هل تتسبب تعريفات ترامب الجمركية في انهيار أمريكا؟ وهل سيتأثر باقي العالم؟

هل تتسبب تعريفات ترامب الجمركية في انهيار أمريكا؟ وهل سيتأثر باقي العالم؟

في الأيام القليلة الماضية، أثار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب – المعروف بقراراته المثيرة للجدل وسلوكه الذي يوحي وكأنه يدير كوكب الأرض بأكمله – عاصفة عالمية جديدة من الجدل، وذلك بعد ظهوره في مؤتمر صحفي وهو يحمل لوحة ضخمة مليئة بالأرقام، معلنًا فرض تعريفات جمركية على معظم دول العالم، دون استثناء تقريبًا.

تعريفات جمركية شاملة تقلب الأسواق

في المؤتمر الذي عقده ترامب في حديقة البيت الأبيض يوم الأربعاء 2 أبريل 2025، أعلن أنه يشعر بأن دول العالم “تسرق” أمريكا وتستغل مواردها ومساعداتها، لذلك قرر – على حد تعبيره – أن يفرض “ضرائب على العالم كله”. وفعلاً، قام بإعداد قائمة تضمنت نحو 180 دولة، قرأ أسماءها واحدة تلو الأخرى، محددًا نسبة الضريبة المفروضة على كل منها كما لو كان يوزع نتائج امتحان الثانوية العامة.

جميع الدول شملتها تعريفة جمركية بنسبة 10%، إلا أن ترامب اختار نحو 60 دولة وضعها في ما أسماه “قائمة المستوى الأول”، وفرض عليها ضرائب إضافية. تضمنت هذه القائمة دولًا مثل الصين التي ارتفعت التعريفة المفروضة عليها إلى 54%، وفيتنام 46%، وتايوان 32%، وتايلاند 36%. المدهش أن القائمة شملت أيضًا حلفاء تقليديين لأمريكا مثل دول الاتحاد الأوروبي (بنسبة 20%) وسويسرا (31%)، وكذلك الهند واليابان، إضافة إلى بعض الدول العربية مثل سوريا (41%)، وليبيا (31%)، والجزائر (30%).

أما قائمة الـ10% التي تضم العدد الأكبر من الدول، فتشمل دولًا مثل مصر والسعودية والإمارات والكويت وتركيا وبريطانيا والبرازيل، وغيرها.

كيف تؤثر هذه التعريفات؟

التعريفات الجمركية التي فرضها ترامب تخص الواردات القادمة إلى الولايات المتحدة، أي أن الشركات المُصدّرة إلى أمريكا أصبحت مطالبة بدفع رسوم جمركية إضافية. فعلى سبيل المثال، إذا كانت شركة في فيتنام تصدّر بضائع بقيمة 100,000 دولار إلى أمريكا، فستضطر لدفع 46,000 دولار كرسوم جمركية – أي 46% من قيمة البضائع. وهذا يعني، ببساطة، أن المنتجات ستصبح أغلى على المستهلك الأمريكي، الذي سيتحمل الفرق في السعر، وليس الشركات.

ومن الجدير بالذكر أن هذه الرسوم لم تقتصر على السلع الثقيلة أو التكنولوجية، بل شملت تقريبًا كل شيء: من السيارات واللحوم والألبان إلى المنتجات الزراعية البسيطة والمشغولات اليدوية. وبالتالي، المواطن الأمريكي الذي اعتاد الحصول على سلع رخيصة، سيبدأ بدفع مبالغ أكبر، مع أن ترامب صوّر الأمر على أنه سيضرب الشركات الأجنبية، بينما الواقع أن المواطن هو من سيتحمل العبء.

لماذا فرض ترامب هذه الرسوم؟ وهل مبرراته منطقية؟

السبب المُعلن الذي قدمه ترامب لتبرير فرض هذه الرسوم يتمثل في “الضرائب غير المباشرة” التي – بحسب وصفه – تفرضها الدول الأخرى على المنتجات الأمريكية، من خلال ما يُعرف بـ”الحواجز التجارية غير الجمركية”، مثل فرض معايير صارمة، أو تحديد حصص الاستيراد، ما يحد من تدفق السلع الأمريكية إلى الأسواق العالمية. وبناءً على ذلك، يقول ترامب إن فريقه الاقتصادي قام بحساب دقيق لقيمة هذه الضرائب غير المباشرة، وحدد على أساسها النسبة المناسبة التي “سيأخذها” من كل دولة. ولأنه “شخص طيب”، على حد تعبيره، قرر أن يحصل فقط على نصف هذه القيمة كنوع من “الخصم”، وهو ما عبّر عنه بصريًا من خلال خانة صفراء في لوحته العملاقة.

لكن… هل هذا الكلام دقيق؟

الإجابة: لا على الإطلاق. الأرقام التي أعلنها ترامب لا تستند إلى قواعد اقتصادية سليمة، بل إن بعض الدول المذكورة لا تفرض أصلًا أي رسوم أو حواجز على المنتجات الأمريكية. على سبيل المثال، دولة ليسوتو الصغيرة، التي لا يعرفها الكثيرون، وتكافح الفقر والبطالة، شملها ترامب بنسبة 50%. وحتى جزر نائية مثل “هيرد وماكدونالد” التي لا يعيش فيها أحد، وُضعت عليها تعريفة بنسبة 10%! وهو ما دفع كثيرين للسخرية من أن ترامب ربما استخدم ذكاءً صناعيًا مثل “شات جي بي تي” لإعداد قائمته!

الأسباب الحقيقية… عقدة الميزان التجاري والمارد الصيني

بعيدًا عن التصريحات الرسمية، تكمن دوافع ترامب الحقيقية في أمرين رئيسيين:

عقدة الميزان التجاري

الميزان التجاري هو الفارق بين قيمة الصادرات والواردات، وإذا زادت الواردات على الصادرات، تكون الدولة في حالة “عجز”. ترامب يعاني من عقدة حقيقية تجاه هذا المؤشر. ففي ولايته الأولى عام 2016، كان العجز التجاري الأمريكي حوالي 500 مليار دولار، ووعد بحله. لكن العجز ازداد في عام 2021 ليصل إلى 860 مليار دولار، وحاليًا، في ولايته الثانية، تجاوز العجز تريليون دولار. لذلك، يسعى ترامب إلى تعويض هذا العجز بجمع رسوم جمركية ضخمة من الدول التي تُصدّر لأمريكا.

الرغبة في كبح المارد الصيني

من أهم أهداف ترامب أيضًا تقليص نفوذ الصين المتزايد في التجارة العالمية. فمنذ زيارة الرئيس نيكسون إلى الصين عام 1972، سمحت أمريكا للشركات الأمريكية بالاستثمار هناك، مستفيدة من العمالة الرخيصة والمواد الخام المتوفرة. وبمرور الوقت، أصبحت الصين قوة اقتصادية عظمى، بل وتفوقت صناعيًا وتكنولوجيًا. ترامب الآن يسعى لإعادة المصانع الأمريكية من الصين إلى بلاده، مستغلًا الرسوم الجمركية كوسيلة ضغط. الفكرة هي أن تصبح كلفة الإنتاج في الصين مرتفعة بسبب الرسوم، مما يدفع الشركات إلى العودة لأمريكا. لكن هذه الخطة تحمل معها مخاطرة كبيرة، لأن تكاليف التصنيع في أمريكا أعلى بكثير، مما قد يرفع أسعار المنتجات ويقلل من تنافسية الشركات الأمريكية عالميًا.

هل سينجح ترامب؟ أم تنقلب الخطة عليه؟

الواقع أن النتائج حتى الآن ليست في صالح ترامب. فبدلًا من أن تُقوّي هذه السياسة الاقتصاد الأمريكي، بدأت تُثقل كاهل المواطن العادي، الذي اضطر لتحمل ارتفاع الأسعار في السلع الأساسية مثل الغذاء والملابس والسيارات. وتُشير بعض التقديرات إلى أن المواطن الأمريكي قد يدفع سنويًا ما بين 3000 و4000 دولار إضافية بسبب هذه الرسوم.

وما يزيد الطين بلّة، أن استجابة الشركات الأمريكية لخطة ترامب بطيئة، إذ لا يمكن إعادة بناء المصانع وتشغيلها في الداخل الأمريكي بين عشية وضحاها. بل إن بعض الاقتصاديين يرون أن حتى لو عادت المصانع، فإن ارتفاع الأجور وتكاليف الإنتاج والطاقة سيجعل المنتجات الأمريكية باهظة الثمن، مما يقلل من قدرتها على المنافسة، وبالتالي يُتوقع أن تسيطر الشركات الآسيوية – مثل سامسونج – على السوق العالمي.

الداخل الأمريكي يغلي

هذه السياسات أثارت احتجاجات كبيرة داخل أمريكا، حتى من المناطق الريفية التي تُعد المعقل التقليدي للحزب الجمهوري، مما يُعد مؤشرًا خطرًا لحكومة ترامب. بل إن بعض الولايات مثل كاليفورنيا أعلنت رفضها للقرارات، وطالب حاكمها الدول بالتعامل معها ككيان مستقل يُعفى من الرسوم الانتقامية.

العالم يرد بقوة

أما عالميًا، فقد بدأت الدول في اتخاذ إجراءات انتقامية. فالصين، على سبيل المثال، فرضت تعريفات مماثلة على الواردات الأمريكية بنسبة 34%، ثم رفعتها تدريجيًا إلى 84%، ثم إلى 125%، ردًا على زيادة ترامب للتعريفة إلى 145%. كما أوقفت تصدير المعادن النادرة الضرورية للصناعات الإلكترونية والطيران، ومنعت التعامل مع عدد من الشركات الأمريكية.

ومع تفاقم الوضع، دخلت أوروبا على خط المواجهة إلى جانب الصين، وهو تحالف غير مسبوق في التاريخ الحديث، مما يشير إلى تصاعد التوترات التجارية إلى مستويات خطيرة قد تُهدد الاقتصاد العالمي.

الاحتمال الأخطر: مؤامرة مالية؟

تتداول بعض الأوساط الليبرالية في أمريكا نظرية مؤامرة مفادها أن ترامب فرض هذه الرسوم عمدًا لإسقاط أسواق الأسهم العالمية، مما يسمح لمستثمرين مقربين منه – مثل إيلون ماسك – بشراء الأسهم بأسعار زهيدة، قبل أن يتم إلغاء الرسوم لاحقًا فتعاود الأسهم الارتفاع، محققين أرباحًا ضخمة. ورغم أن العلاقة بين ترامب وماسك يشوبها التوتر مؤخرًا، إلا أن هذه النظرية لا تزال تحظى بتأييد واسع لدى المعارضة الديمقراطية.

الخلاصة: يبدو أن ما بدأه ترامب كوسيلة لاستعادة “عظمة أمريكا الاقتصادية”، قد يتحول إلى عبء اقتصادي على الداخل الأمريكي، ومصدر توتر عالمي يهدد النظام التجاري الدولي بأكمله. فهل سينجح في فرض إرادته؟ أم تتحد الدول الأخرى لكبح طموحاته؟ هذا ما ستكشفه الأسابيع وربما السنوات القادمة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error:
Scroll to Top