فضل الصلاة على النبي في قضاء الحوائج وذهاب الهُمُوم والأحزَان

تمت الكتابة بواسطة:

إن الحديث عن فضل الصلاة على النبي في قضاء الحوائج وغيرها من الفوائِد والفضائل كذهاب الهُمُوم و الأحزَان والغموم؛ كل هذا يستدعي كثير من الدروس العلمية والخطَب القويَّة. ولِم لا وقد جاءت الأحاديث النبوية ومن قبلها الآيات القرآنية، وكلام أهل العلم والسلف والتابعين، ومن قبلهم الصحابة أيضًا. كل هذا يحثنا على الإكثار من الصلاة على الرسول المختار -عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام- ويدفعنا دفعًا إلى هذا.

مكانة النبي محمد ﷺ

إن الله ﷻ لم يُخاطِب الخَلق كلهم. وإنما أرسل إليهم رسلا مبشرين ومنذرين. أمر الله ﷻ بطاعة هؤلاء الأنبياء والمرسلين. وأمر باحترامهم وتوقيرهم وتبجيلهم وتوقيرهم. وتعزيرهم عليهم صلاة الله وسلامه. وإن من الأنبياء محمد -صلى الله عليه أفضل صلاة وأزكاها-، بل هو أعظمهم وأفضلهم وإمامهم وسيدهم محمد ﷺ.

هذا الرجل العظيم الذي مَنّ الله علينا به. فهو هديَّة من الله ﷻ بل هي نعمة عظيمة. ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً﴾. وبعث فيهم هذا النبي، وبعث فيهم هذا الرجل الذي تُفتَتح به أبواب الجنة. أسأل الله ﷻ أن يحشرنا معه.

إن محمدا –عليه أفضل الصلاة وأتَم التسليم– لم يكن ليعمل لنفسه، بل كان يصلي ويعبد الله ﷻ الليل والنهار، وجاهد في الله حق جهاده، ولم ينسى أمته. فقد جاء في صحيح مسلم أنه صلى ليلة -عليه الصلاة والسلام- فقرأ قول الله -تبارك وتعالى- ﴿إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾. هذا قول عيسى يوم القيامة. ولكن النبي ﷺ قرأه في صلاة الليل، قرأه في تهجده، قرأه في خلوته مع الله ﷻ. فبكى النبي ﷺ ورفع يديه إلى السماء يقول «يا رب أمتي أمتي». ما قال نفسي نفسي.

وبكى المصطفى ﷺ. فأرسل الله ﷻ سيد الملائكة جبريل -عليه السلام- قال: اسأل محمد ما يبكيك؟ والله أعلم بما يبكيه. فأتاه جبريل -عليه السلام- فقال له: يا محمد إن ربك يسألك عما يبكيك. فأخبره.

فذهب جبريل ثم عاد، فقال: يا محمد إن الله يقول أنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك.

ولذلك؛ فالله ﷻ يحقق وعده. فإن هذه الأمة قليلة بالنسبة إلى الأمم، لكنها أكثر أهل الجنة دخولا.

اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وعلى آله

فقد قال النبي ﷺ -في حديث ورد في صحيح البخاري– لأصحابه «أترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة؟» فقالوا: نعم. قال: «أترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنة؟» فقالوا: نعم. قال: «أترضون أن تكونوا شطر أهل الجنة؟» فقالوا: نعم. قال: «والذي نفس محمد بيده، إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة؛ وذلك أن الجنة لا يدخلها إلا نفس مسلمة، وما أنتم في أهل الشرك إلا كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود، أو كالشعرة السوداء في جلد الثور الأحمر».

فالله أكبر على هذه النعمة. اللهم صل على محمد وعلى آل محمد يا رب العالمين.

بالمؤمنين رؤوف رحيم

وما كان النبي -عليه أَفضل الصلواتِ وأَكمل التحيات- ليدخل الجنة لوحده. بل كان رؤوفا رحيما في أمته. وفي سورة التوبة نقرأ ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ﴾، وفي قراءة ﴿مِّنْ أَنفَسِكُمْ﴾ أي من أعلاكم وأحسنكم.

ما أكثر رحمته وما أعظم رحمته ﷺ. حقه علينا كثير.

اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد

ومن حقوقه ذلك النبي الذي تشوَّق إلينا؛ فقال -بعد أن مر على المقبرة ودعا- ثم قال «وددت أني لقيت إخواني». قال الصحابة: أولسنا إخوانك يا رسول الله؟ قال «بل أنتم أصحابي ولكن إخواني الذين آمنوا بي ولم يروني».. اللهم اجعلنا منهم.

اشتاق النبي -صلّى اللهم عليه أفضل صلاة وأتمَّها- لرؤية إخوانه من بعده. فنعوذ بالله أن يرانا على خِزي أو يرانا على ذنبٍ أو يرانا على بدعة.

فإن النبي ﷺ يتشوَّف أمته يوم القيامة، وينظر إليهم ويدعوهم إلى حوضه. ذلك الحوض العظيم الذي فيه كيزان -أكواب- كعدد نجوم السماء. تسقى أمته -عليه الصلاة والسلام- من ذلك الحوض. الذي من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا. ويكون شربه في الجنة تلذذا لا عطشا.

فالنبي -عليه أفضلُ الصلاة وأطيب السلام- يتشوف أمته ويعرفهم غُرا محجلين من آثار الوضوء. فينظر إلى هذا وإلى هذا، فيرى من أمته من يرِدون إلى الحوض فيصدون ويبعدون، تبعدهم الملائكة. فيقول «يا رب أمتي أمتي». فيقول ﴿يا محمد لا تدري ماذا أحدثوا بعدك﴾. يا محمد لا تدري ماذا غيروا بعدك، يا محمد لا تدري ماذا أجرموا بعدك.

هذه طائفة من الأمة ابتدعت وانتحلت نحلة غير نحلة النبي ودينه، وابتعدت عن مِلّته. خاضوا في أفكار ومذاهب ليست قريبة من مذهب النبي ﷺ ولا من سنته.

فيقول الرؤوف الرحيم -عليه الصلاة والسلام- «سحق سحقا» لهذا لهؤلاء الناس الذين ابتعدوا عن سنته ﷺ.

كيف يتكاسل المؤمن عن الصلاة على نبيه!

إن من حق نبينا محمد علينا أن نصلي عليه صباح مساء. فإن من صلى عليه صلاة صلى الله به عليه عشرا.

إن الله أمرنا بأمر ابتدأ بنفسه، ثم ثنى بملائكته المسبحين بقدسه، ثم ثلث بنا من جنه وانسه. فقال -سبحانه- في سورة الأحزاب ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.

إذا كان الله يُصلي على نبيه. وإذا كان الله قد أمر الملائكة كلهم أن يصلوا على نبيه. فما بالنا نحن تصمت ألسنتنا عن الصلاة عليه! ما بالنا نحن نحرم أنفسنا من فضل الصلاة على النبي ﷺ.

صلاة الله ثناؤه على العبد في الملأ الأعلى. فإذا أثنى عليه فقد صلى عليه.

الرب ﷻ في الملأ الأعلى الملأ الشريف من الملائكة الكرام العظام. يثني الله على عبده في هذا الوقت وفي هذا المكان. فتثني الملائكة وتدعو الملائكة وتصلي الملائكة عليه. ونحن في الأرض مأمورون بأن نصلي على النبي ﷺ.

بل الذي لا يصلي عليه يصيبه من الذل والهوان والحسرة ما لا يعلمه إلا الله.

صعد النبي ﷺ المنبر؛ فقال «آمين». ثم رقي الثانية، فقال «آمين». ثم رقي الثالثة فقال «آمين». قالوا: سمعناك يا رسول الله تقول شيئا لم تفعله. قال «أتاني جبريل، فقال: رغم أنف امرئ -أي: دُسّ أنفه في الرغام/التراب- أدرك رمضان فلم يغفر له، قل: آمين، فقلت: آمين، ورغم أنف امرئ ذكرت عنده فلم يصل عليك، قل: آمين، فقلت: آمين، ورغم أنف رجل أدرك والديه أو أحدهما فلم يغفر له، قل: آمين، فقلت: آمين».

فوالله إننا لمحرومون إذا تركنا الصلاة على النبي ﷺ. كيف لنا أن نترك الصلاة وقد جعل الله الصلاة على النبي ركنا من أركان الصلاة، في التحيات وفي التشهد والصلاة الإبراهيمية. فلا تصح صلاة عبد لا يصلي على النبي في صلاته.

فوائد صلاة المسلم على نبيه ﷺ

إن العبد إذا صلى على نبي الله ﷻ صلاة واحدة، رفعه الله عشر درجات، ومحا عنه عشر سيئات، وادخر له عشر حسنات.

وإذا صلى العبد على النبي محمد صلاة واحدة، صلى الله عليه عشرا. أن تقول: اللهم صل وسلم على نبيك محمد. فيذكر الله اسمك في الملأ الأعلى عشر مرات، ويثني عليك عشر مرات. بل إذا أكثرت واستمررت على ذلك كنت جارًا للنبي ﷺ في الفردوس الأعلى. والجار قبل الدار كما يقولون.

لذلك ما أسهله من عمل، وما أعظمه من جزاء. لكن المحروم هو الذي صمت عن الصلاة على النبي -عليه أفضلُ الصلاة وأطيب السلام-.

وإنك إذا صليت على النبي ﷺ فقل: الصلاة والسلام. لا تكتفي فتقل: النبي -عليه السلام-. بل قل: عليه الصلاة والسلام. لأن الله قال ﷻ ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾. فلا تقتصر صلاتك على النبي ﷺ بالسلام.

فضل الصلاة على النبي في قضاء الحوائج

ومن شرف الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام أن يعرض اسمك على المصطفى ﷺ في قبره. قال -صلّى اللهم عليه أفضل صلاة وأتمَّها- «إن لله ملائكة سياحين في الأرض، يبلغوني من أمتي السلام». ما أعظمه من فخر ومن شرف أن يذكر اسمك عند الله وعند رسوله.

فإن الأنبياء لهم حياة برزخية والأرض لا تأكل أجساد الأنبياء، ولهم حياة خاصة يعلمها الله ﷻ.

النبي لا يسمعنا ولا يعرف دعائنا. بل الملائكة التي هي التي تنقل الصلاة والسلام عليه؛ اللهم صل وسلم عليه.

فضل الصلاة على النبي في قضاء الحوائج

جاء رجل -لما سمع فضل الصلاة على النبي- قال يا رسول الله؛ إني أُكثِر الصلاة عليك، فكم أجعل لك من صلاتي؟ فقال «ما شئت». قلت: الربع؟ قال «ما شئت، فإن زدت فهو خير لك». قلت: النصف؟! قال «ما شئت، فإن زدت فهو خير لك». قلت: فالثلثين؟ قال «ما شئت، فإن زدت فهو خير لك». قلت: أجعل لك صلاتي كلها؟! قال «إذا تكفى همك، ويكفر لك ذنبك يعني في دعائي».

وقد كان النبي ﷺ قد سمع رجلا يدعو في صلاته وفي دعائه؛ فقال -عليه الصلاة والسلام- «عَجّل هذا» يعني: استعجل. لماذا؟ يقول عمر: فإن الدعاء محبوسٌ بين السماء والأرض حتى يُصلى على النبي ﷺ.

إن أردت أن يرتفع دعاؤك وأن يصل كلامك إلى السماء، فلا تنسى الصلاة على النبي -عليه أَفضل الصلواتِ وأَكمل التحيات-.

إذا رفعت يديك قل: اللهم اغفر لي وارحمني وعافني. وصل اللهم على نبيك محمد. فإن الدعاء محجوب يقف بين السماء والأرض حتى يصلى عليه.

إذا أصابتك الهموم وأدركتك الحاجات. فأكثر من الصلاة على النبي ﷺ. كرامة من الله أن يجعلك الله مستجاب الدعوة في هذا الدعاء. لأنك تصلي على النبي ﷺ.

فأكثروا من الصلاة عليه ولا تحرموا أنفسكم.

ثم إنه من الجانب الفقهي، فالصلاة على النبي ﷺ في المجلس الواحد؛ لو صليت واحدة فإنك قد أديت الواجب. وما كان من أخريات فهي من الفضل والمستحبات. لذلك لا تفوّت عليك هذا الفضل.

ولذلك؛ فإن البخيل الذي من ذكر عنده النبي فلم يصلي عليه. تذكروا هذا، وأحاديث كثيرة في الصلاة والسلام على النبي ﷺ. لولا الوقت لكان سردها مما تطيب به النفس وينشرح به القلب. وذلك لأنها في ذكر المصطفى -عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم-.

اللهم صل على محمد وآل محمد مكتوبة مزخرفة

اللهم إنا نسألك الله أن تصلي على نبيك محمد وتسلم عليه يا رب العالمين، اللهم اجعلنا ممن يصلي ويسلم عليه ليل ونهار. اللهم ارزقنا شفاعته يا رب العالمين. اللهم ارزقنا شفاعته فإنه لا يملك الشفاعة إلا أنت، فارزقنا شفاعته في الآخرة يا أكرم الأكرمين.


التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: