موضوع عن عيد الأم وفضلها

عيد الأم

إن للأم فضل واسع على أبنائها، فهي رمز كل خير في حياة الإنسان، وإن كان الإنسان يصحبه البركة في حياته، والرزق الواسع، إنما من رضا الوالدين، ولا سيما رضا أمه.

الأم هي رمز الحنان الصافي، والحضن الدافئ، الذي يلجأ إليه الإنسان فيجد فيه بغيته، يجد فيه الاحتواء، والدفء، والحب، وكل مظاهر القوة نجدها بين يدي الأم.

لذلك انبرى العالم كله للاحتفال بالأم وفضلها الواسع على البشرية كلها، فأصبح عيد الأم في الواحد والعشرين من شهر مارس من كل عام، ويختلف هذا التاريخ من بلد إلى أخرى، لكن لا تختلف بلاد العالم كله في الاحتفال بعيد الأم، فهو في كل بلد طقس دائم، ليتأمل أفضال أمه عليه، ويكافئ جزء بسيط من أفضالها بتقديم الهدايا وغيرها من الطرق التي قد يدخل الإنسان بها السعادة في قلب أمه.

ويُعتقد أن الاحتفال بعيد الأم كان أساسه في أيام الفراعنة القدماء، فقد كانوا يجلون الأم ويحترمونها، ويعترفون بعرفانها، وخير فضلها، وكانت (إيزيس) هي رمز الأمومة عند القدماء المصريين، وكان ذلك واضحًا جليًا في الرسومات الموجودة على جدران المعابد، وغيرها.

وبعد ذلك بقرون طويلة قامت حركة في الغرب تدعو إلى ضرورة الاحتفال بعيد الأم، وكانت صاحبة الشرارة الأولى (آنا جارفيس) والتي احتفلت بعيد الأم في إحدى الكنائس، ومن ثم بدأت الدعوة لانتشار الاحتفال بعيد الأم في شتى بقاع العالم، وفي أيامنا هذا، يحتفل العالم كله بعيد الأم.

فضل الأم على أبنائها، والإنسانية كلها

وإذا توقفنا قليلًا، وتساءلنا، لماذا تحظى الأم خاصة بهذا الاهتمام في العالم كله، ويجلها الكبير والصغير، وتعترف الإنسانية كلها بفضلها؟ فأسرد قليلًا عن فضل الأم، على أبنائها، والبشرية كلها، وكيف كانت الأم هي الرمز الإنساني الأسمى في العالم كله.

إن الأم حين تعلم بأن صغيرها أصبح في طول التكوين في أحشائها، تتبدل أيامها، وتتغير أحوالها، وتعاني أشد المعاناة، حرصًا منها على تغذية جنينها، والحفاظ عليه من كل سوء، فتراها تغالب نفسها، وتجاهد حتى يصبح جنينها في أتم صحة بداخلها، آملة أن يخرج إلى النور وتضعه بين يديها وتقبله، عاهدة نفسها أن تقيه كل الشرور في العالم مهما كبر سنه.

إن مدة حمل الطفل في رحم الأم تسعة أشهر، تعاني فيها السهر والأرق، والتعب الدائم، والغثيان الذي لا يبقي شيئًا في معدتها، والأدوية التي تأخذها حتى تقاوم ضعف مناعتها، وتحارب نفسها بكل الطرق، حتى يتغذى جنينها، ويخرج إلى النور سليمًا مكتمل التكوين.

وحين تضعه، في بضع ساعات، تلاقي الأم أوجاعًا لا تضاهيها أوجاع، ورغم أن الطب قد تقدم في أيامنا هذا، إلا أن الأم ما زالت تعاني حين ولادتها، حتى تضع الطفل الصغير، وأعد الأطباء أن آلام الطلق هي من أشد الآلام التي قد يعاني منه الإنسان يومًا، والرجال على قوتهم وفتوتهم، لا يتحملونه لحظة واحدة.

واقرأ هنا: في عيد الأم “عذرًا أمي فكلنا مقصرون”

وهذا إن دل إنما يدل على القوة التي زرعها الله داخل الأم، لكي تعين بها نفسها، وتقي طفلها من أي سوء، وهذه القوة منبعها الدائم هو الحب الذي تكنه من كل كيانها لابنها أو بنتها الذي يكبر يومًا بعد يوم في بطنها.

وبعد ذلك تبدأ موجة أخرى من التعب والأرق والمشقة، هي الأيام التي تعاني فيها الأم تربية طفلها حتى ينضج، وتراه بأم عينيها وهو يحبو ثم يسير ثم يجري أمامها، ثم يذهب إلى المدرسة، أيام طويلة تمر على الطفل لا يشعر فيها بأي إرهاق أو تعب، لأن الأم تحمل عنه كل الإرهاق، تسهر عند مرضه، وتسكت بكاؤه بإرضاعه فلا تصبر على جوعه، وتعلمه المهارات اللازمة حتى يستطيع أن يحبو ثم يمشي، وهي صابرة، منبع صبرها أيضًا الحب الدفين الذي لا ينضب.

وبنفس قوة الحب الذي تكنه الأم لابنها، تسانده حتى يكبر يومًا بعد يوم وينضج، تعاني لمعاناته، وتصبر على آلامه، وتقابل جفاء كلماته بالحب والمودة، فلا تستطيع مهما فعل فيها إلا أن تحب ابنها، لا تستطيع مهما دارت الأيام أن تنبذه من قلبها، والابن لا يشعر بشيء من ذلك، هو فقط حين يريد الدفء يجده بين يديها، وحين يريد النصيحة يجدها معها، وحين يريد أي شيء يجده معها. وكل ذلك نبعه الحب الصافي الذي لا ينضب من قلب الأم.

والأم دائمًا هي مورد كلمات الأدباء، والشعراء، حين يريدون أن يعبروا عن الإنسانية، قال فيها الأدباء: الأم مدرسة، إن أعددتها، أعددت شعبًا طيب الأعراق.

وهذه الجملة على إيجازها، فإنها تحمل في طياتها الكثير من فضل الأم على البشرية والإنسانية كلها، فالأم لا تعبر فقط عن أمومتها تجاه أولادها، بل تعبر عن الخير الكامن في الإنسانية، الخير الفطري الذي يهبه الله للإنسانية، والإنسان يدفن هذا الخير في نفسه، ويلقي شره في العالم.

إنني وإن حاولت الحديث عن الأم لن أوفيها حقها، فكل أم لها قصة فضل مع ابنها أو ابنتها لا نستطيع أن نرصدها في أسطر معدودة.

القرآن يوصي ببر الأم

قال تعالى: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ).

والله تعالى في سورة لقمان، يلقي الضوء على فضل الأم، ويوصي به الإنسان، ولم يحدد الله إنسانًا خاصًا، إنما أي إنسان لابد أن يرعى أمه، والسبب هو ما جاء في بقية الآية، فقد حملته الأم بالضعف والوهن، ومع ذلك تحملت حتى أكملت فطامه في عامين.
وهذه الآية تحمل بين طياتها رحلة طويلة تعانيها الأم، رحلة طويلة من الألم والضعف والمعاناة، لكنها تحملتها بواقع الحب الذي غرسه الله في قلبها تجاه وليدها، والأمل في أن ترى وليدها كاملًا سليمًا بين يديها، تقبله بحنان، ثم تشرع في رحلة إطعامه، وإرضاعه، وتربيته، وهي رحلة أطول مداها عمرها كله.

مكانة البار بأمه في الحياة

إن البار بأمه يحظى بمكانة كبيرة بينه وبين ربه، وبينه وبين المجتمع كله، فالله يرفعه درجات عالية، ورضا أمه يكون سببًا في دخوله الجنة إن شاء الله، غير أن المجتمع ينظر إليه نظرة احترام ووقار، لأنه يستطيع أن يهب أمه بعض من الحب الذي ورثه منها.

والبار بأمه يهبه الله الصحة والبركة في العمر، والعافية في الحياة، ويرزقه الله رزقًا واسعًا، غير راحة البال التي تطيب قلبه، والسكينة والطمأنينة التي يحظى بها البار بأمه في الحياة.

والحياة دائرة، كما تدين تدان، والذي يبر والديه، لا سيما أمه، يجعل الله له في ذريته بركة، ويرزقه الولد الذي يبره، ولا ينام إلا وهو راض عنه، ويكون عونه في الدنيا، وسبيل جنته في الآخرة، وكل ذلك نابع من رضا الأم ورضا الوالدين.

إن رضا الوالدين، ولا سيما رضا الأم، كان مفضلًا عند الرسول –صلى الله عليه وسلم- على الجهاد؛ جاء رجل إلى النبي –صلى الله عليه وسلم- فاستأذنه في الجهاد، فقال –صلى الله عليه وسلم- (أحي والداك؟) قال: نعم، قال النبي: (ففيهما فجاهد).

إن رضا الأم عند الله رسوله، والعالم أجمع، واجب ولابد أن يتحلى الإنسان برضا والديه حتى ينعم في الدنيا والآخرة.

أضف تعليق

error: