خطبة عن اليوم الوطني السعودي «مقسمة إلى عناصر وفقرات»

تمت الكتابة بواسطة:

ولا نزال مع الخُطَب الوطنية الملهمة. والآن يصِل بنا المطاف إلى خطبة عن اليوم الوطني السعودي. ليكنها ليست مجرَّد خطبة جمعة عادية؛ لكِنَّها أحد أهم الخُطَب التي يجب أن يُتقنها كافَّة الأئمة والخطباء داخل المملكة؛ لما لها من أهمية قُصوى لهذه المناسبة العظيمة في تاريخ البلاد.

نعم؛ يسعى الكثيرون إلى التميّز بإلقاء خطبة عن اليوم الوطني للمملكة العربية السعودية تكون مُلهمة وقويَّة ومؤثرة؛ لكِن أنّى يحدث هذا دون البحث والتحرّي وانتقاء أفضل المواعظ والخُطَب لأكابر فرسان المنابر نت الشيوخ والعلماء في عالم الخطابة!

نحن هنا نسوق إليكم هذه الخطبة المبارَكة لتكون أوَّل المقترحات بين يديكم في تحضير خطبة الجمعة القادمة حول هذا الموضوع الجلل.

مقدمة الخطبة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا.

من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وصفيه وخليله وخيرته من خلقه -صلى الله وسلم وبارك عليه- وعلي وصحبه أجمعين.

الخطبة الأولى

أما بعد؛ أيها المؤمنون أوصيكم ونفسي بتقوى الله ﷻ فاستمسكوا بها فهي وصية الله لكم ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾.

أيها المؤمنون انطلقت خديجة رضي الله عنها بنبينا ﷺ بعدما سمعت منه ما حدث له في الغار حتى أتت به ابن عمها ورقة ابن نوفل، وكان امرأ تنصر في الجاهلية، وكان يكتب الإنجيل بالعبرانية، وكان شيخا كبيرًا قد عمي، فقالت له خديجة -رضي الله عنها-: يا ابن عم اسمع من ابن أخيك، فقال له ورقة: يا ابن أخي ماذا ترى؟ فأخبره رسولنا ﷺ خبر ما رأى، فقال له ورقة: هذا الناموس الذي نزل الله على موسى، يا ليتني فيها جذعا، ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك، فقال نبينا ﷺ متعجبا «أو مخرجي هم؟» قال ورقة: نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرًا مؤزرا.

ترك ورقة ابن نوفل وهو العالم بالكتب السابقة، ترك جميع الابتلاءات التي بها أنبياء الله وهم أشد الناس بلاء كما جاء عن ذلك نبينا ﷺ.

وذكر للنبي ﷺ بلاءً عظيمًا يصيب الأنبياء وهو إخراجهم من أوطانهم، أنبياء الله يخرجون من أوطانهم؟ وهنا ورقة يُذكر النبي ﷺ بأن قومه سيخرجوه من دياره ومن وطنه.

وهو ظاهر لمن تأمل سير الأنبياء بعد سنين من البعثة يجتمع كفار قريش في دار الندوة في مناقشة الطريقة المثلى في التخلص من محمد ﷺ كما وصفهم الله في قوله ﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾.

الهجرة إلى المدينة

فكانت الخيارات أمام أهل قريش ثلاث خيارات؛ الخيار الأول القتل، والثاني الحبس، والثالث الإخراج من الوطن من مكة.

ثم اتفقوا على قتله ولكن الله أنقذه من القتل فخرج مهاجرًا إلى المدينة، كما قال الله ﷻ ﴿إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا﴾.

تأملوا يا رعاكم الله، تأملوا ذلك الموقف المحزن الذي يصفه أحد صحابة رسول الله ﷺ وهو يشاهد رسول الله يخرج من مكة متخفيا، يخرج من مكة ناظرا إليها وقلبه يعالجه الألم على فراق وطنه وبلده بأبي هو وأمي ﷺ.

النبي ﷺ يُشيد بوطنه مكة

يقول عبد الله بن عدي -رضي الله عنه-: رأيت رسول الله ﷺ واقفَا على الحزورة “وهو موضع قريب من مكة على أطرافها”، فقال: والتفت النبي ﷺ إلى مكة وهو يقول «والله إنك لخير أرض الله، وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أخرجت منك ما خرجت».

وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي ﷺ على تلك الحال «ما أطيبك من بلد وأحبك إلي ، ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك».

اليوم الوطني للمملكة العربية السعودية

أيها المؤمنون هذا اليوم يوم الجمعة يوافق مناسبة وطنية لبلادنا، وهي ذكرى توحيد هذه البلاد الطيبة حيث جمع الله القلوب ورفعت راية التوحيد وتوطد الأمن في أرجاء جزيرة العرب. أمام هذه المناسبة نقف عدة وقفات؛ الوقفة الأولى؛

حب الوطن غريزة في النفس البشرية، محبة الوطن والانتماء للبلد أمر غريزي وطبيعة طبع الله النفوس عليها فحين يولد الإنسان في أرض وينشأ فيها ويشرب من مائها ويتنفس هوائها ويتقلب بين جنباتها، ويعيش بين أهلها فإن فطرته السوية وعاطفته ترتبط بهذا المكان فيحبه حبًا فطريًا طبعي، ويحن إليه إذا ابتعد عنه.

يقول الجاحظ في كتاب له بعنوان “الحنين إلى الأوطان” يقول: كانت العرب إذا غزت أو سافرت حملت معها من تربة بلادها رملًا وعفراء تستنشقه عند نزلة أو زكام أو صداع.

هذا الميل أيها المؤمنون المباركون للأوطان أمر طبيعي لا محظور فيه إذا لم يتعارض مع الولاء للدين وأهل الإيمان، أو يترتب عليه عصبية أو قدح أو سباب بين أهله.

ولا مانع أيها المباركون لا مانع أن ينتسب الإنسان لوطنه فقد اشتهر بعض أصحاب رسول الله ﷺ بذلك، فبلال الحبشي، وصهيب الرومي، وسلمان الفارسي، وغيرهم -رضي الله عنهم- ولم يؤثر ذلك على ولائهم تجاه دينهم.

نشأنا في هذه البلاد المباركة على تقديم الدين على المليك والوطن، وهي نعمة ومفخرة نفاخر بها ولله الحمد والمنة.

حب الوطن في الكتاب والسنة

الوقفة الثانية، الوطن في كتاب الله وفي سنة رسول الله ﷺ. اقترن حب الأرض والوطن بحب النفس في القرآن الكريم.

تأملوا يا رعاكم الله ﴿وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ﴾.

هذان أمران من الأمور الشاقة على النفس؛ إخراج الروح من الجسد، وإخراج الجسد من الوطن.

ولا يدرك مرارة الإخراج من الوطن الذي نشأ فيه إلا امرؤ ذاق ذلك كما يعانيه أهلنا في فلسطين والشام واليمن وغيرها من بلاد أهل الإسلام فرج الله عنا وعنهم وعن كل مسلم ومسلمة وردهم إلى أوطانهم سالمين غانمين.

تأملوا أيضا في القرآن في قول الله ﷻ مبينا عظم التهجير من الأوطان، قال الله ﷻ ﴿لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾.

وفي قصة الملأ من بني إسرائيل قال الله ﴿قَالُواْ وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا﴾.

ولما كان الخروج من الوطن شديدًا على النفس البشرية فقد كان ذلك من فضائل المهاجر -رضي الله عنهم- من صحابة رسول الله ﷺ الذين ضحوا بأوطانهم هجرة في سبيل الله فتركوا مكة وهاجروا إلى الحبشة، ثم هاجروا إلى المدينة.

حب النبي للوطن

وأما رسول الهدى ﷺ فقد كان له وطن يحن إليه ففي سنن الترمذي بإسناد صحيح عن عبد الله بن عدي -رضي الله عنه- قال: رأيت رسول الله ﷺ واقفا على الحزورة، فقال «والله إنك لخير أرض الله، وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أخرجت منك ما خرجت».

ابتلي نبي الله بفراق وطنه، لما اتخذ النبي ﷺ المدينة وطنه دعا ربه أن يغرس حب ذلك البلد “حب المدينة” أن يغرسها في قلبه فقال ﷺ «اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد».

وصارت المدينة وطنًا ثانيًا لنبينا ﷺ المحبوبة إلى قلبه.

عن أنس -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله ﷺ إذا قدم من سفر فأبصر درجات المدينة أوضع ناقته، إذا رجع من غزوة، إذا رجع من سفر إذا رجع من حجٍ، إذا رجع من عمرة واقبل على المدينة ورأى درجاتها أي؛ ضواحيها، واقترب منها أوضع على ناقته أي؛ أسرع بها، رواه البخاري.

مشروعية حب الوطن والحنين إليه

يعلق بن حجر -رحمه الله- على هذه القصة وهذا الحديث فيقول فيه دلالة على فضل المدينة وعلى مشروعية حب الوطن والحنين إليه.

لشدة مفارقة الديار على النفس رتب الله الثواب العظيم للمهاجرين في سبيل الله ﷻ الذين فارقوا أوطانهم وأهليهم استجابة لله ﷻ بل جعل الله من عقوبة المحاربين والمفسدين في الأرض أن ينفوًا ويبعدوًا عن أوطانهم.

هذه عقوبة شرعية نصها الله في القرآن في قوله ﴿إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ﴾.

انظروا جعل النفي مُقارن للقتل وللتقطيع وللصلب، كذلك الإبعاد عن الوطن والنفي.

بل جعل الله من عقوبة الزاني البكر أن يجلد مئة، وأن يُغرّب عامًا كاملا ويبعد عن وطنه لأنها عقوبة لها من التأديب ما لها.

في اليوم الوطني.. اذكروا نعمة الله عليكم

الوقفة الثالثة أيها المؤمنون تذكر نِعم الله ﷻ، والمحافظة على هذه النعم بشكر الله ﷻ.

في مثل هذه المناسبات يتذكر العبد النعم التي أكرم الله بها هذه البلاد.

إن هذه المناسبة أيها المؤمنون فرصة للتذكر والتذكير بنعم الله العظيمة أنعم الله بها على هذه البلاد المباركة مهبط الوحي، ومهوى الأفئدة.

حقه علينا أن نجتهد في شكره لتحفظ تلك النعم وتزداد كما قال الله ﷻ ﴿لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾.

فمن أعظم تلك النعم التي يستحضرها المؤمن بمثل هذه المناسبة نعمة التوحيد والسنة حيث توحدت البلاد على كلمة التوحيد، وطمست مظاهر الشرك والبدع فلا ترى ولله الحمد والمنة قبرًا يعظم ولا مكان يطاف به، ولن تجد أيضًا مظهرًا من مظاهر الشرك الظاهرة.

فراية هذه البلاد ترفع كلمة لا إله إلا الله، ودستورها الكتاب والسنة، وترابها يضم بين جنباته مكة والمدينة، المسجد الحرام ومسجد رسول الله ﷺ بل وجسده الطاهر بأبي هو وأمي ﷺ.

من ذلك أيضا تلك النعم التي يستحضرها المؤمن ويلهج لله بالله شكرًا لها اجتماع الكلمة واتحاد الصف فبعد أن كانت الجزيرة هذه التي تسكنونها الآن كانت قبائل متناحرة أصبحت واحة محبة وسلام، يجتمع أهلها والساكنون عليها على مختلف أطيافهم وقبائلهم وشعوبهم يجتمعون على الحب والسلام، على الأخوة الدينية، وتلاشت مظاهر العصبية والثارات القبلية ولله الحمد والمنة.

اشكروا الله على نعمة الأمن والاستقرار

من تلك النعم أيضا نعمة الأمن والاستقرار فبعد أن كان الناس في خوف وتغلق أبواب البلد مع غروب الشمس.

اذكروا، تذاكروا مع آبائكم مع أجدادكم، اقرؤوا تاريخ بلدكم ستجدون أن في كل مدينة في الرياض مثلاً، في جدة مثلاً، في الدمام، في غيرها من من البلاد والمدن تجد أن لها بوابات تغلق مع غروب الشمس لأنه لا يوجد أمن واستقرار خوف أن يدخل أناس غرباء فيسلبوا أموال الناس وينتهكون أعراضهم.

ولم يكن أحد يسلم من اللصوص وقطاع الطريق حتى حجاج بيت الله ﷻ فلذلك بعد هذه النعمة الكريمة التي أكرم الله بها هذه البلاد أصبحت هذه الجزيرة بأطرافها وهي قارة أصبحت آمنة مطمئنة يسافر المرء بسيارته من شرقها إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها، في الليل أو النهار، ومعه ماله أهله وهو آمن لا يخاف إلا الله.

فاللهم لك الحمد كله وإليك يرجع الخير كله.

من تلك النعم التي يستذكرها المؤمن بمثل هذه المناسبة نعمة الرغد في العيش بما حبا الله هذه البلاد من خيرات وكنوز تفجرت لها من باطن أرضها كل ذلك بفضل الله ومنته وكرمه -جل في علاه- هو من كان يعلم ما كانت عليه هذه البلاد وما آلت إليه.

علم عظيم النعمة الدينية والدنيوية التي أكرم الله بها هذه البلاد فينهج لله شاكرا، وينطرح بين يديه ذاكرا، ويزداد حبًا لهذا البلد المعطاء محافظًا على هذه النعمة الغراء ويستذكر قول الله ﷻ واضعا يده قلبه ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ﴾، نعوذ بالله أن نكفر بنعمة الله.

حقيقة الوطنية والمواطنة

الوقفة الرابعة حقيقة الوطنية والمواطنة، أيها المؤمنون أن حقيقة الوطنية هي أن تنصح لهذا الوطن المبارك بما يكون فيه خيره وخير من يعيش فيه.

إن حقيقة الوطنية والمواطنة الصالحة أن يقوم كل فرد منا بواجبه بإخلاص وأمانة وصدق.

إن من مقتضيات المواطنة الصالحة احترام أنظمة الوطن والمحافظة على أمنه واستقراره ومرافقه وموارده، والحرص على مكتسباته وعوامل بنائه، والحذر كل الحذر من كل ما يؤدي إلى نقصه، أو زعزعته.

المواطنة الصالحة

المواطنة الصالحة عباد الله تكون بالجوهر لا بالمظهر، بالحقيقة لا بالصورة، لا يصح أن ينتسب إلى هذا الوطن من يسعى إلى إفساد أو تخريب، أو تدمير وتكفير وتفجير، لا والله.

لا يصح أن ينتسب إلى هذا الوطن من يسعى إلى إفساد عقائد قاطنيه، وأخلاقهم عن طريق قنوات فضائية أو صحف أو مجلات أو مقالات، أو مواقع للتواصل الاجتماعية التي تبث شبهات وشهوات.

كما لا يصح أن ينتسب إلى هذا الوطن من يسعى إلى استغلال مقدراته وأهله بنهب المال العام بغير حق، أو استغلال حاجة الناس باحتكار السلع والمبالغة في الأسعار جشعًا في الأرباح الطائلة.

نقول لأولئك الذين تناقضوا نقول لهم: إن حب الوطن بالقيام بمسؤولياته، وحفظ أمانته وأدائها على الوجه الذي يرضي الله -جل في علاه- وليس بسرقة الوطن والمواطنين.

حب الوطن ليس كلمات تقال

إن حب الوطن يكون بالدفاع عنه وعن حياضه وحدوده، وعن دينه ومقدساته وأخلاقه ومواطنيه ومقيميه وليس بأذيته.

إن حب الوطن باحترام الكبير والعطف على الصغير، واحترام الجار، واحترام النظام، والتعامل مع الناس بأخلاق أهل الإسلام.

التعامل مع الناس مسلمهم، كافرهم، طائعهم، فاجرهم، التعامل معهم بأخلاق الإسلام التي قال الله في شيء منها ﴿وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾.

إن حب الوطن بالحرص على ممتلكاته، والتعامل بأخلاق أهل الإيمان.

إن حب الوطن أيها المؤمنون المباركون ليس يومًا في العام أو صورة أو علما بل حب الوطن في كل يوم وفي كل حين.

نسأل الله ﷻ أن يهدينا جميعا، ويسلك بنا سبيل الرشاد، وأن يجعلنا مواطنين صالحين مصلحين في أسرهم ومجتمعاتهم إنه جواد كريم.

أقول ما تسمعون، واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله، الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد أيها المؤمنون المباركون اتقوا الله ﷻ حق التقوى واستمسكوا من دينكم بالعروة الوثقى.

الجنة هي الوطن الأصلي

وقفتنا الأخيرة مع المناسبة هذه “مناسبة الوطن” أن هناك حنين إلى الوطن الأصلي “الوطن الأصلي” نعم أيها المؤمنون ثمة وطن سكنه أبونا آدم -عليه السلام-، وهو أول وطن له وهو خير الأوطان وأفضل الأماكن ألا وهو الجنة دار النعيم المقيم.

فالمسلم يتعلق قلبه بذلك الوطن ويحن ويشتاق إليه، ويعمل بجد واجتهاد وينطرح بين يديه، أي؛ بين يدي الله -جل في علاه- لكي يرجع إلى وطنه الذي قال الله ﷻ مبيناً أن أبانا آدم كان في ذلك الوطن ﴿يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ﴾.

الجنة هي وطن القرار لكل مؤمن ومؤمنة كما قال الله ﷻ ﴿يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ﴾.

نعم جعل الله ﷻ من نعيم أهل الجنة أنهم لن يتحولوا عنها وأنها ستكون وطنًا، وسيستوطنون فيها لا يخرجون منها أبدا.

الدنيا دار غربة

قال الله ﷻ ﴿خَالِدِينَ فِيهَا لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلا﴾، لهذا كان المؤمن غريبًا في دار الدنيا أي والله كلنا غرباء في هذه الدنيا أينما حللنا، أينما حللنا فهي دار غربة.

قال نبيكم ﷺ «كن في الدنيا كأنك غريب أو كعابر سبيل»، أخرجه البخاري.

وهو في انتظار وترقب للرجوع إلى وطنه الأول وهو جنة النعيم.

قال الفضيل ابن عياض -رحمه الله-: المؤمن في الدنيا مهموم حزين همه التزود بما ينفعه عند العود فمن حين خلق الله آدم عليه السلام وأسكنه هو وزوجته الجنة ثم اهبط منها ووعد بالرجوع إليها مع صالح ذريته فالمؤمن أبدا يحن إلى وطنه الأول، وحب الوطن من الإيمان. — انتهى كلام الفضيل -رحمه الله-.

ويقول ابن القيم -رحمه الله- في نميته:

فحي على جنات عدن فإنها
منازلنا الأولى وفيها المخيم

ولكننا سبى العدو فهل ترى
نعود إلى أوطاننا ونسلم

فأعظم حنين أيها المبارك، أعظم حنين ينبغي أن يكون إلى وطننا الأول، سكن الأبوين ودار الخلد والنعيم قال -صلى الله عيه وسلم- «إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنها وسط الجنة و أعلاها و فوقها عرش الرحمن و منها تفجير أنهار الجنة».

اللهم إنا نسألك الجنة. اللهم إنا نسألك الفردوس الأعلى من الجنة، وأن تحرم وجوهنا ووجوه آبائنا وذرياتنا وزوجاتنا من النار يا رب العالمين.

بعد هذا صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه.

وقال جل من قائل عليما ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.

الدعاء

  • اللهم صل وسلم وزد وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وعنا معهم بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين.
  • اللهم أعز الإسلام والمسلمين ودمر أعداءك أعداء الدين.
  • اللهم عليك باليهود الغاصبين والنصارى المعتدين والرافضة المتربصين، اللهم اشدد وطأتك عليهم، وارفع عافيتك عنهم، فرق جمعهم، شتت شملهم، خالف بين قلوبهم.
  • اللهم من أرادنا وأراد بلادنا وبلاد المسلمين بسوء اللهم أشغله في نفسه واجعل كيده في نحره واجعل تدبيره تدميره يا ذا الجلال والإكرام.
  • اللهم احفظ رجال أمننا وجنودنا المرابطين على حدودنا، اللهم احفظهم بحفظك يا حفيظ، اللهم احفظهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ومن فوقهم ونعوذ بعظم أن يغتالوا من تحتهم.
  • اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا.
  • اللهم وفق ولي أمرنا لكل خير، واصرف عنه كل شر، اجعله ناصرا للسنة وأهلها، قامعًا للبدعة وأهلها يا ذا الجلال والإكرام.
  • اللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام أصلح أحوال المسلمين في كل مكان.
  • اللهم اجمع كلمة أهل الإسلام على التوحيد والسنة يا رب العالمين.
  • اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا، أصلح نياتنا وذرياتنا وزوجاتنا برحمتك يا أرحم الراحمين.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.


خطبة اليوم الوطني السعودي

  • ألقاها: الشيخ/الدكتور يوسف المهوس؛ جزاه الله خيرا.
  • موضوعها: صالت وجالت الخطبة حول الكثير من الوقفات الهامَّة التي يجب الانتباه إليها تزامنًا مع حدث كبير بحجم اليوم الوطني السعودي.
  • مقترح: خطبة جمعة مكتوبة بمناسبة يوم التأسيس السعودي

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: