني سمعت رسول الله ﷺ يقول: إن من أبر البر صلة الرجل أهل ود أبيه بعد أن يولي«، كما يتسع هذا الاهتمام ليشمل الزوجة، والأبناء، والأقارب، وصلة الأرحام، والجار، وكل من له فضل من معلم مرب، وشيخ ناصح، أو صديق مخلص.

فاتقوا الله -عباد الله-، ﴿وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾.

أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم، وادعوه يستجب لكم إنه هو البر الكريم.

هذه أيضًا ⇐ خطبة: حقوق وآداب القيادة على الطريق

الخطبة الثانية

الحمد لله الحليم الرحيم، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا محمدا رسول الله الكريم، ﷺ وعلى آله وأصحابه أهل الفضائل والتكريم.

أما بعد، فيا عباد الله: إن حياة النبي ﷺ مليئة بتفقد أصحابه، وكان إذا غاب عنه أحدهم يسأل: «ما فعل فلان؟»، فإن أصابه مرض أو هم زاره فخفف عنه، ومن ذلك أن رجلا كان يأتي النبي ﷺ ومعه ابن له، فقال له النبي ﷺ: «أتحبه؟» فقال :أحبك الله كما أحبه، ففقده النبي ﷺ، فقال :«ما فعل فلان؟» قالوا: مات ابنه، فقال النبي ﷺ: «أما يسرك ألا تأتي بابا من أبواب الجنة إلا وجدته ينتظرك؟»، فقال رجل: أله خاصة أو لكلنا؟ قال: «بل لكلكم».

وعن أبي أمامة بن سهل قال: “اشتكت امرأة بالعوالي – مسكينة- فكان النبي ﷺ يسألهم عنها، وقال: «إن ماتت فلا تدفنوها حتى أصلي عليها»، فتوفيت، فجاؤوا بها إلى المدينة بعد العتمة، فوجدوا رسول الله قد نام، فكرهوا أن يوقظوه، فصلوا عليها، ودفنوها ببقيع الغرقد، فلما أصبح رسول الله جاؤوا فسألهم عنها، فقالوا: قد دفنت يا رسول الله، وقد جئناك فوجدناك نائما، فكرهنا أن نوقظك، قال: «فانطلقوا»، فانطلق يمشي ومشوا معه، حتى أروه قبرها، فقام رسول الله وصفوا وراءه، فصلى عليها، وكبر أربعا”.

ومن صور البر والإحسان وتذكر المعروف عند الحبيب المصطفى ﷺ ما تخبر به أم المؤمنين عائشة عن وفائه لخديجة رضي الله عنهما، تقول: «كان إذا ذبح الشاة يقول: أرسلوا بها إلى أصدقاء خديجة».

فاتقوا الله -عباد الله-، ولنتذكر دائما أن التواصل مع الإخوان والأقارب ليس واجبا اجتماعيا فحسب، بل هو عبادة نتقرب بها إلى الله ينبغي أن نتقن عملها، يقول ربنا جل جلاله: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾.

هذا وصلوا وسلموا على إمام المرسلين؛ محمد الهادي الأمين، فقد أمركم ربكم بذلك حين قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.

اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آل نبينا محمد، كما صليت وسلمت على نبينا إبراهيم وعلى آل نبينا إبراهيم، وبارك على نبينا محمد وعلى آل نبينا محمد، كما باركت على نبينا إبراهيم وعلى آل نبينا إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن أزواجه أمهات المؤمنين، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعن المؤمنين والمؤمنات، وعن جمعنا هذا برحمتك يا أرحم الراحمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error:
Scroll to Top