ترك الاضطباع في الطواف بسبب المرض

ترك الاضطباع في الطواف بسبب المرض

تفاصيل الاستشارة: أنا مصاب بمرض جلدي في الشق الأيمن من الكتف الأيمن وهو ظاهر جداً لكل من يراه مما يضعني في حرج شديد وقد أحرمت وأنا أرتدي ملابس الإحرام بشكل كامل دون إظهار كتفي فهل علي شيء؟؟ جزاكم الله خيرا

الإجـابة

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد..

فإظهار الكتف اليمنى يعرف بالاضطباع، والاضطباع سنة من سنن الحج، وهو غير واجب، ونقل عن الإمام مالك أنه ليس بسنة، وأجمع الفقهاء على أن من ترك الاضطباع، فلا يجب عليه شيء، لأنه ترك سنة أو هيئة من هيئات الحج، وبالتالي فلا شيء على من ترك إظهار الكتف الأيمن بسبب مرض جلدي أو دون سبب، وإن كان كشفه أولى وأفضل دون وجود السبب، وإليك ذلك بالتفصيل:

1. روى أبو داود بإسناد صحيح، ولفظه عن ابن عباس {أن رسول الله ﷺ وأصحابه اعتمروا من الجعرانة فرملوا بالبيت، فجعلوا أرديتهم تحت آباطهم ثم قذفوها على عواتقهم اليسرى}.

2. وروى البيهقي بإسناد صحيح قال: عن ابن عباس قال {اضطبع النبي ﷺ هو وأصحابه، ورملوا ثلاثة أشواط، ومشوا أربعا}.

وروى أبو داود والترمذي وابن ماجه بأسانيد صحيحة، قال الترمذي: هو حديث حسن صحيح عن يعلى بن أمية رضي الله عنه {أن رسول الله ﷺ طاف بالبيت مضطبعا ببرد}.

3. وروى البيهقي بإسناد صحيح عن أسلم مولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت عمر يقول {فيم الرملان الآن والكشف عن المناكب؟ وقد وطد الله الإسلام ونفى الكفر وأهله ومع ذلك لا نترك شيئا كنا نصنعه مع رسول الله ﷺ}.

وقد دلت هذه الأحاديث والآثار على مشروعية الاضطباع والإتيان به.

والاضطباع هو: أن يدخل الرجل رداءه الذي يلبسه تحت منكبه الأيمن فيلقيه على عاتقه الأيسر وتبقى كتفه اليمنى مكشوفة.

ويسن الاضطباع في طواف القدوم وفي السعي، وهو رأي جمهور العلماء، وقيل: لا يسن الاضطباع في السعي، وهو رأي ضعيف.

ورأي الجمهور: هو استحباب الاضطباع، ويرى الإمام مالك أن الاضبطاع والرمل كان لإظهار القوة والجلد للمشركين، ووقد زال السبب، فلا يشرعان.

يقول الإمام النووي: مذهبنا استحباب الاضطباع. وقال مالك لا يشرع الاضطباع لزوال سببه، قال أصحابنا: هذا منتقض بالرمل بما روي عمر بن الخطاب رضي الله عنه: فيم الرملان الآن والكشف عن المناكب؟ وقد وطد الله الإسلام ونفى الكفر وأهله ومع ذلك لا نترك شيئا كنا نصنعه مع رسول الله ﷺ}.

كما أنه من المعلوم أن الاضطباع خاص بالرجال، ولا يجوز للمرأة أن تضطبع، لما يترتب على ذلك من ظهور العورة.

يقول الإمام الشيرازي من فقهاء الشافعية:، ولا ترمل المرأة ولا تضطبع لأن في الرمل تبين أعضاؤها، وفي الاضطباع ينكشف ما هو عورة منها ).انتهى

وفي الدر المختار من كتب الأحناف: والمرأة فيما مر من أعمال الحج كالرجل لعموم الخطاب ما لم يقم دليل الخصوص، لكنها تكشف وجهها لا رأسها ; ولو سدلت شيئا عليه وجافته عنه جاز، بل يندب، ولا تلبي جهرا، بل تسمع نفسها دفعا للفتنة ; وما قيل إن صوتها عورة ضعيف، ولا ترمل، ولا تضطبع، ولا تسعى بين الميلين ولا تحلق بل تقصر، من ربع شعرها، وتلبس المخيط والخفين والحلي، ولا تقرب الحجر في الزحام، لمنعها من مماسة الرجال.. انتهى

ومن ترك الاضطباع، فلا يسن له الإتيان به، لكنه ترك هيئة وهو مذهب جمهور العلماء، وقيل: إنه سنة، وما دام يمكن الإتيان به، فهذا أولى.. ورأي الجمهور أقوى.

والفقهاء مجمعون على أن من ترك الاضطباع لا يجب عليه شيء، لأنه ترك سنة أو هيئة من هيئات الحج.

يقول الإمام الشيرازي من فقهاء الشافعية: فإن ترك الرمل والاضطباع والاستلام والتقبيل والدعاء في الطواف جاز ولا يلزمه شيء ; لأن الرمل والاضطباع هيئة فلم يتعلق بتركها جبران كالجهر والإسرار في القراءة، والتورك والافتراش في التشهد والاستلام والتقبيل والدعاء كمال، فلا يتعلق به جبران كالتسبيح في الركوع والسجود.. انتهى

يقول الإمام النووي: لو ترك الاضطباع والرمل والاستلام والتقبيل والدعاء في الطواف فطوافه صحيح ولا إثم عليه، ولا دم عليه، لكن فاتته الفضيلة. قال الشافعي والأصحاب: وهو مسيء، يعنون إساءة لا إثم فيها.. انتهى

وفي الإنصاف من كتب الحنابلة: ومن سنن الحج: الرمل والاضطباع والصحيح من المذهب: أنهما سنتان وعليه جماهير الأصحاب، وفي عيون المسائل: يجبان، ونقل حنبل: إذا نسي الرمل فلا شيء عليه وقاله الخرقي وغيره.. انتهى

وعليه: فإن الاضطباع سنة عند الجمهور، ويرى الإمام مالك عدم سنيته، وأنه كان مرتبطا بإظهار الجلد مع الرمل، وقد انتفى حكمه، فلا يقال بالاستحباب أو السنة، ولا يجب بتركه شيء، لأنه غير واجب، وإن كان هذا في حق السليم المعافى، فإن من كانت عنده علة تمنعه من الاضبطاع كان أولى بالحكم، لعموم آيات التيسير، كقوله تعالى: ﴿وما جعل عليكم في الدين من حرج﴾ وقوله تعالى: ﴿يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر﴾، ومن المعلوم أن رفع الحرج من القواعد الهامة التي يستند إليها في كثير من الأحكام والفتاوى الشرعية.

والله أعلم.

⇐ وبإمكانك أيضًا الاطلاع على المزيد من الفتاوى:

أضف تعليق

error: