إن لكم في قصصهم عبرة

القرآن الكريم , عبرة, قصص, صورة

إن الله عز وجل اصطفانا بمعجزة البيان والبلاغة، وأنزل إلينا كتابا يتلى إلى يوم الدين، يعلمنا أمور ديننا، ودنيانا، ويقص علينا أخبار السابقين، لنتدبر ونستقي العبر والدروس، ونوسع مداركنا ونعمق فهمنا للحياة بما يقتضيه النجاح والتقدم للأمام.

وسورة يوسف من السور التي ركزت على سرد قصة من أروع وأجمل قصص الأنبياء والصالحين، وهي قصة حياة سيدنا يوسف -عليه السلام-، وقد وصفها الله عز وجل في كتابه الكريم بأنها أحسن القصص، فقد جمعت بين ثنايا حروفها عبرًا ودروسًا تستحق أن تكتب بماء العيون، دروسًا في فهم أعماق النفس البشرية وطبيعتها المعقدة، والصراع الأزلي بين ما يفرضه عليها الواجب والضمير وبين رغباتها ونزعاتها، فضلا عن الحبكة اللغوية والقصصية التي يقف أمامها أعظم الكتاب مذهولا بروعتها وقوتها، وهنا سيكون محور حديثنا حول بعض العبر والدروس المستفادة من تلك القصة القرآنية الخالدة، ونسأل الله عز جل أن ينفعنا وينفع قارئنا الكريم بما نسوقه من خلال السطور القليلة التالية.

الكتمان من الفطنة

إن أول الدروس التي تعلمنا إياها السورة الكريمة أن بعض الكتمان من الفطنة ومن ذلك كتمان النعم وعدم التحدث فيها أمام الجميع، فإن الإنسان لا يدري من يريد له الخير ممن يريد به السوء، فقد يستكثر السامع نعم الله على الإنسان، أو يولد ذلك في نفسه غيرةً أو حسدًا، أو رغبةً في إيذائه، ومن ثم فإن الحديث عن النعم لا يكون إلا مع الثقات الذين نتيقن من حبهم لنا وحرصهم على صلاحنا وأنهم يحبون الخير لنا، وهذا ما انطوت عليه نصيحة نبي الله يعقوب عليه السلام- لأبنه يوسف عليه السلام حين يقول: (قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَىٰ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا ۖ إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ).

العدل بين الأبناء حق قائم في كل الأحوال

إن من الدروس التي خلدتها قصة يوسف -عليه السلام -مع إخوته درس العدل بين الأبناء، في العطاء المادي ومن قبله العطاء المعنوي من الاهتمام والحب والتدليل وغيره، وهذا العدل قائم ومطلوب في كل الأحوال، فإخوة يوسف عليه السلام كانوا كبارًا، وقد بلغوا سن الشباب والفهم ويوسف كان صغيرًا، ومع ذلك فإن صغر سنه لم يشفع له في الاستئثار بحب أبيه واهتمامه، وكبر سن إخوته لم يمنعهم من التعبير عن نزعة الغيرة التي دبت في قلوبهم تجاه يوسف -عليه السلام-، يقول تعالى على لسان أخوة يوسف: (إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَىٰ أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (8)).

تبرير الذنب وتزيينه آفة الضمير

من أهم الدروس التي تهدينا إياها سورة يوسف هو درس في مواجهة النفس بالحقيقة والخروج من نفق التبرير والتزيين، لأن الشيطان والهوى يزينان للإنسان ما يريد فعله بمنطق غريب جدا، يجعله يرى الباطل حقا، والحق باطلا، ويرى القبيح الذي ظهر قبحه كظهور الشمس في عليائها طيبًا ومقبولًا، وهذا ما حدث مع إخوة يوسف حين جلسوا يتباحثون ويدبرون المؤامرة للتخلص من يوسف -عليه السلام-، فبعضهم كان واضحا مع نفسه فقال: (اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ)، ولما أوشك ضميره أن يتيقظ ليذكره بالذنب أردف فورا: (وَتَكُونُوا مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ).

أما البعض الأخر فلم يكن لديهم الشجاعة ليواجهوا أنفسهم ببشاعة الجرم المقبلون عليه، فراحوا يبررون فعلتهم، وفي ذلك يقول الله عز وجل على لسان بعضهم: (قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ (10))، وتوقعهم الذي صرحوا به لم يكن منطقيا إذ أن الالقاء في البئر مظنة الموت وليس مظنة النجاة، فالبئر عميق جدا وبه ماء ومظلم وفيه ما فيه من الحشرات والثعابين والعقارب وغيرها من الأمور التي يتحقق معها الهلاك، أما نجاته من البئر فهذا لتدبير الله وحكمته وليس تصديقا لتوقعهم، فقد اقتضت إرادته أن يستجيب لقولهم ويرسل الله إلى يوسف عليه السلام- من ينقذه، ليقضي أمرا كان مفعولا وليتحقق ليوسف ما عده الله به من الملك والعزة.

أضف تعليق

error: