الاستغفار باب الرحمات الذي لا يغلق

صورة , الاستغفار , مسلم , مسبحة
الاستغفار

خلق الله بن آدم وقدر فيه الضعف والميل للشهوات، فتكثر زلاته وتتعدد عثراته، وقد ينهض ولكنه لا يلبث أن يعود إلى ضعفه، ومن ثم اقتضت رحمة الله عز وجل ولطفه بعباده المؤمنين أن يجعل بينهم وبينه بابا لا يُغلق أبدا، ولا يٌرد طارقه أبدا، وهو باب الاستغفار.

وفي هذا المقام يجدر بنا أن نذكر فضل الاستغفار مستدلين على ذلك بما ورد في الكتاب والسنة، ثم نتبع الموضوع بذكر فوائد الاستغفار وبيان اللطائف العظيمة في الاستغفار، وأسراره التي تبدل الحال وتنجي من المهالك.

فضل الاستغفار على ضوء الكتاب والسنة

أمر الله عباده بالاستغفار والإكثار منه في مواضع كثيرة جدا مبينا ما ينتظر المستغفرين من نعيم مقيم، وأجر عظيم فيقول عز وجل آمرا عباده المؤمنين بالاستغفار: ( لَوْلا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُون)، ويقول في موضع آخر: (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعاً حَسَنا).

ومن رحمة الله بنا أن يظل باب الاستغفار مفتوحا نطرقه وقتما نشاء، وحين تثقل كاهلنا الذنوب ويثقل علينا حملها فنجد الله توابا رحيما، وفي معرض الحديث عن الأخطاء والذنوب يقول نبينا -صلى الله عليه وسلم-: (كل بن آدم خطاء وخير الخطائين التوابين) فالاستغفار هو أساس التوبة وعمادها، وهو جوهر الندم على الذنب، وطلب المغفرة التي هي ستر الذنب والتجاوز عنه.

لطائف في معنى الاستغفار

من الأحاديث التي كلما قراتها وقر في قلبي يقين برحمة الله الواسعة وأن الله ما جعل لنا الاستغفار إلا ليفتح علينا باب رحماته وبركاته، وليغفر الله لنا ويعفو ويتجاوز عن زلاتنا، وهناك بعض اللطائف التي استشعرها في قول النبي –صلى الله عليه وسلم-: (والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم غيركم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم)، فكأن الله عز وجل يحب أن يسمع استغفار عباده، وتضرعهم له وإلحاحهم في طلب العفو والمغفرة منه، لدرجة أنه عز وجل يقبل من عباده أن يذنبوا ويخطئوا شريطة أن لا يصروا على الذنب، وهذه الكلمات تحمل بين ثناياها معنى الأمل والرجاء في رحمة الله وعدم اليأس مهما كثرت الذنوب، وزلت الأقدام. ولكن لا ينبغي أن يفهم من ذلك أنه دعوة للذنوب أو رخصة لارتكاب المعاصي، بل معناه أنه متى ضعف العبد وفرط الأمر من يده وسقط في هوة الذنوب، فعليه أن يتمسك بحبل الاستغفار ولا يتركه حتى تبلغ الروح الحلقوم.

وقول النبي –صلى الله عليه وسلم- حكاية عن رب العزة: (إِنَّ عَبْدًا أَصَابَ ذَنْبًا فَقَالَ: يَا رَبِّ إِنِّي أَذْنَبْتُ ذَنْبًا فَاغْفِرْهُ لِي، فَقَالَ رَبُّهُ : عَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ، فَغَفَرَ لَهُ، ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ أَصَابَ ذَنْبًا آخَرَ، وَرُبَّمَا قَالَ: ثُمَّ أَذْنَبَ ذَنْبًا آخَرَ، فَقَالَ: يَا رَبِّ إِنِّي أَذْنَبْتُ ذَنْبًا آخَرَ فَاغْفِرْهُ لِي ، فَقَالَ رَبُّهُ: عَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ، فَغَفَرَ لَهُ، ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ أَصَابَ ذَنْبًا آخَرَ، وَرُبَّمَا قَالَ: ثُمَّ أَذْنَبَ ذَنْبًا آخَرَ، فَقَالَ: يَا رَبِّ إِنِّي أَذْنَبْتُ ذَنْبًا آخَرَ فَاغْفِرْهُ لِي، فَقَالَ رَبُّهُ: عَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ، غَفَرْتُ لِعَبْدِي فَلْيَعْمَلْ مَا شَاءَ” رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ومسلم.

وفي هذا الحديث لفتة مباركة طيبة من الله عز وجل إلى بني آدم جميعا، فالله عز وجل يحب أن يرى يقين عبده وإيمانه بوحدانيته وإقراره بربوبيته وقدرته على الأخذ بالذنب وقدرته أيضا على مغفرته، وكأن كل الذنوب متى ارتكبت بدافع رغبة أو شهوة غلبت على صاحبها فهي بإذن الله مغفورة، شريطة أن يستقر بالقلب والوجدان معنى الإخلاص لله بالعبودية والوحدانية والإقرار والتصديق بقدرته المطلقة ورحمته اللامحدودة.

اقتران الاستغفار بالإكثار واللزوم

الإنسان من مهده إلى لحده يتقلب من ذنب إلى آخر ومن ضعف إلى ضعف، فهو يكذب تارة ويحنث تارة ويخرج عن شعوره فيسب أو يشتم أو يضرب تارة أخرى، وتزل قدمه فيقع في ذنب بدافع شهوته ورغباته، وهكذا يظل حاله إلا أن يتغمده الله برحمته، ولما كان الإنسان غالبا ما يعاود الذنوب ويلزمها جاء الاستغفار مقرنا باللزوم، وورد بيان فضله وثمرته كجواب شرط فعله لزوم الاستغفار والمداومة عليه، ومن ذلك قول النبي –صلى الله عليه سلم-: (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا ورزقه من حيث لا يحتسب).

أضف تعليق

error: