أسباب قيام الحرب العالمية الأولى

الحرب العالمية الأولى

كانت الأجواء الدولية قد بلغت ذروتها في الاحتقان، ولم يكن ينقصها سوى اندلاع الحرب، فكانت الشرارة التي أشعلت فتيلها على خلفية تضارب وتعارض الأطماع الاستعمارية، وتمثلت هذه الشرارة في حادث اغتيال الأرشيدوق فراس فرديناند ولي عهد امبراطورية النمسا والمجر، حيث انطلقت مركبته المكشوفة في شوارع المدينة الصربية سراييفوا وهو في طريقه لتفقد قوات الامبراطورية في إقليم البوسنة.

وقع الحادث في الثامن والعشرين من يونيو عام ١٩١٤ على يد شاب قومي من صرب البوسنة يبلغ من العمر ١٩ عاماً فقط يُدعي جافرين لو برانسي، العضو في منظمة اليد السوداء والتي كانت تنادي بالاغتيالات السياسية للقادة النمساويين.

الشّرارة التي أشعلت الفتِيل

تَصادف أن يكون هذا اليوم موافقاً للذكرى السنوية لهزيمة الصرب أمام الأتراك عام ١٣٨٩، وكانت امبراطورية النمسا والمجر قد ضمت بالقوة إقليمي البوسنة والهرسك إلى ممتلكات الإمبراطورية عام ١٩٠٨، وأعلنت نيتها ضم الصرب أيضاً، مما أثار سخط القوميين الذي كانوا ينادون بدولة مستقلة تضم الصرب والبوسنة والهرسك.

الرصاصة التي فجّرت الحرب العالمية الأولى

تقول قصة اغتيال الأرشيدوق أن موكِبه المكون من ٦ سيارات مرت سريعاً باتجاه قاعة الاحتفالات الكبرى للمدينة، وفي ذلك الطريق كان المتآمرون ينتظرون اللحظة الحاسمة، وقد توزعوا ضمن مجموعتين، فإذا فشلت المجموعة الأولى، تتولى المجموعة الثانية إتمام المؤامرة.

كان الأرشيدوق بملابسه الرسمية، في تلك اللحظة مرت السيارة بمحاذاة مهمة التنفيذ الأولى التي ألقت قنبلة على الموكب، وتدحرجت القنبلة نحو السيارة الثانية التي كانت وراء السيارة المطلوبة.

دَوى الانفجار وجُرح عدد من مرافقي الموكب الملكي وبعض المتفرجين.

توقف الموكب لحظات ثم تابع طريقه، واطمأن الجميع أن مؤامرة الاغتيال فشلت، وبالفعل لم يتحرك الرجال الآخرون من أعضاء فريق التنفيذ.

توجه الشاب الصربي إلى مقهي في شارع فرانس جوزيف، حيث جلس يحتوي كوباً من القهوة، وهكذا تحولت الخطة إلى فشل كامل، وانتهى كل شيء أو هكذا بدأ الأمر.

قرر الأرشيدوق فجأة أن يزور المشفى العسكري للاطلاع على حالة الجرحى الذين أصيبوا أثناء محاولة الاغتيال، وكان المشفى قريباً من تلك المقهى، وبسبب خلاف بين حاكم شرطة سراييفوا والحاكم العسكري للمنطقة، حصل ارتباك في الترتيبات الأمنية، وظل شارع فرانس جوزيف دون حراسة.

توقف الموكب قليلاً أمام تلك المقهى، وكان الشاب الصربي قد أنهى شرب قهوته ثم قام ليقف أمام الباب، وعلى بُعد أمتار قليلة من سيارة الأرشيدوق، وهنا ودون تردد مد يده إلى مسدسه وأطلق النار مرتين.

أصابت الطلقة الأولى الأرشيدوق في صدره، وأصابت الثانية بطن زوجته التي ماتت على الفور، وبعد دقائق مات الأرشيدوق.

أثار الاغتيال نقمة النمسا على صربيا، وأشعل فتيل الحرب العالمية الأولى التي اندلعت في أوروبا وسرعات ما امتدت إلى باقي دول العالم بين عامي ١٩١٤ و ١٩١٨، وكانت مقدمات الحرب قد انطلقت من احتقان الأجواء بين امبراطورية النمسا والمجر لغزو صربيا، فأعلنت روسيا الحرب على النمسا، ودخلت ألمانيا الحرب كحليف للنمسا، ودخلت بريطانيا وفرنسا كحليفين لروسيا.

وقد استُعملت لأول مرة الأسلحة الكيماوية في هذه الحرب، كما تم قصف المدنيين من السماء لأول مرة في التاريخ، وأسفرت عن خسائر بشرية لم يشهدها التاريخ من قبل، وسقطت السلالات الحاكمة والمهيمنة على أوروبا التي يعود منشأها إلى الحملات الصليبية، وتم تغيير الخارطة السياسية في أوروبا، وكانت الحرب العالمية الأولى هي المؤجج للثورة البلشفية في روسيا التي بدورها أحدثت تغييراً في السياسيتين الصينية والكوبية، كما مهدت الطريق للحرب الباردة بين العملاقين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية، وأخذت الحروب شكلاً جديداً في أساليبها بتدخل التكنولوجيا بشكل مباشر في الأمور الحربية، ودخول أطراف لا ناقة لها بالحرب ولا جمل، وهي شريحة المدنيين.

فبعدما كانت الحروب تخاض بتقابل جيشين متنازعين في ساحة المعارك، صارت المدن المأهولة بالسكان ساحات للمعركة، مما نتج عنه سقوط ملايين الضحايا جراء تلك الحروب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error:
Scroll to Top