أثر أمهات المؤمنين في خدمة السنة وعلومها

أثر أمهات المؤمنين في خدمة السنة وعلومها

تمثل المنهج الذي سلكته أمهات المؤمنين -رضوان الله ﷻ عنهن- في خدمة السنة وعلومها في الآتي:

  1. تلقي السنة والحرص على تعلمها منه ﷺ.
  2. كن خير وسيط في نقل بعض أحكامها بينه ﷺ وبين السائلات من المؤمنات.
  3. الحث على تعلم السنة والترغيب في ذلك.
  4. القيام بواجب تبليغ السنة للناس في حياته وبعد وفاته ﷺ.
  5. العناية بصحة نقل الرواية وضبطها.
  6. الاستدراك على بعض الصحابة في تصحيح بعض الأحكام والاستنباطات من السنة المطهرة.
  7. القيام بواجب النصح والإرشاد والتذكير بالسنة لبعض الخلفاء والولاة على أمور المسلمين.

هذا ويتضح الحديث عن منهجهن -رضوان الله ﷻ عنهن- في خدمة السنة وعلومها من خلال مباحث هذا الفصل.

سؤالهن النبي ﷺ وسؤال الناس لهن في السنة

أولا: أسئلة أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- للنبي ﷺ في السنة

لقد كثرت عناية أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- بالسنة إلى حد فاقت فيه كثيرا من الصحابة – رضوان الله عليهم – والمتتبع لذلك الميراث الذي ورثته -رضي الله عنها- لا يكاد يحيط بكل رواياتها التي أفردها بعض المصنفين بكتب خاصة بها لعظم النفع الذي حصل للأمة من كثرتها وإتقانها -رضي الله عنها- في نقلها للسنة المطهرة.

لذلك سيكون جل الاهتمام منصبا على بعض تلك المرويات الواردة عنها -رضي الله عنها-، والتي أتت على طريقة سؤالها للنبي ﷺ، وإجابة النبي ﷺ لها، معتمدا في ذلك على الصحيح الثابت. مما ورد في صحيحي البخاري ومسلم ليكون أنموذجا حيا ودليلا واضحا على سعة علم أم المؤمنين – رضي الله عنها.

ويكفي في ذلك العدد الذي بلغته رواياتها -رضي الله عنها- التي وصلت إلى (2210) أحاديث. اتفق البخاري ومسلم على مائة وأربعة وسبعين حديثا، وانفرد البخاري بأربعة وخمسين، وانفرد مسلم بتسعة وستين.

ومن هذه الروايات الكثيرة أقتطف منها على سبيل المثال لا الحصر ما يلي:

عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: «قال رسول الله ﷺ: البكر تستأذن، قلت: إن البكر تستحي، قال: إذنها صماتها».

لقد اتضح من خلال سؤال أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أمر مهم كثير التردد والوقوع، ألا وهو ضرورة أخذ الإذن من البكر في النكاح والصورة التي يعرف بها إذن البكر دون الثيب.

والذي يستخلص مما سبق هو ضرورة استئذان البكر عند إرادة تزويجها تطييبا لخاطرها. وأقل ما في ذلك هو الاستحباب، ومن أوصله إلى حد الوجوب فلا مأخذ عليه، نظرا للأمر الوارد في الحديث، ولتعلق تحقق النكاح به.. والله أعلم.

عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: استأذن علي أفلح فلم آذن له، فقال: أتحتجبين مني وأنا عمك؟ فقلت وكيف ذلك؟ فقال: أرضعتك امرأة أخي بلبن أخي، فقالت: سألت عن ذلك رسول الله فقال: «صدق أفلح، ائذني له».

وهذا الحديث من أقوى الأدلة عند الجمهور الذين قالوا إن لبن الفحل يحرم فتنشر الحرمة لمن ارتضع الصغير بلبنه، وفيه خلاف قديم حُكي عن ابن عمر وابن الزبير ورافع بن خديج وزينب بنت أم سلمة وغيرهم، وعن ابن سيرين: نبئت أن ناسا من أهل المدينة اختلفوا فيه. وعن زينب بنت أبي سلمة أنها سألت والصحابة متوافرون وأمهات المؤمنين فقالوا: الرضاعة من قبل الرجل لا تحرم شيئا، وقال به من الفقهاء ربيعة الرأي وإبراهيم بن علية وداود وأتباعه. وحجتهم في ذلك قوله ﷻ: {وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم} ولم يذكر العمة ولا البنت كما ذكرهما في النسب. وأجيبوا بأن تخصيص الشيء بالذكر لا يدل على نفي الحكم عما عداه، ولا سيما وقد جاءت الأحاديث الصحيحة.

واحتج بعضهم من حيث النظر بأن اللبن لا ينفصل من الرجل وإنما ينفصل من المرأة فكيف تنشر الحرمة إلى الرجل؟ والجواب: أنه قياس في مقابلة النص فلا يلتفت إليه. وذهب الجمهور من الصحابة والتابعين وفقهاء الأمصار كالأوزاعي في أهل الشام والثوري وأبي حنيفة وصاحبيه في أهل الكوفة وابن جريج في أهل مكة ومالك في أهل المدينة والشافعي وأحمد وإسحق وأبي ثور وأتباعهم إلى أن لبن الفحل يحرم وحجتهم هذا الحديث الصحيح.

ومن الأحاديث الواردة في سؤال أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- للنبي ﷺ في السنة في موضوع الرضاع كذلك، ما ورد عن عائشة -رضي الله عنها-: «أن رسول الله ﷺ كان عندها، وأنها سمعت صوت رجل يستأذن في بيت حفصة، قالت عائشة: فقلت يا رسول الله: هذا رجل يستأذن في بيتك، فقال رسول الله ﷺ: أراه فلانا (لعم حفصة من الرضاعة) فقالت عائشة: يا رسول الله، لو كان فلان حيا (لعمها من الرضاعة) دخل عليّ؟ قال رسول الله ﷺ: نعم، إن الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة».

عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: «أتتها بريرة تسألها في كتابتها، فقالت: إن شئت أعطيت أهلك ويكون الولاء لي، وقال أهلها إن شئت أعطيتها ما بقي، وقال سفيان مرة: إن شئت أعتقتها ويكون الولاء لنا، فلما جاء رسول الله ﷺ ذكرته ذلك، فقال: ابتاعيها فاعتقيها، فإن الولاء لمن أعتق..».

وقد وقع في رواية الإمام مالك – رحمه الله – وغيره بلفظ: «ذكرت ذلك لرسول الله ﷺ».

وهذا على سبيل الاستفسار للعلم بالشيء.

ومن أسئلة أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- للنبي ﷺ في السنة ما ورد أنها قالت: «استأذنت النبي ﷺ في الجهاد. فقال: جهادكن الحج».

والحديث يدل على رغبة أم المؤمنين -رضي الله عنها- في المسارعة إلى الخيرات حيث سألت عن هذا الباب العظيم وهو الجهاد في سبيل الله رغبة منها في تحصيل الأجر والثواب. وقد ورد هذا الحديث بروايات متعددة في السنن وغيرها.

فعن عائشة -رضي الله عنها- «قالت: «قلت: يا رسول الله، على النساء جهاد؟ قال: نعم، جهاد لا قتال فيه، الحج والعمرة». وفي لفظ آخر: «فسأله نساؤه عن الجهاد فقال: نعم الجهاد الحج».

وقد زعم البعض أن هذه الأحاديث تقتضي حرمة السفر عليهن لغير الحج. وهذا الحديث يرد عليهم لأنه دل على أن لهن جهادا غير الحج والحج أفضل منه..، والمعنى أن الجهاد ليس بواجب عليكن كما وجب على الرجال. ولم يرد بذلك تحريمه عليهن. فقد ثبت في حديث أم سلمة أنهن كن يخرجن فيداوين الجرحى، وفهمت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- ومن وافقها من هذا الترغيب في الحج، وإباحة تكريره لهن كما أبيح للرجال لتكرير الجهاد، وخص به عموم قوله ﷺ: «هذه ثم ظهور الحصر».

ومن أسئلة أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- للنبي ﷺ في السنة ما ورد أنها قالت: «سألت رسول الله ﷺ عن الالتفات في الصلاة؟ فقال: هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد».

قيل في معنى قوله ﷺ: (هو اختلاس) أي: اختطاف بسرعة.. وسمي اختلاسا تصويرا لقبح تلك الفعلة بالمختلس، لأن المصلي يقبل عليه الرب ﷻ، والشيطان مرتصد له ينتظر فوات ذلك عليه، فإذا التفت اغتنم الشيطان الفرصة فسلبه تلك الحالة.

وهذا الحديث وغيره من الأحاديث الواردة في النهي عن الالتفات تدل على كراهة الالتفات في الصلاة وهو قول الأكثر والجمهور على أنها كراهة تنزيه ما لم يبلغ إلى حد استدبار القبلة.

ومن أسئلة أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- للنبي ﷺ في السنة ما ورد أنها قالت: «قلت يا رسول الله إن لي جارين، فإلى أيهما أهدي؟ قال: «إلى أقربهما منك بابا».

ومعنى قوله ﷺ: «أقربهما» أي أشدهما قربا. «والحكمة فيه أن الأقرب بابا يرى ما يدخل بيت جاره من هدية وغيرها فيتشوف له بخلاف الأبعد».

ومن أسئلة أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- للنبي ﷺ في السنة ما ورد أنها قالت: كان رسول الله ﷺ يكثر أن يقول قبل أن يموت «سبحانك وبحمدك، أستغفرك وأتوب إليك»، قالت»: «قلت يا رسول الله! ما هذه الكلمات التي أراك أحدثتها تقولها؟ قال: «جُعلت لي علامة في أمتي إذا رأيتها {إذا جاء نصر الله والفتح} إلى آخر السورة».

وأما العلامة التي وردت في الحديث فقد جاءت موضحة في الحديث الآخر المروي عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قالت: «كان رسول الله ﷺ يكثر من قول (سبحان الله وبحمده، أستغفر الله وأتوب إليه) قالت: فقتل: يا رسول الله أراك تكثر من قول سبحان الله وبحمده أستغفر الله وأتوب إليه، فقال: خبرني ربي أني سأرى علامة في أمتي فإذا رأيتها أكثرت من قول سبحان الله وبحمده أستغفر الله وأتوب إليه، فقد رأيتها {إذاجاء نصر الله والفتح -فتح مكة- ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربح واستغفره إنه كان توابا}.

ومن أسئلة أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- للنبي ﷺ في السنة ما ورد أنها قالت: «قلت يا رسول الله، يصدر الناس بنسكين وأصدر بنسك واحد؟» قال: «انتظري فإذا تطهرت فاخرجي إلى التنعيم، فأهلي منه، ثم القينا عند كذا وكذا..» الحديث.

والحديث ورد بروايات متعددة في الصحيحين وغيرهما. وسؤال أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- للنبي ﷺ وإلحاحها بإفراد العمرة لها كصاحباتها من أمهات المؤمنين رغبة منها في الخير واستكثارا للعمل الصالح قد فتح بابا في العلم واجتهادا لدى العلماء – رحمهم الله – في أصل النسك الذي أهلت به أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- هذا ولقد فصل شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في هذه المسألة وأوردها في معرض الحديث عن العمرة عقب الحج لكثرة ما يفعله الناس في هذا الزمان، فقال -رحمه الله: «فأما العمرة عقيب الحج من مكة كما يفعله كثير من الناس اليوم: فهذا لم يعرف على عهد السلف. ولا نقل عن أحد عن النبي ﷺ، ولا عن أحد من الذين حجوا معه أنهم فعلوا ذلك، إلا عائشة -رضي الله عنها- لأنها كانت قدمت متمتعة فحاضت، فأمرها النبي ﷺ أن تحرم بالحج وتدع العمرة.

فمذهب أحمد ومالك والشافعي أنها صارت قارنة، ولا يجب عليها قضاء تلك العمرة. لكن أحمد في إحدى الروايتين عنه جعل القضاء واجبا عليها لوجوب العمرة عنده في المشهور عنه. وكون عمرة القارن والعمرة من أدنى الحل لا يسقط وجوب العمرة عنده في إحدى الروايتين. ومذهب أبي حنيفة أن عائشة رفضت العمرة وأهلت بالحج فصارت مفردة، وعنده يجب عليها قضاء العمرة التي رفضتها. وبنى ذلك على أصله: في أن القارن يطوف طوافين، ويسعى سعيين، فلم يكن في القران لها فائدة.

وأما الجمهور فبنوه على أصولهم: في أن عمل القارن لا يزيد على عمل المفرد، قالوا: إن النبي ﷺ إنما أعمر عائشة -رضي الله عنها- تطييبا لنفسها، لأنها قالت: «يذهب أصحابي بحجة وعمرة، وأذهب أنا بحجة»، فقال النبي: «يسعك طوافك بحجك وعمرتك» وفي رواية أهل السنن: «طوافك بالبيت وبين الصفا والمروة يكفيك لحجك وعمرتك» فلما ألحت أعمرها تطييبا لنفسها».

ومن أسئلة أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- للنبي ﷺ في السنة ما روته: «أن رسول الله ﷺ قال: ألم تري أن قومك حين بنوا الكعبة، اقتصروا عن قواعد إبراهيم؟ قالت: فقلت يا رسول الله أفلا تردها على قواعد إبراهيم؟ فقال رسول الله ﷺ لولا حدثان قومك بالكفر لفعلت».

وهذا الحديث ورد بروايات عدة يفسر بعضها بعضا وبمجموعها تدل على رغبته ﷺ في إرساء قواعد البيت على قواعد إبراهيم الخليل -عليه السلام- وتركه لذلك تقديرا للمفسدة الأعظم منه وهي خوف فتنة بعض من أسلم قريبا.

ومعنى قوله ﷺ: «ألم تري» أي ألم تعرفي. ومعنى قوله: «اقتصروا عن قواعد إبراهيم» أي أن النفقة الطيبة التي أخرجوها قصرت بهم عن إتمامها على قواعد إبراهيم. ومعنى قوله «لولا حدثان قومك بالكفر لفعلت» وفي رواية: «فأخاف أن تنكر قلوبهم» قيل: إن النفرة التي خشيها ﷺ أن ينسبوه إلى الانفراد بالفخر دونهم».

هذا ولقد استنبط النووي – رحمه الله – في شرحه للحديث فوائد وقواعد مهمة، منها: «إذا تعارضت المصالح أو تعارضت مصلحة ومفسدة وتعذر الجمع بين فعل المصلحة وترك المفسدة بُدئ بالأهم، لأن النبي ﷺ أخبر أن نقض الكعبة وردها إلى ما كانت عليه من قواعد إبراهيم ﷺ مصلحة، ولكن تعارضه مفسدة أعظم منه وهي خوف فتنة بعض من أسلم قريبا، وذلك لما كانوا يعتقدونه من فضل الكعبة فيرون تغييرها عظيما، فتركها ﷺ. ومنها فكر ولي الأمر في مصالح رعيته واجتنابه ما يخاف منه تولد ضرر عليهم في دين أو دنيا إلا بالأمور الشرعية كأحذ الزكاة وإقامة الحدود ونحو ذلك، ومنها تألف قلوب الرعية وحسن حياطتهم وألا ينفروا ولا يتعرض لما يخاف تنفيرهم بسببه ما لم يكن فيه ترك أمر شرعي كما سبق».

ومن أسئلة أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- للنبي ﷺ في السنة ما ورد: «أنها قالت لرسول الله ﷺ: يا رسول الله! هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟ فقال: لقد لقيت من قومك، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم أستفق إلا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني فقال: إن الله ﷻ قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، فناداني ملك الجبال وسلم علي ثم قال: يا محمد إن الله قد سمع قول قومك، وأنا ملك الجبال وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك، فما شئت؟ إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين، فقال رسول الله ﷺ بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا».

والحديث فيه من الدروس الدعوية والعظات والعبر الشيء الكثير فمنها على سبيل المثال لا الحصر:

  1. عالمية الدعوة وأنها للناس كافة وليست قاصرة على أهل مكة دون غيرهم.
  2. التضحية بالنفس والنفيس في سبيل نشر دين الله في الأرض.
  3. بيان أصناف الناس ودرجات تفاوتهم في قبول الدعوة ورفضها، تمثل ذلك في موقف أهل الطائف برفضهم وإغراء سفهائهم به ﷺ.
  4. اصطفاء الله لمن شاء من عباده، وكأن الرحلة إلى الطائف كانت لعداس وحده من البشر، ونفر من الجن الذين آمنوا واتبعوا كما ورد في سورة الأحقاف.
  5. نصرة الله ﷻ لرسوله ﷺ بإرسال ملك الجبال لاستئصال المكذبين.
  6. بيان بشريته ﷺ وأنه يناله ما ينال البشر من المصائب والمحن.
  7. بيان أن طريق الدعوة والجهاد ليس مفروشا بالورود والرياحين.
  8. شدة حزنه ﷺ على عدم قبول الدعوة؛ حيث لم يستفق إلا في قرن الثعالب.
  9. عدم اليأس في نشر الدعوة بعد عودته ﷺ من الطائف.
  10. بيان شفقة أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- على النبي ﷺ لما رأت حاله يوم أحد.

وفي سؤال أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- للنبي ﷺ عن حاله وما لاقاه من المشركين، باب خير وعلم علمته الأمة لتعلم تفاصيل رحلته ﷺ إلى الطائف، وما عرض له من الأمور التي لا يطيقها إلا أولو العزم من الرسل. بل ولا يطيقها إلا إمام أولي العزم من الرسل عليه الصلاة والسلام.

ذلك لأنه تمكن من رقاب أعدائه جميعا بعذاب الاستئصال، ولكنه حلم وصبر واحتسب، وقال: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا.

ومن أسئلة أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- للنبي ﷺ في السنة ما جاء عن عروة «أن عائشة زوج النبي ﷺ حدثته، أن رسول الله ﷺ خرج من عندها ليلا، قالت: فغرت عليه، فجاء فرأى ما أصنع، فقال: ما لك يا عائشة! أغرت؟ فقلت: وما لي لا يغار مثلي على مثلك؟ فقال رسول الله ﷺ: أقد جاءك شيطانك؟ قالت: يا رسول الله أو معي شيطان؟ قال: نعم، قلت: ومع كل إنسان؟ قال: نعم، قلت: ومعك يا رسول الله؟ قال: نعم، ولكن ربي أعانني عليه حتى أسلم».

والحديث يدل على محبة أم المؤمنين -رضي الله عنها- للنبي ﷺ وأنها لا ترضى أن تؤثر عليه أحدا، وفيه مداراته ﷺ لنسائه ومراعاة حالهن، وذلك حين لاحظ تغير حال أم المؤمنين عن الحال التي تركها عليها. حيث بادرها ﷺ بالسؤال عن حالها، ومع ما كانت عليه أم المؤمنين -رضي الله عنها- من حالة الغيرة الشديدة عليه ﷺ، فإنها أبت إلا أن تفيد الأمة بالأسئلة التي وجهتها للنبي ﷺ عن القرين الملازم لجميع الناس حتى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. وفي هذا يقول النووي – رحمه الله – عند شرحه للحديث: «وفي هذا الحديث إشارة إلى التحذير من فتنة القرين ووسوسته وإغوائه، فأعلمنا بأنه معنا لنحترز منه بحسب الإمكان».

ثم أورد رحمه الله مسألة مهمة جدا، تهم كل مسلم وأنها مثار شبهة لو لم يُتفطن لها. وهي مدى تأثره ﷺ بهذا القرين وهل هذا يؤدي إلى اللبس في الوحي الذي يبلغه لنا ﷺ، فقال رحمه الله: «… واعلم أن الأمة مجتمعة على عصمة النبي ﷺ من الشيطان في جسمه وخاطره ولسانه».

وهذا علاوة عما أجاب به ﷺ في نص الحديث، حيث قال ﷺ: «ولكن ربي أعانني عليه حتى أسلم».

واقرأ هنا: أثر أمهات المؤمنين في خدمة القرآن الكريم وعلومه

ثانيا: ومن أسئلة أم المؤمنين حفصة -رضي الله عنها- للنبي ﷺ في السنة

عن حفصة بنت عمر بن الخطاب – رضي الله عنهما – أن النبي ﷺ أمر أزواجه أن يحللن عام حجة الوداع، فقالت حفصة: فما يمنعك؟ قال: «لبدت رأسي وقلدت هديي فلست أحل حتى آنحر هديي».

وفي لفظ لمسلم: «أن حفصة زوج النبي ﷺ قالت: يا رسول الله ما شأن الناس حلوا ولم تحلل أنت من عمرتك؟ قال: «إني لبدت رأسي وقلدت هديي، فلا أحل حتى أنحر».

وهذا الحديث الذي رواه الشيخان ورد ضمن أحاديث أوردها كل من البخاري ومسلم – رحمهما الله – لبيان النسك الذي حج به ﷺ.

ثالثاً: أسئلة أم المؤمنين أم سلمة -رضي الله عنها- للنبي ﷺ في السنة

عن أم سلمة – رضي الله عنه – أن أم سليم قالت: يا رسول الله إن الله لا يستحيي من الحق، فهل على المرأة الغسل إذا احتلمت؟ قال: «نعم، إذا رأت الماء» فضحكت أم سلمة، فقالت: تحتلم المرأة؟ فقال رسول الله ﷺ: «فبم يشبه الولد».

قيل في معنى قول أم سليم – رضي الله عنه – أن الله لا يستحيي من الحق، هذا تمهيد لبسط عذرها في ذكرها ما تستحيي النساء من ذكره، ومعناه أن سنة الله وشرعه أن لا يستحى من الحق.

ومعنى قولها: «احتلمت» الاحتلام افتعال من الحلم بضم المهملة وسكون اللام، وهو ما يراه النائم في نومه، والمراد به أمر خاص منه وهو الجماع. ومعنى قوله: «إذا رأت الماء» أي: المعنى بعد الاستيقاظ.

ومن الأحكام التي استنبطت من هذا الحديث: الدليل على وجوب الغسل بإنزال المرأة الماء، وفيه أن إنزال الماء في حالة النوم موجب للغسل، كإنزاله في حالة اليقظة، ومنها قوله ﷺ: «إذا رأت الماء» يرد به على من يزعم أن ماء المرأة لا يبرز، وإنما يعرف إنزالها بشهوتها بقوله: «إذا رأت الماء».

وقال الحافظ ابن حجر – رحمه الله – وفيه دليل على أن في النساء قابلية الاحتلام، وفيه دليل على وجوب الغسل على المرأة بالإنزال.

بقلم: د. خالد محمد الحافظ العلمي

أضف تعليق

error: